استمع إلى الملخص
- يستند الاتفاق إلى القرار 1701 مع تعديلات تمنح إسرائيل حق الرد على التهديدات، وتعاون استخباراتي أميركي-إسرائيلي، بينما ترفض الحكومة اللبنانية أي حرية حركة للعدو داخل أراضيها.
- يبرز الاتفاق الحالي اختلافات عن القرار 1701، منها إشراف أميركي-فرنسي وضمانات لحرية الحركة الإسرائيلية، مع توقعات بإعادة تكوين السلطة السياسية في لبنان.
ينصّ الاتفاق الراهن على إنشاء هيئة إشراف لمراقبة تطبيق القرار
عكس القرار 1701 هناك الآن مهلة 60 يوماً للانسحاب الإسرائيلي
المرحلة المقبلة تضع لبنان أمام نوع من "الوصاية الأميركية"
القرار الأممي دعا إلى معالجة قضية الأسرى والمحتجزين لا ترحيلها
دخل وقف إطلاق النار في لبنان بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي حيّز التنفيذ فجر اليوم الأربعاء، بعد حرب استمرّت منذ الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عقب عملية "طوفان الأقصى"، وتوسّعت في سبتمبر/ أيلول الماضي، لتسفر عن سقوط أكثر من 3800 شهيد في لبنان، وجرح ما يزيد عن 15 ألفاً، ونزوح نحو مليون و300 ألف شخص، وتدمير آلاف المباني، والأسواق، والمواقع التراثية، والمنشآت المدنية والصحية، ومساحات واسعة من الأراضي الزراعية.
وعشية الإعلان عن وقف إطلاق النار، كثف الاحتلال ضرباته التدميرية الدامية على الضاحية الجنوبية لبيروت، والبقاع، والجنوب، مستهدفاً أيضاً بوابل من الغارات مناطق في قلب العاصمة بيروت، منها مناطق تُقصف للمرة الأولى، حتى ساعات الفجر، في وقتٍ واصل فيه حزب الله عملياته العسكرية ضد مواقع وقواعد إسرائيلية. وبحسب ما تداولته وسائل إعلام إسرائيلية أمس الثلاثاء، فإنّ إسرائيل، بحسب محتوى المقترح الأميركي، ستنسحب من جنوب لبنان في غضون 60 يوماً بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ، وستحلّ محلها قوات الجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، التي ستعمل على إزالة البنية التحتية التابعة لحزب الله حتى نهر الليطاني.
وفيما أكد الجانب اللبناني أن المقترح الأميركي يرتكز على القرار 1701 الذي أنهى عدوان يوليو/ تموز 2006، ولا يعطي الجانب الإسرائيلي حرية الحركة في لبنان، من دون أن ينشر بعد رسمياً أي تفاصيل عنه، كشفت القناة 13 الإسرائيلية، مساء الثلاثاء، عن بنود الاتفاقية في ورقة أطلقت عليها اسم "وثيقة ضمانات أميركية"، وهي وثيقة جانبية إضافية على نص اتفاق وقف القتال مع حزب الله.
وفي نص الوثيقة الجانبية، كان أبرز ما في الضمانات الأميركية "منح إسرائيل حق الرد على أي تهديدات قد تكون وشيكة من لبنان"، بالإضافة إلى عزم واشنطن على المشاركة مع إسرائيل في تبادل المعلومات الاستخباراتية الحساسة التي تتعلق بالانتهاكات، و"التعاون مع إسرائيل لكبح أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في لبنان، بما في ذلك منع نقل الأسلحة والمساعدات أو أي أنشطة أخرى تنطلق من الأراضي الإيرانية".
وفي هذا الإطار، يقول مصدر وزاري لبناني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "مجلس الوزراء سيناقش، اليوم الأربعاء، التطورات واتفاق وقف إطلاق النار، والدولة اللبنانية حتماً لن تسمح بما يمسّ سيادتها، هدفنا الأول وقف العدوان، وفي الوقت نفسه الحفاظ على السيادة"، مؤكداً أنّ لبنان قال كلمته بتطبيق القرار 1701 من دون أي تعديل، مشدداً على أنّ "لا حرية حركة للعدو في لبنان، والوجود الأميركي هو رقابي ولن يكون هناك أي تحرّك عسكري له".
أيضاً، يشير مصدر نيابي في حزب الله، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "هناك محاولة إسرائيلية لتصوير نصرها عبر تلاعبها وإعلامها بمضمون القرار 1701، لكن موقف لبنان عبّرت عنه الحكومة بالالتزام بالقرار الأممي كما هو من دون أي تعديل، ولن تكون هناك أي حرية حركة للعدو داخل لبنان"، لافتاً إلى أن إسرائيل عجزت عن تحقيق شروطها، ولم تتمكن من تحقيق أهدافها، بما في ذلك إنشاء منطقة عازلة، والميدان لعب دوراً أساسياً بذلك.
هذا، ويترقب لبنان وصول الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت، اليوم الأربعاء، لمواكبة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، ومتابعة الجهود الفرنسية لإيجاد حل للأزمة السياسية في لبنان، مع الإشارة إلى أن فرنسا ستشارك في لجنة مراقبة تنفيذ الاتفاق إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا، مع إصرار لبناني على ذلك، بعدما كانت إسرائيل تعارض مشاركتها.
قراءة في القرار 1701 بين عامي 2006 و2024
وفي قراءة للفوارق بين القرار 1701 الذي يرتكز عليه المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار وذاك الصادر عام 2006 لإنهاء عدوان يوليو، فقد نصّ الأخير في أبرز بنوده على الاحترام التام للخط الأزرق من جانب كلا الطرفين، واتخاذ ترتيبات أمنية لمنع استئناف الأعمال القتالية، بما في ذلك إنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من أي أفراد مسلحين أو معدات أو أسلحة، بخلاف ما يخص حكومة لبنان واليونيفيل، إضافة إلى التنفيذ الكامل للأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان، والقرارين 1559 (2004) و1680 (2006)، والتي تطالب بنزع سلاح كل الجماعات المسلحة في لبنان.
كما ينص القرار 1701 الصادر عام 2006 على منع وجود قوات أجنبية في لبنان دون موافقة حكومته، ومنع مبيعات أو إمدادات الأسلحة والمعدات ذات الصلة إلى لبنان، عدا ما تأذن به حكومته، وتزويد الأمم المتحدة بجميع الخرائط المتبقية للألغام الأرضية في لبنان الموجودة بحوزة إسرائيل. وفي هذا الإطار، يقول مهنّد الحاج علي، نائب مديرة شؤون الأبحاث في مركز مالكوم كير–كارنيغي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هناك فرقاً ما بين القرار 1701 الذي أقرّ عام 2006 لإنهاء الحرب في لبنان، وما بين القرار الذي اتفق عليه اليوم من بوابة المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار، سواء من حيث الشكل أو المضمون".
ويتوقف الحاج علي عند أبرز الفوارق؛ أولاً، "ينصّ الاتفاق الراهن على إنشاء هيئة إشراف أميركية - فرنسية لمراقبة التطبيق، ما يعني حوكمة لموضوع تنفيذ القرار 1701، وهذه نقطة جديدة لم تكن واردة عام 2006، إلى جانب حرية الحركة الإسرائيلية في حال حصول خرق من جانب حزب الله، وهي عملياً بضماناتٍ أميركية، سُرِّبت إلى الإعلام، وبشكل مقصود، لإظهار أن هناك غطاءً أميركياً لأي ضربة يمكن أن تحصل ضد حزب الله في حال عدم التزامه بالتنفيذ".
أيضاً، يقول الحاج علي إنّ "هناك نوعاً من إعلان سياسي جديد لحزب الله لجهة التعاون والمساهمة الفعّالة لانتخاب رئيس للجمهورية من خلال مجلس النواب بالطريقة الدستورية، على أن تكون خطواته السياسية وشؤون الدولة تحت سقف الطائف بالتعاون مع القوى السياسية". ويضيف: "على المستوى الإجرائي أيضاً هذه المرة، وعكس القرار 1701، هناك مهلة 60 يوماً وضعت لها علاقة بالعمل الإشرافي، بمعنى أن الانسحاب الإسرائيلي أصبح مشروطاً بتنفيذ الاتفاق من قبل حزب الله، ما يُترجم بأن الأرض اليوم مقابل الالتزام".
ويتابع الحاج علي "واضح عند الجانب الإسرائيلي وعكس ما كان عليه عام 2006، تمتعه بقدرات استخباراتية عالية تقنياً، وكذلك في خرق التنظيم نفسه، الأمر الذي يتيح له معرفة ما إذا كان هناك تنفيذ للقرار 1701 أم لا، وهذه من الفروقات الأساسية بين حرب تموز وعدوان اليوم"، ويرى "أننا سنكون في المرحلة المقبلة أمام نوع من الوصاية الأميركية، من دون أن ننسى أن الولايات المتحدة هي الراعي الأساسي للجيش اللبناني، وليست راعياً عادياً على عكس وضع عام 2006، فالحكومة اللبنانية لا تدفع رواتب الجيش اللبناني بالقدر اللازم أقلّه، بل أميركا التي تؤمن المبالغ المطلوبة عبر دعم ومساهمات خارجية واسعة، من هنا نتحدث اليوم عن واقع جديد، فأميركا ليست فقط تريد تطبيق القرار 1701، بل هي راعٍ للجيش، والحديث عن مساعدتها بمراقبة التنفيذ، وفي ظل وجود حزب الله على الأرض، يعني نوعاً من قدرة أميركية بالتقنيات العالية استخباراتياً على مراقبة الوضع الميداني".
من ناحية ثانية، يرى الحاج علي أن "الأجواء أكثر تفاؤلية بالالتزام من جانب حزب الله، خصوصاً أن هناك مؤشرات إيجابية لذلك، وحديث إيراني أميركي إيجابي، إلى جانب خطاب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم الأخير لناحية العناوين السياسية السابق ذكرها أعلاه، ما يشي بأن الحزب سيعيد التموضع ويوقف استراتيجية انخرط فيها، أبرزها وحدة الساحات وفتح جبهة الجنوب على مصراعيها، وهذه صفحة برأيي انطوت".
تبعاً لذلك كله، يرى الحاج علي "أننا قد نشهد إعادة تكوين للسلطة السياسية في لبنان، وتنفيذ القرار 1701، ورؤية دور أكثر إقداماً للجيش اللبناني لحفظ الاستقرار بالجنوب، ما يعني عملياً حصول انفراجة".
من جانبه، يقول المحامي هيثم عزّو إنّ "هناك بعض الاختلاف بين الاتفاق المنشود والقرار الأممي الذي يتمسّك به لبنان، حيث نرصد مبدئياً وبالاستناد إلى ما هو متداول، وإلى حين الحصول على النسخة الأصلية للاتفاق، عدداً من التباينات، منها أنّ القرار الأممي دعا إلى انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي بكافة قواته من الأراضي اللبنانية جنوبي الخط الأزرق التي توغل فيها، وذلك بالتزامن والتوازي مع نشر الجيش اللبناني واليونيفيل فيها، وليس إعطاء إسرائيل مهلة 60 يوماً للقيام بهذا الانسحاب".
ويضيف "القرار الأممي دعا إلى مراقبة تنفيذ القرار 1701 والالتزام به من قبل قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، وتعزيز عديدها وصلاحياتها وليس إنشاء لجنة إشراف إلى جانبها، ذات طابع عسكري، من جنسيات دولية أجنبية معينة، برئاسة جنرال أميركي".
ويتابع عزّو أن "القرار الأممي دعا إلى وقف تام ودائم لإطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، وليس هدنة هشة مؤقتة لمدة 60 يوماً، قد تكون لالتقاط العدو أنفاسه واختلاقه بعدها ذريعة ما لإعادة حربه وشن غاراته، كما أنه دعا إلى احترام السيادة اللبنانية وليس إعطاء إسرائيل إجراءً ماساً بها، في حال الاشتباه بأي خرق، بعد التشاور مع الولايات المتحدة، وفي حال عدم تعامل الجيش اللبناني مع التهديد الذي قد تزعمه". كما أن "القرار الأممي دعا إلى معالجة قضية الأسرى والمحتجزين، وليس ترحيل معالجة هذه النقطة الحساسة إلى أجلٍ غير مسمّى، والتي قد تولّد لاحقاً صراعاً عسكرياً جديداً"، بحسب عزّو.