كيف كان تأثير سفينة مادلين على الداخل الإسرائيلي؟

11 يونيو 2025   |  آخر تحديث: 15:39 (توقيت القدس)
السفينة "مادلين" في ميناء أسدود الإسرائيلي بعد اختطافها، 10 يونيو (جاك غويز/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- قامت الحكومة الإسرائيلية بحملة دعائية لتقليل أهمية سفينة "مادلين"، ووصفتها كحدث للمشاهير، بينما واجه الناشطون حملات تشويه في الإعلام الإسرائيلي.
- رغم التأييد الدولي والمظاهرات الأوروبية، لم تؤثر هذه الجهود على الرأي العام الإسرائيلي، حيث ركزت الدعاية على تعزيز الكراهية والجهل، بينما دعا الناشطون لفرض عقوبات على إسرائيل.
- وصفت الناشطة ياعيل ليرر المجتمع الإسرائيلي بأنه غير مبالٍ، مؤكدة أن الإدانات الدولية غير الفعالة تُستغل لتعزيز العنصرية، داعية إلى ضغط دولي حقيقي.

عملت الحكومة الإسرائيلية على مواجهة سفينة "مادلين" التي مُنعت من الدخول إلى غزة واختُطفت في المياه الدولية، من خلال حملة دعائية وُجهت إلى الجمهور داخل إسرائيل، وأيضاً إلى الإعلام الدولي، للتقليل من أهمية المبادرة، وتحريف رسائلها الساعية لكسر الحصار المفروض على غزة، التي أصبحت "أسوأ جحيم على الأرض" بحسب تصريحات رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر ميريانا سبولياريتش قبل أيام.

وتعرّض الناشطون الدوليون على متن السفينة لحملات تشويه وتحريض في العديد من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الإسرائيلية، وللسخرية، خصوصاً بحق الناشطة السويدية المعروفة غريتا تونبرغ. ووصفت وزارة الخارجية الإسرائيلية السفينة بـ"سفينة السيلفي والمشاهير"، فيما جرى العمل على تعميم صور لتوزيع عناصر من الجيش الإسرائيلي للطعام والماء على الناشطين الدوليين خلال مداهمة السفينة، التي استُخدمت في عدد من وسائل الإعلام العالمية.

ورغم التأييد الدولي الواسع الذي حظي به نشطاء "مادلين" خلال إبحار السفينة، وخروج عدد من المظاهرات في مدن أوروبية بعد اختطافها للتضامن مع ركّابها وتأييداً لرسالتها، يبدو أن هذه الخطوة لم تؤثر على الرأي العام الإسرائيلي، أو تحدث نقاشاً حول الرسائل من وراء تنظيم هذه المبادرة، بحسب عدد من المتابعين.

دعاية إسرائيلية للداخل

في حديث مع الدكتورة عنات مطر، المحاضرة البارزة في قسم الفلسفة بجامعة تل أبيب، تقول لـ"العربي الجديد": "من الناحية الظاهرية، لم تستطع إسرائيل أن تسمح بحدوث شرخ يُتيح للسكان الجائعين في غزة القليل من الرحمة. كما نرى في مراكز المساعدات التي تُدار عبر شركات خاصة تحت سيطرة الجيش ورأس المال، فإن كميات ضئيلة فقط من المساعدات تصل إلى أولئك الذين يخاطرون بحياتهم ويتعاونون، مضطرين، مع هذا الجهاز الاحتلالي. لو سُمح لسفينة "مادلين" بالدخول، لكان هناك المزيد والمزيد من سفن مادلين".

وتضيف: "هذه المرة قرروا تصوير الحملة البحرية على أنها حدث لمدللين، مغسولي الدماغ وعشاق شهرة - "أسطول السيلفي". داخل إسرائيل، هناك كثيرون سيحبون هذه الرسالة. خارج إسرائيل - أقل بكثير. لكن هذا لا يهم كثيراً بالنسبة إلى الدعاية الإسرائيلية التي تُوجَّه عادةً للداخل، لترسيخ الرأي العام هنا على أساس العقائدية، والجهل، والكراهية. ولهذا، فإن السبب الرئيسي للهجوم على السفينة هو العلاقات العامة داخل إسرائيل، أولاً وقبل كل شيء".

مطر، الناشطة في مجموعة "أكاديميا من أجل المساواة"، والتي تعرضت عدة مرات للتحريض والهجوم بسبب مواقفها ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأخيراً بسبب تضامنها مع الأسير الشهير وليد دقة، تعتبر أن الرأي العام الإسرائيلي لن يتغير أبداً بسبب وصول الناشطين، قائلة: "الغالبية في إسرائيل، بمن فيهم أولئك الذين بدأوا أخيراً يعارضون الحرب، يكرهون التدخل الدولي. ومع ذلك، أعتقد أن الناشطين المتضامنين مع الشعب الفلسطيني وسكان قطاع غزة الجائعين والمُهاجَمين لا يسمحون بنسيان الجوع وظروف الحياة في غزة. في الواقع، هم يوجهون إصبع الاتهام أولاً تجاه الدول التي أتوا منها. هذه الدول يجب أن تفرض عقوبات صارمة على إسرائيل، حتى توقف القتل والتطهير العرقي في قطاع غزة".

وتضيف: "بمعنى آخر، كل من الجانبين يهتم بنفسه أكثر مما يهتم بالطرف الآخر. الحكومة الإسرائيلية تخاطب الجمهور الإسرائيلي، والناشطون المتضامنون يخاطبون المجتمع الدولي. لم يكونوا ينوون إقناع الإسرائيليين، وبالتأكيد ليس الحكومة. ولكن نأمل أن تصل رسالتهم إلى بلدانهم الأصلية. الدم، الجوع، الأمراض، والدمار، كلها تُسجَّل بطريقة غير مباشرة على أسماء الدول التي لا تتدخل فعلياً، وليس فقط رمزياً، لوضع حد لها".

تعزيز للعنصرية

أمّا الناشطة اليسارية المناهضة للصهيونية، ياعيل ليرر، فتصف في حديثها مع "العربي الجديد"، أن المجتمع الإسرائيلي يتأرجح بين "اللامبالاة وردود الفعل الانعكاسية السخيفة، التي تراوح بين السخرية، كراهية النساء، وكراهية الأجانب". وتضيف: "عندما تكون في إسرائيل، تشعر وكأن ما يحدث في غزة لا يخص الإسرائيليين - الحياة تسير بشكل طبيعي لمعظم الإسرائيليين اليهود، وكأن غزة ليست على بعد 60 كيلومتراً فقط من تل أبيب. في الأسابيع الأخيرة، ربما بسبب الأحوال الجوية، يمكن الشعور بالقصف على غزة حتى في تل أبيب، لكن الحفلات مستمرة والموسيقى لا تتوقف. الحملة البحرية لم تغيّر شيئاً".

وتشير إلى وجود سخرية تصدر من معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية، وعلى الشبكات الاجتماعية تجاه المشاركين في الحملة، تُشبّه اتهام كل نقد لإسرائيل بأنه معادٍ للسامية، وتصفها بأنها "محاولة (لن تنجح) لإلغاء أي نقد وتعزيز شعور "نحن على حق" الإسرائيلي". وتقول ليرر إن المظاهرات والأنشطة التي يقوم بها ناشطون أجانب لا تؤثر على الرأي العام في إسرائيل، "بل تُستغل من قبل النظام لتعزيز العنصرية وكراهية الأجانب في المجتمع الإسرائيلي". وترى أن الطريقة الوحيدة لوقف "حمام الدم في غزة" هي ضغط دولي فعلي، و"فرض عقوبات على إسرائيل" تكون الحكومات، لا المجتمع المدني فقط، منخرطة بذلك.

وتعتبر ليرر أن "الإدانات غير المصحوبة بأفعال هي مجرد كلمات فارغة، وطالما أن الغرب والعالم العربي لا يتحركان، فإنهما شريكان في المسؤولية عن عملية الإبادة التي تنفذها إسرائيل"، معبّرة في الوقت نفسه عن أملها في أن تُسهم أنشطة مثل "مادلين"، بالضغط على الحكومات الأجنبية لتتحرك.

ليرر المقيمة في باريس، والتي حصلت على الجنسية الفرنسية وكادت تُنتخب للبرلمان الفرنسي، تتحدث عن رد الفعل الفرنسي على السفينة التي كانت تحمل عدداً من المواطنين الفرنسيين، قائلة: "غطّت وسائل الإعلام الفرنسية بأكملها الحملة البحرية واعتقال المشاركين فيها. جميع أحزاب اليسار دعت إلى تنظيم عشرات المظاهرات التي جرت في جميع أنحاء فرنسا وشارك فيها آلاف الأشخاص. عضو البرلمان الأوروبي ريما حسن، وهي فرنسية-فلسطينية، تحظى بتأييد واسع وشجاعتها مصدر إعجاب، لكن في المقابل، تُواجه حملة تحريض، وتشويه، وتجريد من الشرعية لا تُحتمل من قبل اليمين الفرنسي، وبعض الشخصيات العامة الفرنسية-اليهودية، خصوصاً على الشبكات الاجتماعية، تتضمن شتائم وتهديدات بالاغتصاب والقتل. هذه الأوساط تهاجم الحملة البحرية كلها بالطريقة نفسها".

وتقول أيضاً: "في الأسابيع الأخيرة، أصبح تدمير غزة، والمجازر، والتجويع في صلب الاهتمام العام. حتى إيمانويل ماكرون، ووزير الخارجية، ووزراء آخرون عبّروا عن مواقف شديدة اللهجة ضد أفعال إسرائيل، وأبدوا تضامنهم مع الفلسطينيين في غزة. لكن بالطبع، هذه الإدانات لا معنى لها طالما أنها لا تُترجَم إلى ضغط حقيقي، وعقوبات فعالة على إسرائيل. آمل أن تستفيق فرنسا وتنتقل من الأقوال إلى الأفعال. للأسف، لا أعتقد أن الحملة البحرية واعتقال الناشطين هما ما سيُغير المعادلة، لكنني آمل أن يُضيفا طبقة أخرى من الضغط الشعبي".