كيف تشكل النظام... قصة جزائرية

كيف تشكل النظام... قصة جزائرية

14 ابريل 2021
يواصل الحراك رفع شعار "دولة مدنية لا عسكرية" (بلال بن سالم/فرانس برس)
+ الخط -

لماذا يستمر الحراك الشعبي في الجزائر في رفع شعار "دولة مدنية لا عسكرية"، ما دام هناك رئيس وحكومة وبرلمان ومؤسسات مدنية؟ وفي المقابل، لماذا تنزعج السلطة من هذا الشعار وتشن الحروب ضدّ المطالبين بتمدين الدولة، طالما أنّ الحقيقة التي لا ينكرها أحد، أنّ الجيش هو صانع القرار ومن يختار الرؤساء منذ الاستقلال؟
قد تكون شهوة السلطة والحكم والسيطرة عند العسكر عموماً، هي الدافع وراء تمركز الجيش في قلب نظام الحكم في الجزائر منذ الاستقلال، لكنْ ثمة أيضاً مسار فرضته ظروف موضوعية وسياقات تاريخية معينة، لعبت الدور الأبرز في ذلك. فعندما تسلمت الحكومة المؤقتة السلطة عشية الاستقلال عام 1962، كان جيش التحرير قادماً من الجبال والشعاب والحدود، متكئاً على الشرعية الثورية وعلى مشروعية البندقية التي حسمت الموقف لصالحه في النهاية، قبل أن يُحكم الجيش قبضته على السلطة بالكامل بعد تحييد الرئيس أحمد بن بلة في يونيو/حزيران 1965.

هذا المنحى التاريخي الذي صنع الظروف الأولى لتمركز الجيش في قلب نظام الحكم، متصل بمنحى آخر يتعلق بنجاح حركة التحرير (1954-1962) في تحقيق هدف الاستقلال عبر جبهة واحدة، انصهرت فيها كل مكونات الحركة الوطنية؛ من اليمين إلى اليسار، ومن الإصلاحيين إلى المحافظين، وبواحدية القرار والخيار وأحادية الوسائل والاتجاه الثوري. وعلى هذا الأساس، تشكّلت عقيدة النظام السياسي في الجزائر، بحيث استوعب من تسلموا الحكم بعد الاستقلال أنّ إخفاقات الحركة الوطنية قبل ثورة التحرير، مردها إلى تعدد الأطر والخيارات والوسائل، وأن النجاح في تحقيق الاستقلال ارتبط بوجود إطار ثوري واحد، ولذلك اختار بناة الدولة الوطنية البقاء ضمن الخيار الأحادي نفسه، وإعدام كل تعدد في الأطر، ومحاربة كل تعددية سياسية أو فكرية.

يبرز هنا سؤال مفصلي يدعو للتفكير: لماذا نجح خيار الإطار الواحد في تحقيق منجز الاستقلال وتحرير الأرض، بينما أخفق نفس هذا الخيار الذي تبناه نظام الحكم بعد الاستقلال، في تحقيق منجز بناء الدولة القوية ذات القرار السياسي المستقل والاقتصاد الصلب والمجتمع المتطور؟ في واقع الأمر، فإنّ استحقاقات الثورة ليست هي نفسها استحقاقات الدولة، ووسائل التحرير وأُطرها، ليست هي ذاتها وسائل التشييد والبناء، ومما لا شك فيه أنّ هذا لم يكن غائباً عن أذهان حكام الجزائر في كل المراحل. وإذا كان من غير المجدي الحكم في الزمن اللاحق على حدث سابق من دون تلبس سياقاته، فإنّ أزمة النظام السياسي الجزائري ومأزق الحكم الذي يبرز في كل مرحلة، يؤكد أنّ هناك خطأً عميقاً وقع منذ البداية.

منذ الاستقلال وضع حكام الجزائر البلاد داخل مربع مغلق لا يقبل بأي تعددية، وأعطب ذلك كل محاولة للانتقال من منظومة العمل الثوري الموجه، إلى منظومة الدولة والمؤسسات. ولذلك، استمرّ الجيش في أداء نفس دور المُوجه والمُحدد للخيارات وصانع القرارات. الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، يقول في أحد حواراته المتلفزة، إنّ "الجيش يؤدي هذا الدور منذ زمن الثورة حتى يومنا هذا، بحيث لا يمكن لأي مسؤول أو رئيس أن يتسلم السلطة من دون موافقة الجيش"... ولهذا تستمر الحركة السياسية في الجزائر والحِراك الشعبي، في المطالبة بتمدين الدولة وإعفاء الجيش من الأعباء السياسية ليتفرغ لوظائفه الحيوية... سيحتاج الأمر بالتأكيد لمزيد من الوقت والنضال، وللعقلانية السياسية التي تتجنّب الصدام، حفاظاً على المؤسسة، ومراكمة الظروف المناسبة لذلك انتصاراً للديمقراطية.

المساهمون