لاءات إبراهيم رئيسي: خطوط حمراء تختصر سياسات الرئيس الجديد

لاءات إبراهيم رئيسي: خطوط حمراء تختصر سياسات الرئيس الجديد

22 يونيو 2021
تحسين الوضع الاقتصادي أبرز التحديات أمام رئيسي (فاطمة بهرامي/الأناضول)
+ الخط -

بعد ثلاثة أيام من فوزه في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، التي شهدت مقاطعة شرائح إيرانية ونسبة مشاركة هي الأدنى منذ قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979، في ظل تسجيل نسبة أصوات باطلة بشكل غير مسبوق قُدّرت بنحو 12 في المائة من إجمالي نسبة المشاركة البالغة 48.8 في المائة حسب الإعلان الرسمي، أطل الرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي لتحديد خطوط سياساته الداخلية والخارجية، معلناً عن ثلاث لاءات أساسية تختصر عهده: لا تفاوض حول صواريخ إيران وسياساتها الإقليمية، لا لقاء مع الرئيس الأميركي جو بايدن، ولا تعويل استثنائياً على الاتفاق النووي الذي تتواصل المباحثات في فيينا لإعادة إحيائه.

لكن سياسات الرئيس المنتخب، الذي يتسلّم منصبه من حسن روحاني في أغسطس/ آب المقبل، تصطدم بتحديات داخلية وخارجية كبرى، يبقى نجاحه بمعالجتها مرتبطاً خصوصاً بالتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة ترفع عبره الأخيرة العقوبات عن إيران وتحرر أرصدتها في الخارج البالغة نحو 40 مليار دولار، بما سيسمح لرئيسي بمعالجة الأزمات الاقتصادية المتفاقمة في الداخل منذ خروج دونالد ترامب من الاتفاق النووي عام 2018 وفرض عقوبات قاسية على طهران. وانعكست الأزمات باحتجاجات شهدتها مدن إيرانية عدة على خلفية اقتصادية في شتاء 2017-2018 ونوفمبر/ تشرين الثاني 2019، ليصبح الوضع المعيشي أولوية الرئيس المنتخب، علماً أنه رفع في حملته الانتخابية شعارين أساسيين، هما الدفاع عن الطبقات المهمّشة ومكافحة الفساد. ولكن تبقى للمرشد الأعلى علي خامنئي الكلمة الفصل في كل القرارات السياسية الكبرى.

وفي مؤتمره الصحافي الأول بعد انتخابه، اختار رئيسي توجيه رسائل للداخل والخارج، فأشاد بالمشاركة الشعبية في الانتخابات، واصفاً إياها بـ"الملحمة". وأكد أن أولوية حكومته في السياسة الداخلية هي تحسين الوضع المعيشي للمواطنين وإصلاح النظام الإداري والتأسيس لنظام إداري فاعل يكافح الفساد وينهي البيرقراطية. وأوضح رئيسي أن "رسالته للشعب الإيراني هي رسالة التغيير ومكافحة الفساد والفقر والتمييز وتطبيق العدالة".

وحول العلاقات مع السعودية، أكد أن حكومته مع التعامل مع دول العالم و"أولويتنا ستكون تعزيز العلاقات مع الدول الجارة، ولا مانع من إعادة فتح السفارتين الإيرانية والسعودية في البلدين والعلاقات الدبلوماسية". وعن سياسته الخارجية، أكد الرئيس الإيراني المنتخب أن "سياستنا الخارجية لن تبدأ بالاتفاق النووي ولن تُختزل في ذلك ولن نربط معيشة المواطنين بالاتفاق والمفاوضات". وشدد على أن حكومته "لن تسمح بأن تصبح المفاوضات (في فيينا) استنزافية ومضيعة للوقت"، داعياً الولايات المتحدة إلى العودة للاتفاق النووي وتنفيذ تعهداتها، و"الأوروبيين إلى عدم التأثر وتنفيذ التزاماتهم". وأشار إلى أن فريق إيران المفاوض يتابع المفاوضات النووية في فيينا و"فريقنا للسياسة الخارجية يدرس حالياً إجراءات الفريق المفاوض"، مؤكداً أن "على أميركا تحمّل مسؤولية عدم تنفيذ تعهداتها بالاتفاق النووي، وعليها رفع العقوبات ونحن يجب أن نتحقق من رفعها".

رئيسي: لا مانع من إعادة فتح السفارتين الإيرانية والسعودية في البلدين

وشدد رئيسي على أن برنامج إيران الصاروخي و"القضايا الإقليمية والصاروخية غير قابلة للتفاوض"، متسائلاً "هم لم ينفذوا الاتفاق السابق (النووي) فكيف يطالبون بالتفاوض حول قضايا جديدة؟"، مشدداً على أن برنامج إيران النووي "سلمي له أهداف علمية". ورداً على سؤال عما إذا كان مستعداً للقاء الرئيس الأميركي جو بايدن إذا ما عاد إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات، قال "لا". وفي معرض رده على سؤال حول التصريحات الإسرائيلية ضده واعتباره "الأخطر" على الأمن الإسرائيلي، قال رئيسي إن "الكيان الصهيوني عليه أن يكون مرعوباً أولاً من الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة"، مضيفاً أن "الفلسطينيين هم أصحاب فلسطين والجمهورية الإسلامية ستواصل دعمها لهؤلاء المظلومين". وبشأن اليمن، دعا إلى حل الأزمة اليمنية من قِبل اليمنيين أنفسهم، و"وقف تدخلات السعوديين وحملاتهم في اليمن".

ورداً على اتهامات وجهتها دول ومؤسسات حقوقية له بتنفيذ عمليات إعدام ضد معارضين للثورة في ثمانينيات القرن الماضي، رفضها رئيسي قائلاً إن "أولئك الذين يوجهون هذه الاتهامات هم المتهمون"، معتبراً أنه يولي "اهتماماً كبيراً بحقوق الانسان". وأضاف "أفخر بأنني كنت مدعياً عاماً في إيران ودافعت عن حقوق الشعب وحقوق الإنسان". وكانت منظمة العفو الدولية قد دعت للتحقيق مع رئيسي، لـ"ارتكابه جرائم ضد الإنسانية". وقالت إنها وثقت عام 2018، أن "رئيسي كان عضواً في (لجنة الموت)، التي أخفت قسرياً وأعدمت خارج نطاق القضاء بشكل سري آلاف المعارضين السياسيين عام 1988".

الخطوط التي حددها رئيسي ستصطدم بواقع اقتصادي متعثّر، وفي ظل أزمات متشابكة، يرى مراقبون أنه يصعب حلها من دون تحقيق انفراجة في العلاقات الخارجية الإيرانية وبالذات مع الغرب. وتتصدر الأزمة الاقتصادية الأولويات في إيران، والتي فاقمها تفشي وباء كورونا. وستكون معالجة هذا الوضع منطلقاً لاستعادة الثقة بين الناس والسلطات، بعد أزمة عميقة تُرجمت في مقاطعة الانتخابات الأخيرة. كذلك، فإن نتائج مفاوضات فيينا سيكون لها تأثير كبير على حكومة رئيسي، ففي حال التوصل لاتفاق قبل تسلّمه الحكم يمكنه الاستفادة من رفع العقوبات وتحرير الأموال الإيرانية في الخارج، أما إذا لم يحصل ذلك، فسيواجه تحدياً كبيراً في ظل مواقف تياره المتشدد من التفاوض والاتفاق النووي. لكن مراقبين يتوقعون أن رئيسي لن يغير على الأرجح موقف إيران التفاوضي في محادثات فيينا. وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة، في مؤتمر صحافي أمس الإثنين، رداً على سؤال عما إذا كانت سياسات إيران الخارجية ستتغير بعد تولي رئيسي الرئاسة، إن هذه السياسات في مختلف المجالات "تُرسم على المستويات العليا، ما يعني أنها ستستمر".

وتعليقاً على اللاءات التي أطلقها رئيسي، قال الخبير الإيراني عماد أبشناسان لـ"العربي الجديد"، إن "هذه هي السياسات الأساسية للجمهورية الإسلامية وتُعبّر عن مواقفها الحقيقية"، مضيفاً أن "البعض كانت لديه توقعات بأن يتعامل رئيسي بمجاملة مع هذه القضايا، لكنه أطلق هذه اللاءات بصراحة وشفافية". ولفت إلى أن تصريحات رئيسي "أوضحت الصورة، خصوصاً أن وسائل إعلام ومراقبين في الغرب كانوا ينتظرون لمعرفة ما إذا كانت مفاوضات فيينا قد أحدثت تأثيراً على سياسات ومواقف إيران، أم لا"، مشيراً إلى أن رئيسي "استخدم لغة حازمة في التعبير عن هذه المواقف، ما يعني أن لا مجال للمجاملة في هذه الشؤون".

خبير إيراني: رئيسي قصد أن يبعث من خلال هذه الصراحة البالغة رسائل حازمة للأطراف الغربية قبل أن يباشر عمله

ولفت إلى أن الرئيس المنتخب "قصد أن يبعث من خلال هذه الصراحة البالغة رسائل حازمة للأطراف الغربية قبل أن يباشر عمله"، مضيفاً أن "اللغة الحاسمة" التي استخدمها في رفض إجراء أي لقاء مع بايدن تشير إلى وجود فوارق في الأدبيات واللهجة بين الرئيس الإيراني الجديد وروحاني في التعبير عن السياسات الإيرانية. وأوضح أن روحاني "كان يستخدم لغة دبلوماسية، لكن رئيسي، كونه قاضياً، يستخدم لغة الحزم والقطع، وهو حسم الأمر للجميع بأنه لا تتابعوا هذه القضايا، وأنه ليس مستعداً على الإطلاق لهذا اللقاء ولا يرى ضرورة لذلك".

وأشار إلى أن روحاني كان قد رفض أيضاً لقاء الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، عازياً سبب رفض لقاء الرؤساء الأميركيين إلى "انعدام الثقة" بين الطرفين، فهذه اللقاءات بحاجة إلى "مستوى من الثقة المفقودة في الوقت الراهن"، لكنه لم يستبعد أن تحصل هذه اللقاءات "مستقبلاً إذا بنيت هذه الثقة وأثبتت أميركا التزامها بالعهود، سواء خلال ولاية رئيسي أو بعده". وعن مفاوضات فيينا، قال الخبير الإيراني إنه في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق خلال الفترة المتبقية من ولاية روحاني، "فالفريق التفاوضي الإيراني الجديد سيباشر عمله بسياسات جديدة ولن تكون هناك تلك المجاملات السابقة"، مستبعداً أن تصل الولايات المتحدة إلى اتفاق مع الحكومة الإيرانية المقبلة خلال مباحثات فيينا إن لم يحصل في الوقت الراهن، معتبراً أن "مصلحة واشنطن الاتفاق مع حكومة روحاني".

وعن السياسات الجديدة التي ستتبعها الحكومة المقبلة في المفاوضات، أوضح أبشناسان أنها "لن تجامل الطرف الآخر، وستتعامل بحزم وستنفذ القانون الذي أقره البرلمان الإيراني (مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي)، لاتخاذ إجراءات نووية" لإلغاء العقوبات، مشيراً إلى وجود بنود في القانون لم تنفذ بعد، في حين حان موعد تنفيذها قبل فترة، "مثل إنشاء مصنع اليورانيوم المعدني في أصفهان". وأشار إلى أن اتفاق إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد وقف العمل بالبروتوكول الإضافي "كان من تلك المجاملات ولن تتعامل الحكومة الجديدة بهذا المنطق".

من جهته، رأى أستاذ الدراسات الشرق أوسطية في جامعة طهران هادي برهان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن رحيل ترامب وبنيامين نتنياهو عن الحكم ومجيء بايدن للبيت الأبيض "يُقدّم فرصة للجمهورية الإسلامية والدول العربية والإسلامية لحل خلافاتها والدخول في عهد جديد يعود بالنفع على المنطقة ويضر بإسرائيل". لكنه استدرك بأن "اغتنام هذه الفرصة يتوقف على أن يكون لحكومة رئيسي فهم صحيح لهذه التطورات"، محذراً من إهدار هذه الفرصة "إذا لم تُبدِ الحكومة المقبلة تعاوناً ولم تدرك أهمية هذه التطورات".

وأضاف الأكاديمي الإيراني أن "تصريحات رئيسي لا تبعث كثيراً على الأمل، وإذا لم تغتنم حكومته الفرص الناتجة عن رحيل ترامب ونتنياهو لتسوية الخلافات في المنطقة، سيطيح ذلك بإنجازات إيران"، داعياً إلى "التعامل بإيجابية مع سياسة بايدن الشرق أوسطية، لكن ذلك لا يعني بالضرورة إجراء لقاء معه". ولفت إلى أن "رئيسي أرسل إشارة سلبية صريحة لإدارة بايدن، وهذا لا يبعث على الأمل، ولا شك أن هناك فرقاً كبيراً بين ترامب وبايدن، وسياسة الأخير خلقت لنا فرصاً كثيرة يجب اغتنامها لخفض التوترات في المنطقة وتسوية الخلافات".

المساهمون