لا وفاء مع العسكر

لا وفاء مع العسكر

21 يونيو 2022
الشارع فقد الثقة بالعسكر كلياً (محمود حجاج/الأناضول)
+ الخط -

في إبريل/نيسان 2019، تظاهر العسكر في السودان بالانحياز لثورة الشعب، فأزاحوا الرئيس حينها عمر البشير وحزبه الحاكم عن السلطة، قبل أن يدخلوا في مفاوضات مع قوى الثورة، ويتوصّلوا إلى توافقات معها بشأن تشكيل هياكل السلطة الانتقالية. وفي مايو/أيار من العام ذاته، وقبل أن يجف حبر تلك التوافقات، نكصوا عنها بحجج ومزاعم واهية.

في 3 يونيو/حزيران 2019، تورّط العسكر في جريمة فض اعتصام محيط القيادة العامة للجيش بالخرطوم، ظناً منهم أن الاعتصام هو أكبر ورقة ضغط لدى المدنيين، وهي الحادثة التي قُتل فيها أكثر من 100 من المعتصمين، فضلاً عن عشرات المفقودين ومئات المصابين. وفي يوم الحادثة ذاته، علّق المكون العسكري التفاوض مع تحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير"، ودعا إلى انتخابات مبكرة، ووعد بتشكيل حكومة انتقالية خاصة به من الكفاءات المدنية.

الشعب السوداني عاد للحظة الصفر متبنياً خيار المقاومة، ونهض من ركام أحزانه وخيبة أمله في العسكر، لعدم وفائهم للثورة التي منحتهم القوة والشجاعة لإزاحة شمولية نظام البشير وحزبه الحاكم، والذين كانوا هم على رأس من يكتوون من ويلاته.

في أغسطس/آب 2019، وتحت الضغط الشعبي والضغوطات الخارجية، أذعن العسكر ووقعوا على مواثيق سياسية ودستورية مع تحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير"، احتفظوا فيها بصلاحيات تشريفية وأخرى أمنية، وتشكلت حكومة مدنية، وبدأت رحلة التعافي الوطني مجدداً.

لكن ومنذ اللحظة الأولى للتوقيع، أضمر العسكر كل الشرور لكل عملية التحوّل الديمقراطي في البلاد، وتدخلوا في صلاحيات الآخرين، ووضعوا كل المتاريس لعدم نجاح الحكومة المدنية، وأكملوا فصول مؤامرتهم بالانقلاب العسكري في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وطوال الأشهر الماضية، عجزوا عن تشكيل حكومة، وتدهورت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في السودان، وعادت البلاد إلى مربع العزلة الدولية، ولم ينجح العسكر - بفضل المقاومة الشعبية - في تحقيق أجنداتهم وأجندات من يقف خلفهم من قوى داخلية وأخرى خارجية.

هذه الأيام، عاد تحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير" للتفاوض مع جديد مع العسكر، على الرغم من رحلة 3 سنوات من نقض العهود والمواثيق والتنكر للثورة السودانية وشبابها، وعلى الرغم من مقتل 102 من مناهضي الانقلاب العسكري منذ انقلاب 25 أكتوبر.

سيخطئ تحالف "الحرية والتغيير" مائة مرة، لو أنه أمّن للعسكر مرة ثالثة، وسيخطئ ألف مرة لو ساهم باتفاق يبقي على خماسي العسكر "برهان، حميدتي، كباشي، العطا، جابر" ضمن المشهد السياسي، لأن التجربة أثبتت أنهم لا يمتلكون ذرة من قيم الوفاء لعهودهم ومواثيقهم، ولا حتى ذرة من الإيمان بالثورة السودانية وشعاراتها في الحرية والسلام والعدالة. كما أن الشارع فقد الثقة فيهم كلياً، ولن يقبل بوجودهم مرة جديدة، وسيتمسك بثورته الحالية مهما كان الثمن.

المساهمون