استمع إلى الملخص
- أُطلق سراح عدد من المعتقلين اللبنانيين من السجون السورية، مما دفع الحكومة اللبنانية لتشكيل خلية أزمة لمتابعة الملف والتفاوض مع الأطراف السورية.
- حذرت جهات لبنانية من خطر تحويل لبنان إلى ملاذ آمن لمسؤولي النظام السوري السابق، مؤكدة التزام الحكومة بالقوانين الدولية والمحلية وتعزيز الإجراءات الأمنية على الحدود.
مع إعلان سقوط نظام بشار الأسد في سورية، الأحد، سُجلت عبر معبر المصنع الرسمي الذي يربط لبنان وسورية، حركة وافدين كثيفة إلى الأراضي اللبنانية، وفق ما أكده مصدر في الأمن العام اللبناني لـ"العربي الجديد"، لافتاً إلى أن غالبية الوافدين من الجنسية السورية، إضافة إلى مواطنين من بلدان أخرى، منها العراق وإيران، مشيراً إلى أنّ "إجراءات أكثر تشدّداً اتُّخذت من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية، في ظلّ الفوضى التي تحصل، وغياب العناصر الأمنية من الجانب السوري".
وأشار المصدر إلى أنّ "معبر المصنع الحدودي بين لبنان وسورية هو الوحيد الذي يعمل على صعيد المعابر الرسمية الشرعية اللبنانية، لذلك يشهد حركة اكتظاظ كثيفة تحتّم اتخاذ إجراءات مشددة ولا سيما للداخلين إلى لبنان، بعكس حال الخارجين منه، حيث تقدّم لهم كل التسهيلات كما يسمح بمغادرة من سبق أن دخل البلاد خلسة"، مع الإشارة إلى أنّ الأمن العام يمنح إذن دخول لمدة أسبوع أو أسبوعين أو شهر استثنائياً، وفقاً لكل حالة تتوفر فيها الشروط الإنسانية.
ولفت المصدر إلى أنّ "آلاف السوريين غادروا لبنان منذ الأحداث الأخيرة، فيما يحاول العديد من المواطنين السوريين الدخول إلى الأراضي اللبنانية، والكثير منهم لا يحوزون الأوراق المطلوبة والشروط التي حدّدها الأمن العام، ضمنها حمل جنسية أخرى غير السورية أو حيازة جواز سفر أجنبي أو إقامة صالحة وغير ذلك من الإجراءات". كما لفت إلى أنّ معظم الذين يحاولون الدخول إلى لبنان آتون من منطقة السيدة زينب في ريف دمشق، مشيراً إلى أنّ "هناك تعاوناً مكثفاً بين الأمن العام والجيش اللبناني لضبط الوضع على المعبر، ومنع حصول أي إشكالات".
من جهته، قال وزير الداخلية والبلديات اللبناني، بسام مولوي، اليوم الثلاثاء، إن التعليمات المطبقة على المعابر الشرعية صارمة ويجري تطبيقها، مضيفاً أن السوريين الذين دخلوا بالفترة السابقة إلى لبنان أصحاب الإقامات القانونية والذين تتوفر فيهم الشروط بلغوا 8400 شخص، وأن الخارجين أكثر من الداخلين، متوقعاً خروج عدد أكثر عند استقرار الوضع في سورية.
وأضاف مولوي في مؤتمر صحافي أن المعابر غير الشرعية مقفلة، وهي بيد الجيش اللبناني، وأي سوري ملاحق بتدابير وملفات قضائية لا يسمح بدخوله إلى لبنان، وهناك تعليمات مشددة بهذا الإطار. وتابع: "بالنسبة إلى السوريين التعليمات مشددة بمنع الدخول العشوائي إلى لبنان، بحيث يدخل من لديه إقامة شرعية في لبنان وجواز سفر أجنبي أو إقامة أجنبية، ويمكن الدخول إلى لبنان ترانزيت بعد إظهار بطاقة سفر محجوزة"، مؤكداً أنه لم يدخل أي عنصر أمن بالنظام السوري السابق إلى لبنان.
وأعلن مولوي أنّ المعتقلين اللبنانيين المحرّرين من السجون السورية الذين وصلوا إلى لبنان بلغ عددهم تسعة أشخاص، مؤكداً أن الدولة اللبنانية على تواصل مع كلّ الدول التي لا تمنعها القوانين اللبنانية من التواصل معها.
وعدّد مولوي أسماء المعتقلين اللبنانيين المحرّرين وهم: محمد عمر الزعبي الكيلاني، أحمد ياسر عبيد، محمد علي محمود عباس، حسن محمد علي حيدر أحمد، إدريس محمد فارس، حامد متنبي شوشة، محمد ياسر حمادة، حسين زهير حيدر أحمد، وسهيل جوزيف حموي.
وعلى وقع إعلان قوات المعارضة السورية المسلّحة إطلاق سراح مئات السجناء، ومن بينهم لبنانيون، وارتفاع الأصوات في لبنان المطالبة بمتابعة القضية واتخاذ تدابير عاجلة لمعرفة مصير المعتقلين، قرَّر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تشكيل خلية أزمة في موضوع المفقودين والمخفيين قسراً تضم الوزارات والإدارات المعنية إضافة إلى اللجنة القضائية و"الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً"، وذلك بطلب من الهيئة.
وتؤكد مصادر أمنية لـ"العربي الجديد"، أنّ "الملف قيد المتابعة، وهناك إجراءات تتطلّب وقتاً للتحقّق من الهويات، وإجراء الفحوصات اللازمة لتثبيتها خصوصاً أنّ هناك أشخاصاً اعتقلوا منذ أكثر من 39 عاماً وإبان الحرب الأهلية اللبنانية، وتغيّرت بالتالي ملامحهم كثيراً".
ولفتت المصادر إلى أنّ "هناك أسماء وصوراً كثيرة يتمّ تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي على أساس أنها لمحرّرين لبنانيين، لكن العديد منها غير صحيح، أو تبيّن لاحقاً بعد المتابعة أنها لا تمتّ لهم بصلة، منهم المعتقل الذي قيل إنه علي العلي من الشمال، وصرّحت عائلته أنه قد يكون الشخص نفسه لدرجة الشبه بين المحُرّر وأفراد العائلة، بيد أنه ثبت بعد المتابعة وذهاب شقيقه إلى سورية، أنهما ليسا الشخص نفسه للأسف، وصاحب الصورة هو معتقل سوري".
وغصّت مواقع التواصل الاجتماعي منذ يوم أمس بفيديوهات للمعتقل اللبناني المحرّر سهيل حموي لحظة وصوله إلى بلدة شكا في شمال لبنان، ولقائه عائلته بعد 33 عاماً قضاها في سجون النظام السوري. وأشار حموي في تصريحات له إلى أنّه اعتقل قبل 33 عاماً وهو اليوم يبلغ من العمر 64 عاماً، وكان ابنه لم يتجاوز السنة، وتنقّل بين العديد من السجون والمعتقلات خلال هذه السنوات، آخرها في سجن بمدينة اللاذقية حيث حُرر، ولم يعلم عن سبب اعتقاله إلاّ بعد عشرين عاماً من دخوله السجن، وذلك بتهمة انتمائه إلى حزب القوات اللبنانية، كما أفادت زوجته أنها التقته بعد أكثر من 11 عاماً، مرّات عدة في السجون السورية، بيد أنّ ابنه لم يزره يوماً.
وأعادت هذه التطورات والأخبار عن تحرير معتقلين لبنانيين في السجون السورية الأمل من جديد لمئات العائلات اللبنانية التي لم تيأس يوماً ولم تترك قضيتها تُدفن رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود عليها، ورغم إهمال السلطات السياسية لمتابعتها، والتصريحات التي خرجت من النظام السوري بأن لا لبنانيين في السجون السورية.
وطالبت مصادر لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان في حديثها مع "العربي الجديد"، الحكومة اللبنانية والجهات الرسمية باتخاذ الإجراءات الفورية للتأكد من هويات المفرج عنهم بالسجون السورية، ومنها سجن حماة وصيدنايا، وأخذ هذا الملف للمرة الأولى على محمل الجدّ والمسؤولية، بعد سنواتٍ من التغييب والطمس والإهمال، فمعاناة الأهالي لا توصف، واليوم بلغت ذروتها مع آمالٍ عادت إليهم برؤية أبنائهم، بعد أكثر من 30 عاماً من الأسر والاعتقال والمصير المجهول.
وطالبت اللجنة المبادرة فوراً إلى تشكيل لجنة طوارئ مشتركة تجمع الجهات الأمنيّة المعنيّة والقضائية والهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً، تكون مهمتها العمل بشكل طارئ على المفاوضات اللازمة مع الأطراف السوريّة (النظام السوري، الجمعيّات غير الحكوميّة والأطراف العسكرية المعارضة للنظام) للتعرّف على هويّات المفرج عنهم، وتأمين ممرّ آمن لعودتهم إلى عائلاتهم في لبنان، واستقبالهم وتقديم الرعاية الصحية لهم.
وأشارت إلى أن "لوائح لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان لا تقتصر على المفقودين اللبنانيين بل تتضمن مفقودين من جنسيّات أخرى فقدوا على الأراضي اللبنانية وأن أهاليهم ما زالوا مقيمين في لبنان، وبالتالي فالدولة اللبنانية معنية بالكشف عن مصيرهم، لأن الإنسانية لا تتجزأ".
وتابع مولوي، أمس الاثنين، الأوضاع عند نقطة معبر المصنع الحدودي، وأوعز إلى المديرية العامة للأمن العام باتخاذ الإجراءات الفورية اللازمة لمنع محاولات دخول السوريين بطريقة غير شرعية، وتعزيز عدد العناصر بصورة فورية، وكلّف المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بالتدخل، وإرسال تعزيزات من وحدة القوى السيارة للمؤازرة وضبط المعبر وإقامة الحواجز.
ونتيجة لغياب الأمن العام السوري عن المركز الحدودي في جديدة يابوس، تدفقت أعداد كبيرة من السوريين باتجاه مركز المصنع الحدودي، حيث حاول قسم منهم الدخول عنوةً ومن دون الخضوع لإجراءات الأمن العام اللبناني. وقام الأمن العام بالتعاون مع الجيش والأمن الداخلي، بضبط الوضع وإعادتهم إلى الأراضي السورية، والسماح بالدخول فقط للمستوفين الشروط المعمول بها، وفق بيان الأمن العام.
يُذكر أنه نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي استهدفت المعابر الحدودية البرية، لا سيما في الشمال اللبناني، تقرر إقفال هذه المعابر حتى إشعار آخر، حفاظاً على سلامة العابرين والوافدين، على أن يبقى معبر المصنع الحدودي متاحاً، خصوصاً للرعايا السوريين وفقاً للإجراءات الاستثنائية المؤقتة.
من جهته، تحدث رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، اليوم الثلاثاء عما "يجري تداوله عن دخول بعض المسؤولين السوريين السابقين، أو عبورهم إلى دول أخرى وإلى لبنان"، مشيراً إلى أن "سياسة الحكومة اللبنانية طالما كانت الركون إلى القوانين اللبنانية والدولية، وهو أمر انتهجته طيلة الفترة السابقة عندما استقبل لبنان مئات الآلاف من الإخوة السوريين".
وتابع ميقاتي بحسب مكتبه الإعلامي، "هذا الموضوع من كثب، وقد أجرى لهذه الغاية اتصالات مكثفة مع كل من وزير العدل هنري خوري، ومدعي عام التمييز القاضي جمال الحجار، والمدير العام للأمن العام بالتكليف اللواء الياس البيسري، وأعطى توجيهاته بأن يصار إلى الاحتكام بهذا الملف إلى ما تفرضه القوانين والأنظمة المرعية الإجراء، وتحت إشراف القضاء المختص، وفي ما يؤمن مصلحة لبنان واللبنانيين ومستقبل العلاقات مع الشعب السوري".
إلى ذلك، حذر الحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان، في بيان اليوم الثلاثاء، من خطورة تحويل لبنان إلى ملاذ آمن لقيادات تنتمي إلى النظام السابق في سورية، وارتكبت جرائم بحق لبنانيين وسوريين، ناقلاً عن تقارير قولها إن شخصيات بارزة في نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد فرت إلى لبنان المجاور. ودعا الحزب "الدولة بكل مؤسساتها الأمنية والقضائية إلى تدارك هذا الأمر، ومنع حصوله، كي لا يتحمّل لبنان تداعيات قانونية وسياسية نتيجة لهذا الأمر".
وجاء في بيان الحزب: "بعد ورود أخبار عن هروب بعض قيادات النظام المخلوع في سورية إلى لبنان عبر المعابر الشرعية، أو عبورها من لبنان إلى دول أخرى، ينبه الحزب التقدمي الاشتراكي من خطورة تحويل لبنان إلى ملجأ آمن لهؤلاء المسؤولين عن الكثير من الجرائم بحق لبنانيين وسوريين".