يسعى الأردن إلى تجاوز تأثيرات الأزمة السورية عليه، عبر كبار الحلفاء الدوليين، وتحديداً الولايات المتحدة وروسيا، للخروج من الأزمة الاقتصادية والهواجس الأمنية التي يمرّ بها، خصوصاً مع اشتعال المواجهة في محافظة درعا، جنوبي سورية، قرب الحدود الشمالية للمملكة. ومن الواضح أن الأردن، كما يرى سياسيون، لا يملك خطّة واضحة لحلّ هذه الأزمة، إنما يسعى إلى اتخاذ خطوات قصيرة المدى، تحافظ على الاستقرار والهدوء بين المعارضة والنظام في سورية، من خلال ضمانة دولية. وفي هذا الإطار، عقد الملك الأردني عبد الله الثاني، لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، يوم الإثنين الماضي، تناول الشأن السوري، وخصوصاً التطورات في درعا، كاستكمال لمباحثات أجراها في واشنطن الشهر الماضي. ووفق بيان رسمي صادر عن الديوان الملكي، يوم الإثنين الماضي، فقد بحث العاهل الأردني والرئيس الروسي "العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية والدولية، والتطورات الأخيرة في سورية، خصوصاً في الجنوب، حيث أكد الجانبان على أهمية العمل على التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، بما يضمن وحدة أراضي سورية وسيادتها والعودة الآمنة للاجئين". واعتبر ملك الأردن، بحسب البيان، أن "روسيا تقوم بالدور الأكثر دعماً للاستقرار في ما يتعلق بالتحديات بسورية"، مثمناً دور بوتين في منطقة الشرق الأوسط "كعنصر استقرار في خضم التحديات التي تواجهها".
يولي الأردن أهمية قصوى للجانبين الاقتصادي والأمني في تعاطيه مع المسألة السورية
واستبعد نائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق، الدكتور جواد العناني، في حديث مع "العربي الجديد" أن يكون لدى عمّان "خريطة طريق أو تصور واضح لحلّ الأزمة السورية، فالملك عبد الله الثاني لم يتحدث عن حلّ شامل، كما يتضح مما أعلنه خلال لقائه مع بوتين في موسكو، إنما كان الحديث عن ضرورة إبقاء سورية مستقرة، والتحذير من ظهور جماعات إرهابية". وشدّد العناني، على أن ما يهم الأردن "هو عودة فتح الحدود مع سورية، وأن تكون الطريق سالكة للتبادل التجاري، وفتح الطرق التي تربط الأردن مع تركيا وروسيا أيضاً، على أن تكون هذه الطرق مفتوحة أيضاً بالعكس إلى دول الخليج العربي عبر الأردن". ورأى نائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق، أنه "في حال تحسنت الأحوال في سورية، واستتبّ نوع من التهدئة والاستقرار، فذلك سيعود على الأردن بفوائد سياسية واقتصادية وأمنية". ولفت العناني إلى أن "الجانب الأمني يحظى باهتمام كبير في الأردن، خصوصاً أن الشقّ الاقتصادي والاستثماري يعتمد على الأمن، فاستقرار سورية سيسهل التبادل التجاري وحركة الترانزيت".
بدوره، أكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأردني، ميرزا بولاد، أن الملف السوري كان على رأس المباحثات بين الأردن وروسيا، لافتاً في تصريح مقتضب لـ"العربي الجديد"، إلى أن ذلك جاء استكمالاً لما بحثه العاهل الأردني خلال زيارته للولايات المتحدة (في يوليو/تموز الماضي)، مع التطرق إلى الجانبين الأمني والاقتصادي. وقال بولاد: "لا يوجد لدينا تفاصيل عن اللقاء، ولكن جرى العرف أن يقوم وزير الخارجية الأردني (أيمن الصفدي) بإطلاع اللجنة على أهم ما تناولته القمة ونتائجها، وهو ما سيحصل خلال الأيام المقبلة" .
وتعليقاً على ذلك، رأى الباحث الاستراتيجي الأردني، عامر السبايلة، أن لا أحد يملك رؤية للحل عبر نقاط واضحة وخريطة طريق طويلة الأمد في سورية، لكن هناك فراغاً يسمح للبعض بالمناورة، وما يجري (أردنياً) هو محاولة لتسويق وجهات نظر، وخطوات قصيرة المدى في هذه المرحلة". وأضاف: "لا نستطيع تصنيف زيارة العاهل الأردني إلى روسيا بأنها زيارة دولة، فهي جرت من دون ترتيبات سياسية، كما أن القمة لم تحصل في الكرملين، بل كانت على هامش مؤتمر ومعرض عسكري روسي (في ألابينو بمقاطعة موسكو)، وبالتالي من الطبيعي أن لا يحمل اللقاء فحوى كبيرة". ولفت إلى أنّ "نمط الزيارة لا يوحي بمناقشة ملفات بعد الاطلاع عليها مسبقاً، أو الذهاب في اتجاه التوصل إلى اتفاقات"، مشيراً إلى أن هذا النمط من اللقاءات يذهب إلى تسويق فكرة أو التعبير عن مخاوف أو هواجس، ترتبط هنا بالجنوب السوري".
تحدث الملك في واشنطن عن استثناء الأردن من "قانون قيصر"
وأشار السبايلة إلى أن اللقاء "جاء على خلفية عودة الملك الأردني من واشنطن، ومحاولة تسويق الملف السوري، والحديث عن الرغبة الأردنية الطموحة بإيصال الكهرباء إلى لبنان عبر الربط مع الغاز المصري، وهو أمر يحتاج للتواصل حوله مع روسيا". ولفت الباحث الإستراتيجي إلى أن الاهتمام الأردني بالأوضاع في سورية هو "أمني اقتصادي، ويمكن ترجيح الاقتصادي على الأمني، فالأردن يبحث عن بدائل اقتصادية للخروج من أزمته الحالية، وإيجاد فرص اقتصادية مستقبلية، فجغرافيا المنطقة تعتمد على فكرة الانفتاح والربط، وبالتالي فإن إبقاءها مغلقة يشكل مشكلة اقتصادية". ورأى السبايلة أن الجانب الأمني قد لا يكون هو المهم في حال استمرار إغلاق الحدود والسيطرة عليها، لكن الفرص الاقتصادية هي الأساس، لافتاً إلى أن حديث الملك في واشنطن كان حول استثناء الأردن من "قانون قيصر" (قانون العقوبات الأميركية على النظام السوري)، وتفاصيله، وإعطاء فرصة للأردنيين للعمل مع السوريين في بعض القطاعات والشركات، وهذا يعني أن الهاجس الاقتصادي مسيطر.