خرج رئيس "التيار الوطني الحرّ" النائب جبران باسيل، اليوم الأحد، في كلمة مطوَّلة جاءت في توقيتها بعد أسبوعٍ على خطاب رئيس الوزراء اللبناني المكلَّف سعد الحريري، ولم تحمل جديداً في ما يتعلق بالملفات التي طرحها، خصوصاً تعثر تأليف الحكومة. وسعى باسيل في كلمته، على غرار ما فعل سابقاً، إلى التنصل من أي مسؤولية عن تعطيل تشكيل الحكومة، كرر لازمة حماية موقع الرئاسة الأولى (أي رئيس الجمهورية) من محاولات الاقصاء. لكنه ذهب بعيداً بالحديث عن "وجود عمل في المنطقة على تفاهم سني شيعي"، قبل أن يضيف "ونحن معه لأن هناك مصلحة كبيرة للبنان ولنا، ولكن البعض يفكر أن يترجمه بتحالف رباعي جديد ويعزل المسيحيين"، على حد وصفه، وذلك في إشارة إلى تحالف ضم، عام 2005، حزب الله وحركة أمل وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، معتبراً أنّ "هذا ما لا يحدث، لأننا لا نعزل، ولأن حزب الله لا يلعب تحت الطاولة"، على حدّ قوله.
وأبعد باسيل مرة جديدة عن نفسه "كأس التعطيل"، وبرّأ فريقه من تمسّكه بالثلث المعطّل الوزاري، طارحاً شروطه في إطار مبادرة من شأنها أن تسهل تشكيل الحكومة، بيد أنها تزيد الشرخ في ظلّ إصرار الحريري على عدم التنازل عن أيّ مبدأ يريد تكريسه في الحكومة الجديدة، وهذا ما يبدو جلياً بعد الردّ السريع لـ"تيار المستقبل" على ما تضمّنته كلمة صهر رئيس الجمهورية.
وفنّد رئيس "التيار" في كلمته أسباب التعطيل الداخلية، معرجاً على تلك الخارجية، وأعاد استخدام منطق المؤامرة والحرب التي تشن على عهد رئيس الجمهورية منذ انطلاقته، سواء من تيار الحريري أو أفرقاء مسيحيين أبرزهم "حزب القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع، اللذين ساهما بوصول ميشال عون إلى سدة الرئاسة، ويحاولان إفشال عهده.
وقال باسيل إن "الحلّ واضح، ويتمثّل في أنّ رئيسي الجمهورية والحكومة المكلَّف شريكان متساويان بالتشكيل، وسوياً، يجب أن يتفقا على شكل الحكومة وعددها وتوزيع الحقائب والأسماء".
وحسم باسيل المؤكد أنه "من دون رئيس الجمهورية وموافقته لا تشكَّل الحكومة، ومن دون رضى رئيس الحكومة المكلف وموافقته لن تشكل حكومة، وليس واحداً يشكل حكومة والثاني يصدر مرسومها"، في رسالة واضحة إلى الحريري، الذي يتهمه "التيار الحر" بأنه يلغي دور الرئيس ميشال عون التشاركي ويحصره بصاحب التوقيع فقط.
وفي ظلّ تمسّك الحريري بحكومة من 18 وزيراً مغلقاً الباب على أي طرحٍ آخر، وبعد نيل باسيل رضى "حزب الله" ودعمه في الحكومة العشرينية، بعد دعوة أمين عام الحزب حسن نصر الله قبل أسبوع الحريري إلى التنازل وقبول المطلب كطريق للحلّ، أشار باسيل اليوم إلى أنّ المبادرة تقضي بأن يرفعوا عدد الوزراء من 18 إلى 20، "ليس لنأخذ وزيراً مسيحياً إضافياً للرئيس، فنحن نقبل أن يأخذوه زيادة لـ"تيار المردة" (بزعامة سليمان فرنجية أبرز حلفاء الحزب)، ولكن ليس لرئيس الحكومة، والأفضل أن يرفعوا العدد إلى 22 أو 24 ليحترموا مبدأ الاختصاص، وإلا يستلم وزير واحد وزارتين لا علاقة لهما ببعض". وشدد باسيل على أن هذه المبادرة تعني التيار ولا دخل للرئيس عون بها.
وقال باسيل: "لا الرئيس ولا نحن طالبنا بالثلث زائد واحد، يكفي افتراء بقضية الثلث زائد واحد، ويكفي كذباً على عواصم العالم بأننا نريد أن نتحكم بالحكومة قبل العهد وبعده، وحتى يصبح جبران باسيل رئيساً للجمهورية، فأوقفوا الكذب على العالم".
وعاود باسيل اتهامه الرئيس المكلف بأنه يريد أن يجعل من تسمية الوزراء السنة من حقه حصراً، ويأخذ من "الحزب التقدمي الاشتراكي" بزعامة وليد جنبلاط اسم وزيره، وينتظر من الثنائي الشيعي، حركة أمل بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري وحزب الله، وزراءهما، فيما يريد هو تسمية وزراء الطائفة المسيحية.
وطرح رئيس "الوطني الحر" مبادرة ثانية على الحريري بسحبهم من كل ما له علاقة بتشكيل الحكومة، فيأخذون الثقة منّا بالمجلس النيابي مقابل شروط إصلاحية تتحقق في أسبوع واحد قبل تأليف الحكومة في حال كانت هناك إرادة سياسية، وهي إقرار قانون كابيتال كونترول، إقرار قانون استعادة الأموال المنهوبة والمحوَّلة وإقرار قانون كشف حسابات وأملاك القائمين بالخدمة العامة، علماً أنّ فريق التيار وتكتله النيابي يحوذان على الأكثرية النيابية في البرلمان اللبناني، ومع ذلك ما زالت هذه البنود الإصلاحية حبراً على ورق.
وأضاف "نريد أن يعطى أمر المباشرة حتى يبدأ التدقيق الجنائي بحسابات مصرف لبنان من دون أي توقف أو عودة للوراء، وهكذا مع تشكيل الحكومة تنطلق بالتوازي عملية التدقيق بكل الوزارات والإدارات والمجالس".
سريعاً ردّ "تيار المستقبل"، الذي يتزعمه الحريري، على ما أسماه "المطالعة المطولة" لباسيل، في بيان، اعتبر فيه أنها تكرار لمواقف لا تحمل جديداً ولا تفتح ولو ثغرة صغيرة في جدران العرقلة والتعطيل".
وقال "لقد تضمنت مطالعة الوزير السابق جبران باسيل كل ما ينطبق عليه جملة وتفصيلاً، فرمى ما عنده وفيه من أسباب الفشل والعرقلة وتعليق العمل بالدستور والكلام عن الغدر والطعن بالظهر وقلة الوفاء على الرئيس سعد الحريري، لتحميله مسؤولية الخلل الذي يعانيه العهد وفريقه السياسي"، مشدداً على أن "الشخص ما زال يقيم في لالا لاند، ويفرض على رئاسة الجمهورية الإقامة الجبرية في الإنكار للمتغيرات التي نشأت بعد 17 أكتوبر، ويعتبر استقالة الرئيس سعد الحريري وتجاوبه مع الحراك الشعبي ضرباً من ضروب الغدر السياسي.
وأسف "المستقبل" لأن "يشهد اللبنانيون من خلال الطحن الكلامي لباسيل انتقال قرار رئاسة الجمهورية من قصر بعبدا إلى سنتر ميرنا الشالوحي، أي مقرّ التيار، وأن يستمعوا لرئيس الحزب الحاكم كما لو كان الناطق الحصري باسم العهد القوي".
وختم بيانه، الذي يتهم فيه باسيل بتأجيج العصبيات الطائفية، بالقول إن "ما يعني الرئيس الحريري هو ما يصدر عن رئيس الجمهورية بالمباشر وليس بالواسطة، وما قيل يبقى أضغاث أحلام، مع الإشارة إلى أن أحداً لم يعرض على الوزير جبران باسيل الاشتراك بالحكومة، ومحاولته إيهام اللبنانيين بوجود ضغوط عليه للمشاركة مجرد رواية تثير الضحك".
من جهة ثانية، تطرق باسيل إلى قضية انفجار مرفأ بيروت، وأشار إلى أن تعيين قاض جديد، هو رئيس محكمة الجنايات في بيروت القاضي طارق بيطار، محققاً عدلياً، مناسبة للإسراع في الملف وتصحيح أخطاء قضائية كثيرة حصلت، داعياً إلى إبعاد "كأس المطالبة بالقضاء الدولي، وإعادة الثقة بالقضاء اللبناني من خلاله".