ينشط الداخل اللبناني في دراسة تداعيات خطوة الاحتلال الإسرائيلي التنقيب عن النفط في المنطقة المتنازع عليها والإجراءات التي سوف يتخذها عطفاً على الرسالة التي وجهها بهذا الخصوص إلى الأمم المتحدة.
وجدّد الرئيس اللبناني ميشال عون، اليوم الأربعاء، التزام لبنان بتطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته والتمسك بحقوقه في مياهه وثرواته الطبيعية والرغبة باستئناف المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية.
وأضاف: "من هنا أبدينا اعتراضنا لدى مجلس الأمن والأمم المتحدة على ما قامت به إسرائيل أخيراً من توقيع عقود تقييم تنقيب الغاز والنفط مع إحدى الشركات الأميركية، لأن هذه الخطوة تتناقض مع مسار التفاوض غير المباشر باستضافة الأمم المتحدة والوساطة الأميركية، والذي يتطلب تجميد كل الأعمال المتعلقة بالتنقيب في المناطق المتنازع عليها بانتظار حسم مسار التفاوض غير المشروط".
ويرفض ميشال عون منذ إبريل/ نيسان الماضي، التوقيع على تعديل المرسوم الذي يصحح حدود لبنان البحرية بحيث ينتهي الخط الجنوبي عند نقطة 29 التي ستتحوّل إلى نقطة التفاوض بدلاً من النقطة 23 قبل التعديل وهو ما يضيف 1430 كيلومتراً مربعاً على المساحة السابقة (860 كيلومتراً مربعاً)، التي كان الخط 23 قد فرضها، كما من شأنه أن يعطيَ لبنان الحق بالتفاوض على نسبة من حقوقه في حقل كاريش الذي يستثمره العدو الإسرائيلي.
ويخوّل توقيع تعديل المرسوم الدبلوماسية اللبنانية عند سلوكه الطلب من اليونان منع شركة "انرجيان" اليونانية من الحفر في الحقل المذكور الذي يصبح عندها منطقة متنازعاً عليها.
وتذرع عون بأن قانونية المرسوم تحتاج إلى جلسة لمجلس الوزراء ليتخذ القرار مجتمعاً، بينما كان رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وقتها يرفض دعوة المجلس للانعقاد بحجة "التصريف"، ما شكّل مادة خلاف داخلية يقول مطلعون على الملف إنها خدمت الاحتلال الإسرائيلي.
ويرى العميد الركن المتقاعد أنطوان مراد أن هذه الحركة الداخلية جاءت متأخرة جدًا، إذ يقول في حديث مع "العربي الجديد"، إن جميع المسؤولين كانوا على علم بالإجراءات الإسرائيلية، مشيرًا إلى أن "المسؤولين يدّعون اليوم المفاجأة باعتبار أننا منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 وخلال المفاوضات في الجلسة الرابعة نبّهنا من أن العدو لديه خطة للمباشرة بمشروعٍ نفطيٍّ في حقل كاريش خلال النصف الثاني من عام 2021".
بعدها حصلت أحداث متتالية أكّدت المؤكد، منها في 14 يونيو/حزيران الماضي، عندما زار الوسيط الأميركي السفير جون دوروشيه لبنان ثم ذهب بعد ثلاثة أيام إلى فلسطين المحتلة، وتحدثت وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار عن أنهم مستعدون للنظر في حلول إبداعية لإنهاء الملف، وأن الهدف من المفاوضات هو إيجاد حل للنزاع الحدودي البحري الذي سيمكن من تنمية الموارد الطبيعية لصالح سكان المنطقة، وفق ما يشير مراد.
ويضيف "في 25 يونيو، كانت زيارة لـ13 سفيراً في الاتحاد الأوروبي إلى منشآت نفطية على الحدود الشمالية، وبعد أربعة أيام أعلن موقع إسرائيلي بشكل واضح وصريح أن العدو وقع اتفاقيات تنقيب بالمنطقة المتنازع عليها، وبالتالي فإنّ هذه الأحداث كانت تحتم على لبنان أن يتدارك الأمر وليس بعد توقيع الاتفاق وإثر تغريدة النائب السابق وليد جنبلاط التي كشف فيها عن الموضوع في منتصف هذا الشهر".
ويعتبر مراد أن "العدو الإسرائيلي اختار التوقيت المناسب، وكلنا نعلم أن الحكومة ستضمن في بيانها الوزاري ملف استئناف المفاوضات التقنية غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية المتوقفة منذ مايو/ أيار الماضي بعد الجولة الخامسة، وبالتالي يمكن أن يرى في خطوته العصا المنظورة لعودة هذه المفاوضات بالضغط على الجانب اللبناني الذي يريد بدوره أن يحوّل تصرفاته إلى عملٍ بطولي لإنهاء المسألة، وهو ما تقابله بالتالي عصا غير منظورة ربطاً بأن السياسي اللبناني لا يعمل إلا بصفقة أو صفعة".
ويرى العميد مراد أن لبنان قادم على استئناف شبه مؤكد للمفاوضات، معرباً عن أمله أن يتصرف الجانب اللبناني لمرة واحدة كدولة ويخوض معركة وطنية ولا يتلهّى في معارك داخلية يستفيد منها العدو الإسرائيلي، خصوصاً أن تصحيح الحدود والتفاوض على خط 29 إذا ما تمسّك به لبنان يحتاج إلى حكومة قوية وموقف موحّد، فيما رجح أن يكون التفاوض على خط 23، وهو "الخطأ التاريخي الذي وقع فيه لبنان بإحداثيات عام 2010".
من جهته، يؤكد الخبير الدولي في شؤون الطاقة والنفط رودي بارودي، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن الإحداثيات التي سار عليها لبنان عام 2010 وأودعها في الأمم المتحدة، وكذلك فعل العدو الإسرائيلي عام 2011، لم تعد صالحة نظراً للمتغيّرات والتطوّرات التقنية التي حدثت.
وأشار إلى أن "الصخور التي يتمسّك العدو بأنها جزر لا مفاعيل لها ولا يمكن احتسابها لمنحه مساحات إضافية، وهو ما يصبّ في صالح لبنان ويضمن حقوقه"، لافتاً إلى أن "الأمم المتحدة لا بدّ من أن تطلب من الفريقين أمام الوسيط الأميركي تقديم إحداثيات جديدة، وهي خطوة لصالح لبنان الذي يمتلك الأكثرية، لكن حتى اليوم فإنّ الوثائق اللبنانية المعتمدة والموجودة لدى الأمم المتحدة تقول إن الخط 23 هو خط التفاوض الذي يشمل المساحة البالغة 860 كيلومتراً مربعاً، علماً أنه في المقابل طالما الخلاف موجود فيمكن للبنان أن يتدخل ويتحرك لدى الأمم المتحدة حتى تتوقف الشركة الأميركية عن التنقيب، وهو أمرٌ سبق أن حصلَ في حالات كثيرة ماضية".
تجدر الإشارة إلى أن الجلسة الخامسة من المفاوضات أفضت إلى طلب الوسيط الأميركي أن يكون التفاوض محصوراً فقط بين الخطين الإسرائيلي واللبناني المودعين لدى الأمم المتحدة، أي أن يشمل التفاوض المساحة البالغة 860 كيلومتراً مربعاً وذلك خلافاً للطرح اللبناني ولمبدأ التفاوض من دون شروط مسبقة.
وأكد مصدرٌ عسكري لـ"العربي الجديد"، أن لا جديد في الملف حتى الآن ولا حديث عن موعد للجولة السادسة، مشدداً على إصرار الجانب اللبناني على انطلاق التفاوض من نقطة رأس الناقورة وفق ما نصّت عليه اتفاقية "بوليه نيوكومب" عام 1923، ومن النقطة 29 بدلاً من 23، وعدم احتساب أي تأثير لصخرة تخليت، لأنها غير قابلة للسكن ولا تنطبق عليها مواصفات الجزر ومخالفة لاتفاقية البحار الصادرة عام 1982.
ودعا رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري وزارة الخارجية اللبنانية إلى تحرك عاجل وفوري باتجاه مجلس الأمن والمجتمع الدولي للتحقق من احتمال حصول اعتداء إسرائيلي جديد على السيادة والحقوق اللبنانية.
وأكد أن "قيام الكيان الإسرائيلي بإجراء تلزيمات وإبرام لعقود تنقيب في البحر لشركة (هاليبرتون) أو سواها من الشركات في المنطقة المتنازع عليها في البحر يمثل نقضاً لا بل نسفاً لاتفاق الإطار الذي رعته الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة"، معتبراً أن تلكؤ ومماطلة تحالف شركات "توتال نوفاتك" و"إيني" في المباشرة بعمليات التنقيب والتي كان من المفترض البدء بها قبل عدة شهور في البلوك رقم 9 من الجانب اللبناني للحدود البحرية يطرح تساؤلات كبرى.
وتواصل وزير خارجية لبنان عبد الله بو حبيب مع كل من مندوبة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك السفيرة أمل مدللي وسفارة الولايات المتحدة، بشأن تلزيم الاحتلال الإسرائيلي شركة "هاليبرتون" عقداً للقيام بعمليات تقييم للتنقيب والتأكد من أنه لا يقع في منطقة متنازع عليها.
وعقد رئيس الجمهورية ميشال عون، الإثنين، مع رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، اجتماعاً لدراسة تداعيات الخطوة الإسرائيلية والإجراءات التي سوف يتخذها لبنان.