استمع إلى الملخص
- الرياض تحافظ على علاقات وثيقة مع روسيا وأوكرانيا، حيث استضافت محادثات بشأن الحرب الأوكرانية ونجحت في إطلاق سراح مقاتلين أجانب، مما يعكس دورها كوسيط محايد.
- تلعب السعودية دوراً دبلوماسياً نشطاً في المنطقة، مستضيفة قمة عربية إسلامية طارئة وقمة مصغّرة لمناقشة اقتراح ترامب، مما يعزز مكانتها كلاعب عالمي مسؤول.
من خلال استضافتها اجتماعاً غير مسبوق بين مسؤولين أميركيين وروس، تجد السعودية نفسها في قلب نشاط دبلوماسي عالمي يعزّز مكانتها، بعدما خفت وهجها لسنوات على الساحة الدولية، مستفيدة من وقوفها على الحياد في الحرب الأوكرانية الروسية المتواصلة منذ نحو ثلاث سنوات، وفق محللين. ويسعى الاجتماع المرتقب في الرياض، اليوم الثلاثاء، إلى إجراء محادثات بهدف إعطاء دفع للعلاقات بين موسكو وواشنطن، ووضع الأساس رسمياً لمفاوضات حول أوكرانيا. وذلك تمهيداً لقمة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب في المملكة الخليجية، بحسب ما أعلنه البلدان.
ويقول مستشار الحكومة السعودية علي الشهابي لوكالة فرانس برس: "إنه نجاح كبير للسعودية. أن تأتي القوتان العظميان إلى الرياض لتسوية خلافاتهما ونزاع طويل الأمد مثل الحرب في أوكرانيا"، ويضيف: "إنه أمر مرموق للغاية ويؤكد القوة الناعمة للمملكة". وقدّمت السعودية نفسها وسيطاً محتملاً منذ غزت روسيا أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
والسعودية حليف تاريخي للولايات المتحدة في المنطقة. وتعمل المملكة، أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، بشكل وثيق مع روسيا في ما يتصل بالسياسة النفطية. وفي الوقت نفسه، احتفظت الرياض بعلاقة وثيقة مع كييف واستقبلت الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أكثر من مرة حضر خلال إحداها قمة الجامعة العربية في مايو/أيار 2023 في جدة. كما التقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في يونيو/حزيران الماضي. ويزور زيلينسكي الرياض مجدداً يوم الأربعاء القادم في زيارة رسمية "مخطط لها منذ فترة طويلة"، وقال الناطق باسمه، أمس الاثنين، إنه لا يعتزم لقاء مسؤولين روس أو أميركيين.
قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، كانت السعودية منبوذة على الصعيد الدولي لأكثر من ثلاث سنوات على خلفية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول في 2018، على أيدي عملاء سعوديين قالت الرياض إنهم "مارقون". وتشير الخبيرة في مركز "الأهرام" للدراسات السياسية في القاهرة، رابحة سيف علام، إلى أنّ السعودية "استفادت" من الحرب في أوكرانيا، إذ تقرّبت الدول الغربية منها آنذاك لطلب زيادة إنتاج النفط السعودي.
وتضيف علام: "استفادت السعودية من التناقضات والمواجهة بين الغرب وروسيا في أزمة أوكرانيا خصوصاً بملف النفط، دون أن تخسر أيّاً من حلفائها الغربيين أو روسيا. وهو ما ساهم في إخراجها من العزلة التي كانت مفروضة عليها بعد أزمة خاشقجي"، وأشارت إلى أن الرياض "استفادت أكثر لأنها وقفت على الحياد في الحرب، فجعلت من نفسها مساحة لتلاقي أطراف الصراع من أجل الحل لا من أجل تعزيز المواجهة".
"رفع مكانة" السعودية
واضطلعت الرياض في سبتمبر/أيلول 2022 بدور لإطلاق سراح مقاتلين أجانب محتجزين في أوكرانيا، بينهم اثنان من الولايات المتحدة وخمسة من بريطانيا. وفي أغسطس/آب 2023 استضافت السعودية محادثات بشأن الحرب استقطبت ممثلين عن أكثر من 40 دولة، من دون مشاركة روسيا.
ويأتي الاجتماع الأميركي الروسي، الثلاثاء، بعد ثلاث سنوات من تجميد شبه كامل للعلاقات بين البلدين، وقبل أسبوع من الذكرى الثالثة لبدء الغزو الروسي، وفي خضم النشاط الدبلوماسي الذي أثارته مكالمة ترامب الهاتفية مع بوتين الأسبوع الماضي، وفي وقت تصعّد الإدارة الأميركية الجديدة انتقاداتها لحلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين التقليديين.
ووصل وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إلى السعودية، أمس الاثنين، ومن المقرّر أن يلحق به مستشار الأمن القومي مايك والتز والمبعوث الخاص لترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف. ومن الجانب الروسي، أرسل بوتين اثنين من المفاوضين المخضرمين إلى الرياض: وزير الخارجية سيرغي لافروف والمستشار الدبلوماسي للكرملين يوري أوشاكوف. ويتوقع أن تكون زيارة ترامب الخارجية الأولى له إلى الرياض، وهذا ما حصل أيضاً خلال ولايته الأولى.
بالنسبة للسعودية، تعطي هذه الحركة الدبلوماسية زخماً لمكانتها الدولية. ويرى الخبير في السياسة الخارجية السعودية بجامعة برمنغهام، عمر كريم، أن "هذا مهم للغاية من منظور سعودي لأنه يرفع مكانة المملكة في الدبلوماسية العالمية باعتبارها لاعباً عالمياً مسؤولاً جاهزاً للمساهمة في السلام العالمي وبناء الجسور بين الأطراف الدولية المتنافسة"، ويضيف: "يشير هذا الاجتماع إلى أن القيادة السعودية ومحمد بن سلمان على وجه الخصوص طوّرا علاقة ودية وثيقة وشخصية للغاية مع كلّ من ترامب وبوتين، وهذا يُظهر أن السعودية تُعتبر كيانا محايدا وودودا وموثوقا به من الجانبين".
وعلى الصعيد الإقليمي، تلعب السعودية دوراً دبلوماسياً نشطاً منذ اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023. واستضافت قمة عربية إسلامية طارئة بعد شهر من اندلاع الحرب. وتستضيف الرياض الجمعة قمة مصغّرة لمناقشة الردّ على اقتراح ترامب نقل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الأردن ومصر، بمشاركة قادة دول مجلس التعاون الخليجي الست إلى جانب مصر والأردن. ويعتقد كريم أنّ "بن سلمان أصبح لاعباً حاسماً وسوف يجني الثمار السياسية لهذا النشاط الدبلوماسي".
(فرانس برس)