لا تحشروا الفلسطينيين في الزاوية

07 فبراير 2025
عناصر من "القسام" بدير البلح، 4 فبراير 2025 (سعيد جرس/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تكرار الدعوات لدعم مقاومة غزة وصمود الشعب الفلسطيني كضرورة للأمن القومي العربي، في ظل تجاهل البعض للقضية الفلسطينية وتراكم الأكاذيب المتناغمة مع التطرف الصهيوني.
- فشل العرب في تغيير الموقف الصهيوني رغم مرور 23 سنة على "المبادرة العربية"، وظهور مبادرات سلام جديدة تعكس رضوخاً للضغوط الأمريكية والإسرائيلية.
- فرصة للعرب والفلسطينيين للتحالف مع قوى دولية لدعوة الأمم المتحدة لوقف الترهيب الأمريكي، مع تصاعد الفاشية الصهيونية وبدائل جديدة للمقاومة الفلسطينية.

في وقت تكرر القول فيه إن دعم مقاومة غزة والشعب الفلسطيني للصمود على أرضهم ضرورة للأمن القومي العربي، خصوصاً للقريبين، واصل البعض سياساته وكأن فلسطين تقع قرب مدغشقر وليس في قلب المنطقة.
وهذه الأيام تتوضح مقاصد مراكمة سنوات من أكاذيب وتفاهات القول: "باعوا أرضهم... فلسطين ليست قضيتي"، وغيرها، المتشابهة مع أطروحات عتاة التطرف الاستيطاني الصهيوني، وكذلك أهداف الظهور على شاشات عبرية لانتحال الحديث باسم هذا الشعب العربي وذاك، لتأكيد أن لا شأن للعرب بقضية فلسطينية.

على مدار 23 سنة من "المبادرة العربية" في قمة بيروت 2002، لم يستطع العرب تغيير سطر واحد في الرفض والتصلب الصهيوني. واليوم يطرح البعض ما يسمى "مبادرة سلام" جديدة، إظهاراً لاعتدال عربي أكثر، بمعنى الرضوخ أمام التصلب وبوصلة واشنطن. المشهد الصريح كرره قادة الاحتلال في اعتبار أن "الأردن هو فلسطين"، وجعل التطهير العرقي لقطاع غزة إلى سيناء المصرية أمراً من متطلبات "السلام"، لتوسيع "إسرائيل الصغيرة".

طبعا دونالد ترامب لا يقدح من رأسه، ساعياً إلى جعل أفكار فاشيي الصهيونية، أمثال إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وغيرهما، مفروضة بالتهديد على المحيط العربي. فلم ينس العرب بعد تبرير هجمة التطبيع مع بنيامين نتنياهو نفسه المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية عن جرائم الحرب والإبادة. ومن حق الناس السؤال عن فائدة ذلك التطبيع، من المحيط إلى الخليج، مع كيان يعتبر التطبيع رخصة لارتكاب جريمة إبادة وتطهير عرقي، على حساب مصالح العرب أنفسهم، توسعاً وبدائل للوطن الفلسطيني.

من المؤسف أن بعض الخطاب الإعلامي العربي، المعارض خصوصاً، يصر على أن الدول "سترضخ لقبول التهجير"، بينما في المقابل لم تجر ترجمة الرفض بما يفيد تجذير صمود الفلسطينيين على أرضهم، من القدس والضفة الغربية إلى قطاع غزة. فصمودهم هو مصلحة للأمن القومي لدول الطوق العربية، ولقولها صريحة للتاجر ترامب عن أن وصفته ليس فيها سلام ولا استقرار، بل ضرر فادح للأنظمة ومصالح دولهم.

وأمام العرب والفلسطينيين فرصة للتحالف مع كثيرين حول العالم، بمن فيهم الأوروبيون والصين ودول آسيا وأميركا اللاتينية، لدعوى سريعة أمام "العدل" و"الجنائية" الدوليتين، ولدعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة على أساس "الاتحاد من أجل السلام"، لفرملة الترهيب والبلطجة الأميركية مع النظام الدولي. فسيناريو حشر الفلسطينيين في زاوية أنه لم يعد ثمة ما يخسرونه مع إمعان ترامب والمعسكر الصهيوني بعدم الاكتراث، لا بشعوب ولا أنظمة الإقليم العربي، خطير على مصالح و"استقرار" الوضع في الشرق الأوسط.
السيناريو الثاني، ربطاً بالأول، فإنه إذا كان فلسطينيو نكبة 1948 احتاجوا كل تلك السنوات لإطلاق كفاحهم المسلح في 1965، فيقيناً لن يستطيع أحد لجمهم عن مواصلة كفاحهم سريعاً، حتى لو جرى تهجيرهم جميعاً من أرض فلسطين. فمعاملة الشعب الفلسطيني وكأنه زائد عن شعوب المنطقة، كرمى لعيون الصهيونية وترسيخها على حسابه بدعم مؤيديها أمثال جو بايدن سابقاً وترامب حالياً، من الممكن أن يؤدي إلى وضع كارثي إذا ما قُلبت الطاولة على الجميع.

أما السيناريو الثالث، فإن وصول الفاشية الصهيونية إلى ذروة "لا نريد رؤية فلسطينيين"، أي تأييد جريمة التطهير العرقي، ولو بداية من غزة، من الممكن أن يؤدي، وبرغم تهلهل الحالة الرسمية الفلسطينية، نحو نشوء بدائل أشد من الفصائلية والحمساوية. إذ ببساطة، طبيعة الشعب الفلسطيني، المتمرد عن حق لأحقية وعدالة قضيته، ولمواجهة 77 سنة من محاولة إبادته، لن تسمح بتمرير الحلول الديموغرافية لكيان مأزوم على حساب حقه التاريخي في أرض وطنه.
وبقاء التلاعب تحت مسمى "حل الدولتين"، بتهجير الفلسطينيين لتطبيق فكرة "الوطن البديل"، وإفساح المجال أمام تهويد الأرض، والتبشير بهدم الأقصى لإقامة الهيكل المزعوم، ومعاملة الفلسطينيين عموماً كدخلاء و"أغيار"، من الممكن أن يؤدي إلى ديناميات كفاحية صفرية، بمعنى أنها يمكن أن تذهب أيضاً إلى شعار "ولا نحن نريد رؤية صهيوني بجانبنا". فهل هذا ما يريده ترامب ودول الإقليم؟