لم تساهم الحركة الدولية تجاه لبنان، وآخرها مصري، حتى الساعة في تذليل العقبات التي تحول دون تشكيل الحكومة أو تقريب المسافات بين القوى السياسية والمعنيين الأساسيين بالملف، الرئيس ميشال عون، ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، ما يطرح علامات استفهام كثيرة حول المسار الحكومي في المرحلة المقبلة، على وقعِ تهديدات فرنسية جديدة بمعاقبة المعرقلين.
وبرزت الأربعاء جملة رسائل مهمة تعتبر أوساط "تيار المستقبل"، الذي يرأسه الحريري، أنها تدعم موقف الرئيس المكلف وتبرّئه من التعطيل، وتحاصر المعرقلين الأساسيين، بدءاً باستثناء وزير خارجية مصر سامح شكري رئيس "التيار الوطني الحر" وصهر رئيس الجمهورية جبران باسيل من لقاءاته اليوم التي شملت كلّ الأحزاب السياسية، ما عدا "التيار"، ما وضع في إطار الانزعاج المصري من ممارسات باسيل بالدرجة الأولى، واحتجاز التشكيلة الوزارية. كذلك لم تشمل اللقاءات "حزب الله" ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب.
وبالتزامن مع "حركة" وزير خارجية مصر، خرج وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان، بموقف لافت وحاد اليوم من الأزمة اللبنانية، ملوّحاً من جديد باتباع إجراءات عقابية بحق شخصيات سياسية لبنانية تعمل على عرقلة تشكيل الحكومة، من خلال وضع شروط تعجيزية من قبل بعض الأطراف التي لم يسمها وقطع الطريق أمام الإصلاحات المطلوبة، مؤكداً أن فرنسا تقف إلى جانب الشعب اللبناني والمنظمات المدنية التي تعمل للمصلحة العام، لكن الأيام المقبلة ستكون مصيرية، وستقوم باريس بواجباتها لجهة الأفرقاء السياسيين الذين يضعون مصلحتهم الشخصية قبل مصلحة المواطنين، ولا يتحملون مسؤوليتهم.
وترافق ذلك الموقف مع إلغاء اللقاء "الافتراضي" بين باسيل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي كان يُسوّق له كثيراً في الأيام القليلة الماضية، والذي وضع في إطار التمهيد للقاء يجمع الحريري – باسيل، بيد أنّ أوساط "تيار المستقبل" تحدثت عن رفض تام من الحريري للقاء باسيل، وأن كلّ المشاورات بشأن الملف الحكومي تحصل مع الرئيس عون فقط.
واستخدم باسيل من جديد لغة "الإقصاء" ووضع العقبات أمام مساعيه، قائلاً عبر "تويتر": "أبديت وما زلتُ أبدي كل التجاوب مع أي رغبة فرنسية بزيارة باريس، أو مع لقاء في أي مكان ومع أيٍّ كان، بلا عِقد أو حجج، ومن دون المسّ بصلاحيات رئيس الجمهورية أو التعرّض لدوره شكلاً ومضموناً. فالهم واحد أوحد، هو تنفيذ الإصلاحات بدءاً بتأليف الحكومة، لكن رغم ذلك ورغم قرار التيار عدم المشاركة في الحكومة مع تقديم كل تسهيل لتشكيلها وإزالة كل العقبات أمامها، رغم تحديد أكثر من موعد وفرصة، جاء من يعطّل كل محاولة فيها أمل".
ومن التطورات البارزة اليوم، توجيه الرئيس ميشال عون مساءً اتهامات مباشرة إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعرقلة عمل شركة "الفاريز ومارسال" للتدقيق الجنائي في حسابات البنك المركزي، وتحميله الجزء الأكبر من مسؤولية الانهيار المالي والمسّ بودائع اللبنانيين.
ورفع عون اللهجة تجاه حاكم مصرف لبنان الذي يعدّ من أقرب المقرّبين للحريري ويحظى بدعمه، منبهاً إلى مخاطر إسقاط التدقيق الجنائي، داعياً حكومة تصريف الأعمال إلى عقد جلسة استثنائية لاتخاذ القرار المناسب لحماية ودائع الناس في ضوء المماطلة المستمرة ورفض حاكم البنك المركزي تسليم كل المستندات لشركة التدقيق، علماً أنّ الرئيس حسان دياب سبق أن لوح بالاعتكاف ورمى مهمة تفسير الدستور في مرمى مجلس النواب بعدما دعا الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصر الله، إلى تفعيل عمل الحكومة، قبل أن يرد رئيس البرلمان نبيه بري طلب دياب.
واختتم وزير الخارجية المصري سامح شكري جولته اليوم بمؤتمر صحافي عقده بعد لقائه رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري في مقرّه بيت الوسط – بيروت، شدد خلاله على ضرورة تسريع عملية تشكيل الحكومة ووضع الخلافات جانباً لمصلحة البلاد والشعب اللبناني.
وعلّقت أوساط "التيار الوطني الحر"، لـ"العربي الجديد"، على استثناء باسيل من جولة شكري، مكتفية بالقول إنّ الوفد المصري التقى الرئيس عون، وهو المعنيّ بالملف الحكومي، لكنها لم تخفِ استياءها مما أسمته "إقصاءً" لفريقين أساسيين في البلاد، هما "التيار الوطني الحر" و"حزب الله"، وهو ما يتعارض مع نيّة الخارج بتقريب المسافات بين القوى السياسية. كذلك، لم يلتقِ وزير خارجية مصر رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب.
ويقول النائب في "التيار الوطني الحر" ماريو عون، لـ"العربي الجديد"، إنّ "زيارة وزير خارجية مصر تنطلق من الاهتمام الدولي والمحيط بموضوع لبنان وإدراكه لخطورة الوضع، وضرورة مساعدة البلاد للحؤول دون حصول انعكاسات أكثر سوءاً، وبالطبع فإنّ مصر تشكل ثقلاً عربياً يوازي الثقل السعودي في المنطقة وكذلك الفرنسي، وهي تبذل جهوداً للوصول إلى حلول للأزمة اللبنانية والضغط باتجاه تشكيل حكومة منعاً للوصول إلى المحظور". وحول عدم إدراج باسيل على جدول لقاءات وزير الخارجية المصري، اكتفى عون بالقول إنه لا يعرف الأسباب.
وحثّ وزير الخارجية المصري، خلال المؤتمر الصحافي، على تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ مهامها بطريقة غير تقليدية ومختلفة جذرياً عن التجارب السابقة بشكل يؤمن حصولها على الدعم الدولي والعربي واستعادة لبنان مكانته.
وأكد شكري حرص مصر على أمن لبنان واستقراره، ما يقتضي إنهاء حال الجمود وقيام القادة السياسيين في البلاد بمسؤولياتهم من أجل تعزيز وحدة البلاد، مشدداً على استكمال التنسيق والحوار من أجل الخروج من الأزمة والاعتماد على الأرضية القانونية المتعلقة بالدستور واتفاق الطائف (وُقِّع في مدينة الطائف السعودية عام 1989 وأُنهيت بموجبه الحرب الأهلية)، و"نظل كتفاً إلى كتف مع لبنان لمواجهة كل التحديات".
من جهة ثانية، استقبل رئيس الجمهورية ميشال عون اليوم نائب رئيس المجلس الفيديرالي ووزير الخارجية السويسرية، إغناسيو دانيال جيوفاني كاسيس، على رأس وفد ضمّ عدداً من النواب السويسريين والمسؤولين في وزارة الخارجية السويسرية.
وشدد الوزير كاسيس على اهتمام بلاده بإيجاد حل سياسي للأزمة الحكومية في لبنان، والبدء بالإصلاحات الضرورية كي يتمكن المجتمع الدولي من تقديم المساعدات اللازمة للنهوض الاقتصادي.
ويزور الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، غداً الخميس، لبنان، حيث يلتقي عدداً من الشخصيات السياسية اللبنانية، لبحث الملف الحكومي وكيفية الخروج من الأزمة العميقة التي تحول دون تشكيل حكومة باتت شرطاً أساسياً لدعم البلاد والخروج من الانهيار الشامل.