لبنان... مقابر العدالة تتوسع

لبنان... مقابر العدالة تتوسع

06 اغسطس 2021
إحياء ذكرى انفجار مرفأ بيروت أول من أمس الأربعاء (فرانس برس)
+ الخط -

عملياً لم يعد محيّراً عجز أهالي ضحايا مرفأ بيروت عن تحقيق العدالة. فالتعمية على الحقائق والعدالة في لبنان، الذي كان نموذجاً مشرقياً في التعددية وانفتاح التنوع الثقافي، مؤشر على أنه بلد لم يُترك لمصيره منذ 1958. وبشكل أوضح ثابر أهل الحكم ونخبهم منذ عام 1975 على التصدي لمحاولات تحويل ثقافة الديمقراطية إلى ما فوق الطائفية، وبالتحديد بإحالة مطلب العدالة الاجتماعية إلى "ترف"، وأحيانا إلى اتهامات، استدعت تصفية المبشرين بلبننة القرار.

همساً اضطر اللبنانيون، ومعهم الفلسطينيون والسوريون، منذ نُفذت مذبحة مخيم تل الزعتر الفلسطيني في مثل هذه الأيام من عام 1976، للإشارة إلى مصدري أوامر الاغتيالات والجرائم. فقبل مطالب العدالة لضحايا مرفأ بيروت، جرب آلاف آخرون الوصول إليها عن جرائم كثيرة.
على الأقل منذ اغتيال كمال جنبلاط (1977)، وقائمة طويلة من طلب الحقيقة والعدالة عن جرائم استهداف السياسيين والصحافيين، بينهم سليم اللوزي، الرافضين تحويل بلدهم إلى ملحق لدى حاكم "الشقيقة الكبيرة" في دمشق، حافظ الأسد، جرى تمييعها.

فمن اغتيال الرئيس الأسبق رينيه معوض (1989)، ومفكرين وكتاب ديمقراطيين، كمهدي عامل وحسين مروة، وحتى رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري ورفاقه (2005)، واغتيالات طاولت صحافيين، كجبران تويني وسمير قصير، وسياسيين من شتى الاتجاهات، بمن فيهم اليساري جورج حاوي، وحتى وقت قريب في اغتيال الكاتب لقمان سليم، يستمر مسلسل قبر العدالة. وفي ذلك إصرار على إبقاء لبنان تحت رحمة صدمات الفرز والتسويف المانعين دولة القانون وبلسمة جراح ناس هذا البلد، داخله وفي شتاته المتوسع.

منذ خريف 2019 عبّر اللبنانيون، وبالأخص شبابهم، عن سأمهم من تحويل مجتمعهم إلى هوس استبدال الدولة بـ"جماعتنا"، محاولين كسر احتكار بعض النخب تصنيف الكيانية اللبنانية ومستقبلها، ورفض تحويل الشعب إلى حطب تحقيق مصالح "الزعامات". فانتقال مفهوم العدالة إلى "عدالة ذاتية ثأرية"، يعني إمعاناً في إغراق المشهدية اللبنانية في وحل مذهبية وطائفية دموية.

باختصار، فإن طلب العدالة لضحايا مرفأ بيروت يختزل الحد الفاصل بين مفهومي وطن. الأول، متخيل وفق سردية كئيبة ومتجهمة تنسف تعدديته وثقافته، وتحيلهما إلى نقمة على طريق فكفكة وإعادة تركيبه بناء على تجاذب دامٍ أشبه بمتفجرات ميشال سماحة المنقولة من دمشق في 2012. والثاني، الباحث، كبقية ناس المنطقة، عن وطن لا يعيش هوية مأزومة ولا ثقافة الهمس وقبر العدالة، بكل صنوفها.

المساهمون