لاوون الرابع عشر وترامب... تناقض الشخصيتين والأهداف والأخلاق

10 مايو 2025
البابا لاوون الرابع عشر في الفاتيكان، 8 مايو 2025 (غوغلييلمو مانغياباني/رويترز)
+ الخط -
اظهر الملخص
- انتخاب الكاردينال الأميركي روبرت فرنسيس بريفوست كبابا لاوون الرابع عشر كان مفاجئًا، حيث لم يكن ضمن المرشحين الأقوياء، وهو أول بابا أميركي ويمثل المعسكر الإصلاحي في الفاتيكان.
- رغم تهنئة ترامب، انتقدته الناشطة لورا لومر واصفة إياه بالمناهض لترامب والماركسي، مشيرة إلى توجهاته الإصلاحية في قضايا مثل الهجرة والتغير المناخي.
- رحبت جهات دولية بانتخابه، معبرة عن تطلعها لتعزيز الحوار بين الأديان، ويُتوقع أن يسعى لوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

جاء انتخاب الكاردينال الأميركي روبرت فرنسيس بريفوست، على رأس الكنيسة الكاثوليكية، متخذاً اسم لاوون الرابع عشر بمثابة مفاجأة، بفعل تغييبه عن لائحة الأقوياء، التي ضمّت كرادلة إيطاليين، على رأسهم أمين سر الفاتيكان بييترو بارولين، وأيضاً كرادلة من خارج أوروبا، وفي مقدمتهم الفيليبيني لويس أنطونيو تاغلي. وبات بريفوست أول بابا من الولايات المتحدة، لكنه محسوب على المعسكر الإصلاحي الذي تمدد نفوذه في الفاتيكان، في عهد البابا الراحل فرنسيس (2013 ـ 2025)، مما يجعله في موقع المناقض للرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولمختلف التيارات المتطرفة في العالم.

ترامب يهنئ لاوون الرابع عشر

مع انتخاب بريفوست بابا مساء أول من أمس الخميس، وجّه ترامب التهنئة، كاتباً في منشور على منصته الاجتماعية تروث سوشال: "تهانينا للكاردينال روبرت فرنسيس بريفوست الذي أُعلن بابا للتو. إنه لشرف كبير أن نُدرك أنه أول بابا أميركي. يا للحماسة ويا له من شرف عظيم لبلدنا". وأضاف "أتطلع إلى لقاء البابا لاوون الرابع عشر وستكون لحظة بالغة الأهمية". وتحدث ترامب في وقت لاحق إلى الصحافيين خارج الجناح الغربي للبيت الابيض عن البابا الجديد المتحدر من شيكاغو. وقال في تصريحات مقتضبة: "أن يكون البابا من أميركا شرف عظيم. أي شرف أعظم من هذا؟ نحن متفاجئون بعض الشيء، لكننا سعداء جداً". وكشف الرئيس الأميركي أن مسؤولي الفاتيكان "تحدثوا معنا بالفعل" بشأن تحضير لقاء، مضيفاً "سنرى ما الذي سيحدث".


انتقدت لورا لومر البابا الجديد ووصفته بـ"الماركسي"

لكن تفاؤل ترامب بددته الناشطة لورا لومر، المقرّبة من ترامب، بذكرها عبر منصة إكس (تويتر سابقاً): "إنه (البابا المنتخب) مناهض لترامب، ومناهض لحركة (لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى)، ومؤيد لفتح الحدود، إنه ماركسي تماماً مثل البابا فرنسيس". في الواقع، لم تكن لومر مخطئة بما يتعلق بتوجّه البابا لاوون الرابع عشر إذ إنه محسوب على معسكر البابا الراحل، خصوصاً بما يتعلق بالهجرة والتغيير المناخي والفقر. ووفقاً لمجلة بوليتيكو، فإن البابا الجديد "يتمتع بالمصداقية، ويملك نظرة عالمية تتعارض مع مبدأ (أميركا أولاً)، فضلاً عن قدرته في التأثير على الجمهوريين الكاثوليك". مع العلم أن البابا الجديد، مثل سلفه، بحسب "بوليتيكو"، إذ "ينتمي إلى جناح أكثر تقدمية وشمولية للكاثوليكية، ويبشر بالسلام وأهمية بناء الجسور". كما تطرقت صحيفة نيويورك تايمز إلى أن بريفوست، انتقد تصريحات نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، في فبراير/شباط الماضي، بشأن إعطاء الأولوية لمجتمعه على حساب بقية العالم، واصفاً إياها بأنها "خاطئة".

وعندما التقى ترامب برئيس السلفادور نجيب أبو كيلة في إبريل/نيسان الماضي، لمناقشة سجن من نقلوا جواً من الولايات المتحدة للاشتباه في أنهم أعضاء عصابات بسجن يقال إنه يشهد انتهاكات لحقوق الإنسان، أعاد بريفوست نشر تعليق يقول "ألا ترى المعاناة؟ ألا يؤنبك ضميرك؟"، على منصة إكس. ولم يتسن لوكالة رويترز التحقق من هوية القائم على إدارة الحساب الذي وضع أول منشور عليه في عام 2011. وتواصلت "رويترز" مع الفاتيكان وأبرشية تشيكلايو الكاثوليكية الرومانية في بيرو، حيث كان بريفوست يقيم لسنوات، ومع سفارة بيرو لدى الكرسي الباباوي للتأكد من صحة الحساب الذي يتضمن منشورات تدعو إلى الصلاة من أجل البابا الراحل فرنسيس في أشهره الأخيرة. ومن المتوقع أن يسير البابا لاوون الرابع عشر على خطى سلفه البابا فرنسيس، المدافع عن الفقراء والمهاجرين، والذي كان يختلف أيضاً مع إدارة ترامب.

ومن شأن هذه التباينات بين الإدارة الأميركية والبابا الجديد أن تُنبئ بصدامات مستقبلية شبيهة بما حصل مع انتخاب البولندي كارول فويتيلا، الذي أصبح البابا يوحنا بولس الثاني في عام 1978، وتحوّل إلى رمز لمواجهة الشيوعية السوفييتية، بدعمه حركة التضامن بقيادة الرئيس الأسبق ليخ فاونيسا في ميناء غدانسك البولندي مطلع ثمانينات القرن الماضي، وصولاً إلى تفكك السوفييت. والبابا الجديد مرشح لدفع المعسكر الإصلاحي في الكنيسة الكاثوليكية قدماً، تحديداً على الصعد الاجتماعية، وبما يتعلق بالمهاجرين والفقر والتغير المناخي وحوار الأديان. ويمثل البابا الجديد، كسلفه، جامعاً بين النمط المحافظ في إطار العقيدة الكاثوليكية وبين الحاجة إلى فهم العالم المعاصر.

ترحيب "حماس" وإسرائيل

كذلك، رحبت إسرائيل وحركة حماس، بانتخاب البابا. وفي بيان صادر عن مكتبه، هنّأ الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، البابا لاوون الرابع عشر، معتبراً أنه "نتطلع إلى تعزيز الروابط بين الشعبين اليهودي والمسيحي في أرض إسرائيل والعالم، وأن تكون فترة بابويتكم فرصة لبناء الجسور وتعزيز التفاهم بين جميع الأديان والشعوب". وشهدت علاقة إسرائيل مع البابا فرنسيس، توترات ملحوظة، على خلفية انتقاداته المتكررة لحرب الإبادة التي تشنها على قطاع غزة. في المقابل، قدّمت حركة حماس، تهنئة رسمية إلى البابا، معربة عن تطلّعها إلى "مواصلته نهج البابا الراحل فرانسيس في مناصرة المظلومين ورفض الإبادة في غزة". وتمنت الحركة للبابا الجديد "التوفيق بأداء رسالته الروحية والإنسانية في ظل ما يشهده العالم من مآس وكوارث، وفي مقدمتها العدوان الصهيوني الوحشي المستمرّ على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة".


ترامب: مسؤولو الفاتيكان تحدثوا معنا بالفعل بشأن تحضير لقاء

أما الصين، فقد هنأت أمس الجمعة، البابا لاوون الرابع عشر على انتخابه، مشددة على أنها تأمل تواصل "الحوار البناء" مع الفاتيكان خلال حبريته. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان: "نأمل أنه في ظل قيادة البابا الجديد سيستمر الفاتيكان بالانخراط في حوار بناء مع الصين، ويجري تواصلاً في العمق على صعيد القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك". وكانت بكين قد قطعت العلاقات مع الكرسي الرسولي في عام 1951، وأجبرت الصينيين الكاثوليك على الاختيار بين عضوية الرابطة الصينية الكاثوليكية الوطنية التي تديرها الدولة أو الكنائس السرية الموالية للبابا. لكن في عام 2018، توصلت الصين والفاتيكان إلى اتفاق سري، سمح للحكومة الصينية بترشيح أساقفة يحصلون على موافقة البابا، مما يمنح كلا الجانبين رأياً إزاء قيادة الكنيسة في بكين. ويبلغ عدد الصينيين الكاثوليك نحو 12 مليوناً.

وستكون من مهمات البابا الجديد، المساهمة في محاولة وقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا. وفي سياق التهنئة، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في رسالة نشرها الكرملين: "أنا واثق بأن الحوار والتعاون البنّاءين القائمين بين روسيا والفاتيكان سيستمران في التطور على أساس القيم المسيحية التي توحدنا". أما الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فرأى أن الفاتيكان، في ظل البابا الجديد، سيواصل دعم كييف "أخلاقياً وروحياً" من أجل "استعادة العدالة وتحقيق السلام الدائم". وذكر في منشور على "إكس" أن "أوكرانيا تقدّر بشدة موقف الكرسي الرسولي الثابت في مجال احترام القانون الدولي، مع إدانة العدوان العسكري للاتحاد الروسي على أوكرانيا وحماية حقوق المدنيين الأبرياء".

(العربي الجديد، الأناضول، رويترز، فرانس برس)

 

المساهمون