لذة الانتخابات الحرة

لذة الانتخابات الحرة

25 أكتوبر 2021
يرفض التونسيون التنازل عن المكتسبات (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -

احتفل التونسيون بمرور عشر سنوات على أول انتخابات حرة ديمقراطية وشفافة في تاريخ بلادهم، كان ذلك يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011، يومها جرّب التونسيون حرية الاختيار، وتذوقوا لذة أن يكون رأيهم هو الحاسم والفيصل، وتلتها انتخابات كثيرة بعد ذلك حوّلت المواطن في تونس إلى حاكم فعلي بأمره، يختار من يحكمه بنفسه ولا يُفرض عليه أحد. وبقطع النظر عن نتائج تلك الصناديق وما آلت وأدت إليه من منظومات حكم وهنات وإخفاقات، من يتصور اليوم أن يعود التونسي إلى موقع المتفرج، ويتخلّى عن إحساسه بأنه الحاكم الفعلي الذي يجازي ويعاقب ويثبّت ويقصي؟
ما تثبته هذه الأيام على الأقل هو أن هذه الديمقراطية الوليدة لا تزال تنبض بالحياة وتتنفس وتقاوم وتدافع عن مكاسبها، على الرغم من مشاكلها، وتحدياتها الجديدة التي يفرضها مشروع الرئيس قيس سعيّد السياسي الغامض. يؤكد رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات، شوقي قداس، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يمكن تركيز ديمقراطية حقيقية في غضون عشرة أعوام، وأن المسار صعب ويشهد تجاذبات، ولكن لا يجب أن ننسى إلى أين نسير؟ أي الهدف الحقيقي وهو مجتمع ديمقراطي يكفل الحقوق والحريات".

هذه هي البوصلة والاتجاه، وهذا ما يوحّد النخبة التونسية اليوم التي بدأت تستفيق عندما شعرت بالخطر وأن مشروع سعيّد سيقود البلاد إلى المجهول ويهدد بهدم الفكرة الديمقراطية من أساسها، حتى ممن كانوا موافقين على خطواته الأولى لإنهاء أزمة سياسية استمرت سنوات وكانت بدورها تهدد المسار الديمقراطي التونسي.

يؤكد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، أن أي ديمقراطية في العالم تقوم على الأحزاب، ومحاسبتها تكون عبر الصندوق، وإرادة الشعب تتجلى هناك وهو الذي يختار ويقصي، رافضاً الذهاب إلى المجهول، ومشدداً على أن رسم مستقبل تونس لا يمكن أن يتم بمعزل عن الاتحاد، ولا أحد بإمكانه تجاوز المنظمة النقابية وهذا ما أثبته تاريخ تونس. ويوضح الطبوبي أن الاتحاد العام التونسي للشغل لن يقبل بخيار اللجان الشعبية (في إشارة للمشروع السياسي لسعيّد). بدوره، يؤكد رئيس المجلس الأعلى للقضاء في تونس، يوسف بوزاخر، رفضه لأن تتم عملية إصلاح وتطهير القضاء، عبر السلطة التنفيذية، معتبراً ذلك "مساراً خاطئاً ومخالفاً للمعايير الدولية". جاء ذلك رداً على ضغوط متكررة يمارسها سعيّد على القضاء منذ فترة، داعياً إياه إلى أن "ينخرط في اللحظة التاريخية".

تبيّن هذه المواقف، وغيرها، أن التونسيين لن يفرطوا في لذة الحرية، وأن تلك اللحظة الخالدة يوم 23 أكتوبر 2011 لم تكن لحظة عابرة وإنما كانت مؤسِسة لتاريخ جديد في حياة التونسيين لن يقبلوا بأن يمحى بسرعة.