استمع إلى الملخص
- تقرير بحثي أميركي يوصي بتجنب التصعيد العسكري، مشيراً إلى أن توفير حراسات مسلحة للفلبين قد يؤدي إلى صدام مع الصين، ويدعو واشنطن لدعم مانيلا قانونياً دون جر الحلفاء للنزاعات.
- رغم التوترات، لا يتوقع تغيير كبير في السياسة الأميركية، حيث تفضل واشنطن تجنب الصدامات المباشرة مع الصين، مع دعم الفلبين عبر التدريبات المشتركة والدعم اللوجستي.
منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، أثيرت تساؤلات حول مقاربة الإدارة الأميركية الجديدة للنزاع في بحر الصين الجنوبي بين بكين ومانيلا، وإن كانت ستنخرط بصورة مباشرة في الصراع لدعم حليفتها الفيليبين في ظل تعاظم التهديدات الصينية، أم أنها ستنتهج سياسة جديدة انطلاقاً من حديث ترامب الودي عن الرئيس الصيني شي جين بينغ، وتواتر تقارير غربية عن اعتزامه زيارة الصين لتعزيز الحوار مع بكين وتذليل العقبات معها.
تعقيباً على ذلك، قالت وسائل إعلام صينية أمس الخميس، إن هناك مؤشرات على خفض محتمل للتصعيد في بحر الصين الجنوبي استناداً إلى تقرير بحثي أميركي أوصى الإدارة الجديدة بتجنب الانخراط في أدوار عسكرية مباشرة في مواجهة الصين، وبدلاً من ذلك تمكين الفيليبين من تولي زمام المبادرة. وكانت واشنطن قد اقترحت في وقت سابق، توفير حراسات مسلحة لبعثات الإمداد الفيليبينية إلى جزيرة توماس شول الثانية. في حين جاء في التقرير الأميركي، الذي حمل عنوان "الدفاع دون استفزاز: الولايات المتحدة والفيليبين في بحر الصين الجنوبي"، أن هذا الاقتراح يهدد باندلاع صدام بحري مباشر بين الولايات المتحدة والصين يمكن أن يخرج بسهولة عن نطاق السيطرة.
ما تشونغ: واشنطن لن تغامر في أي صدام عسكري مع بكين يتجاوز الخطوط الحمراء
وأشار التقرير الذي كتبه سارانج شيدور، مدير برنامج الجنوب العالمي في معهد كوينسي للحكم المسؤول، إلى أنه مع استمرار سلوك الصين المتقلب والقسري وممارسة الفيليبين لحكم ذاتي أكبر، فإن واشنطن لا تمسك بكل الأوراق. وأوصى أن تبدأ واشنطن خطواتها الأولى في خفض التصعيد لتقليل المخاطر ومساعدة مانيلا في تعزيز مطالباتها القانونية. كما دعا واشنطن إلى التوقف عن جر حلفائها، خصوصاً من خارج المنطقة، عسكرياً إلى نزاعات بحر الصين الجنوبي لأن هذا من شأنه أن يؤدي إلى نتائج عكسية تقود إلى تعزيز الصين تكتلاتها وتحالفاتها الإقليمية والدولية.
وعلى الرغم من الزيادة الكبيرة في الحوادث بين مانيلا وبكين خلال العام الماضي، فإن الفيليبين لم تقبل بعد العروض الأميركية بتوفير الحراسة والمساعدة المباشرة في مهام إعادة الإمداد. وعلى الرغم من رصد طائرات الدوريات البحرية والسفن الحربية التابعة للبحرية الأميركية في محيط الحوادث الماضية، فإن الافتقار الملحوظ للوجود الأميركي المباشر يترك العديد من الأسئلة حول ما تحدده الدولتان باعتباره هجوماً مسلحاً يستدعي معاهدة الدفاع المشتركة بين مانيلا وواشنطن.
يشار إلى أن معاهدة الدفاع المشترك وُقّعت بين البلدين في عام 1951 وبموجب بنود المعاهدة تلتزم واشنطن بمساعدة مانيلا إذا تعرضت الأخيرة لهجوم عسكري، ولكن مع تصاعد الصدامات البحرية بين الصين والفيليبين خلال العامين الماضيين، ظل احتمال استدعاء المعاهدة مستبعداً باعتبار أن بكين تنتهج سياسة ردع لا ترتقي إلى مستوى الهجوم العسكري، وذلك في إطار تكتيكات تعتمد على خفر السواحل وصيادين مدربين لا يحملون السلاح.
في قراءته لمسار الدور الأميركي في المنطقة، قال المختص في شؤون بحر الصين الجنوبي ما تشونغ (باحث في مركز لونغ مارش للدراسات الاستراتيجية)، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه على مدار السنوات الماضية، اقتصر التواجد الأميركي على المشاركة في دوريات وتدريبات مشتركة مع الحلفاء، بدون الانزلاق إلى صدام مباشر مع الصين، ما يشير إلى أن الإدارة الأميركية حددت مسبقاً خطوطاً عريضة في تعاطيها مع هذا الملف، بحيث يتم حصر عمل القوات في إطار تدريب الحلفاء وتقديم الدعم اللوجستي، والإبقاء على رسالة ردع إلى بكين في المنطقة. وأضاف: حتى في ذروة الصدامات التي حدثت بين الصين والفيليبين في يونيو/حزيران العام الماضي، وارتفاع أصوات في الكونغرس الأميركي تدعو إلى تفعيل معاهدة الدفاع المشترك، ولعب دور أكبر للقوات الأميركية، احتفظت واشنطن بمسافة أمان، وقللت من خطورة هذه الصدامات، وقالت إنها لا ترتقي إلى ما يمكن اعتباره هجوماً مسلحاً.
لا تغيير أميركياً بشأن بحر الصين الجنوبي
وقال ما تشونغ، إنه لا يتوقع أن يطرأ أي تغيير على السياسة الخارجية للإدارة الأميركية بشأن الصراع في بحر الصين الجنوبي بغض النظر عن مدى التقارب مع بكين خلال ولاية ترامب الثانية. وأضاف أن واشنطن لن تتخلى عن حليفتها مانيلا، ولكن في الوقت نفسه لن تغامر في أي صدام عسكري مع بكين يتجاوز الخطوط الحمراء.
خون وانغ: مانيلا فضّلت الاعتماد على نفسها لدحض الرواية الصينية بأنها تعتمد على قوات أجنبية في عسكرة المنطقة
من جهته، قال الباحث في معهد الدراسات الاستراتيجية في تايبيه، خون وانغ، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه على الرغم من استعداد واشنطن في وقت سابق، لمرافقة مهمات الإمداد الفيليبينية في جزيرة توماس شول الثانية، فإن مانيلا فضّلت الاعتماد على نفسها، لدحض الرواية الصينية بأنها تعتمد على قوات أجنبية في عسكرة المنطقة وحماية مصالحها الأمنية. وأضاف أن ذلك لم يمنع تنسيق الأنشطة والتدريبات المشتركة بين الجانبين للحفاظ على صورة الردع ضد التهديدات الصينية.
استبعاد تفعيل معاهدة الدفاع المشترك
واستبعد وانغ أن يتم تفعيل معاهدة الدفاع المشترك بسبب سياسة المنطقة الرمادية التي تتّبعها الصين، وهي سياسة تشير إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات العدوانية لتثبيت وضع راهن لا رجعة فيه بدون اللجوء إلى القوة العسكرية، وذلك بشكل مماثل لما تنتهجه الصين في مضيق تايوان. ولفت إلى أن معاهدة الدفاع المشترك التي مر عليها أكثر من سبعة عقود لم يتم تحديثها بما ينسجم مع التكتيكات الجديدة التي تجيدها الصين ببراعة، حسب قوله.
يشار إلى أن مانيلا وبكين تطالبان بمناطق في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه. وبموجب مطالبتها بخط العشر نقاط الموسع، تطالب بكين بالمنطقة بأكملها تقريباً باعتبارها ملكاً لها استناداً إلى وثائق تاريخية، بما في ذلك بحر الفيليبين الغربي، وهو القسم الذي يضم المنطقة الاقتصادية الخالصة لمانيلا. وفي حين كانت المنطقة هادئة نسبياً قبل عام 2023، اندلعت سلسلة من المناوشات بين قوات خفر السواحل من الجانبين. وكانت من بين أكثر النقاط الساخنة نشاطاً جزيرة توماس الثانية، حيث اعترضت القوات الصينية باستمرار مهمة إعادة الإمداد إلى قطعة حربية راسية على الجزيرة، وهي سفينة إنزال صدئة من حقبة الحرب العالمية الثانية وعلى متنها فرقة من مشاة البحرية الفيليبينية. وشملت هذه الحوادث استخدام مدافع المياه ومناورات بزوارق الصيد، والتي بلغت ذروتها في حادث وقع في 17 يونيو/ حزيران العام الماضي.