أقرّت كوريا الشمالية، أمس الخميس، قانوناً يمنحها الحق في تنفيذ ضربات نووية وقائية لحماية نفسها، وهي خطوة قال عنها زعيم البلاد كيم جونغ أون إنها تجعل وضعها النووي "لا رجعة فيه" وتحظر أي محادثات بشأن نزع السلاح النووي.
وذكرت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية إنه وفقاً للقانون الجديد يمكن تنفيذ الضربات النووية تلقائياً لتدمير مصادر الاستفزاز في حال كان نظام القيادة والسيطرة للقوى النووية معرضاً لخطر الهجوم من قبل القوى معادية. كذلك نقلت عن نائب في البرلمان قوله إن القانون سيكون بمثابة ضمانة قانونية قوية لتعزيز مكانة كوريا الشمالية كدولة تمتلك أسلحة نووية.
وكانت بيونغ يانغ قد أعلنت، في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2017، على لسان زعيمها، أنها باتت بالفعل دولة نووية، وذلك بعد اختبار سلسلة من الصواريخ الباليستية القادرة على استهداف الولايات المتحدة، لكن القانون الجديد يتجاوز ذلك ليحدد متى يمكن استخدام الأسلحة النووية، بما في ذلك الرد على هجوم عسكري أو وقف غزو خارجي، كما يسمح بضربات نووية وقائية إذا تم الكشف عن هجوم وشيك بأسلحة الدمار الشامل أو ضد أهداف استراتيجية للبلاد.
مخاوف عسكرية
وفي تعليقه على التطورات الأخيرة في شبه الجزيرة الكورية، قال الباحث في الشأن الكوري بجامعة تايبيه الوطنية فيكتور وانغ، في حديث مع "العربي الجديد"، إنها خطوة متوقعة من بيونغ يانغ، التي حذرت في وقت سابق من الأنشطة العسكرية المشتركة بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة.
وأضاف الباحث أن الإعلان الجديد يأتي بعد أيام من انطلاق تدريبات عسكرية مشتركة بين سيول وواشنطن في أغسطس/ آب الماضي، هي الكبرى بينهما منذ حوالي خمس سنوات.
وكانت بيونغ يانغ قد سعت خلال العقود الماضية إلى الاستفادة من محادثات نزع السلاح النووي لتقليص التدريبات العسكرية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وهو الأمر الذي وافق عليه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، خلال قممه مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، في عام 2018.
وأضاف فيكتور وانغ أن أحدد أسباب التوجه الكوري الشمالي إلى تبني سياسة تنفيذ ضربات نووية وقائية هو إعادة كوريا الجنوبية تفعيل "سلسلة القتل" لمواجهة التهديد النووي الكوري الشمالي، إذ أعلنت سيول، بعد أن تولى الرئيس الجديد يون سيوك يول منصبه في مايو/ أيار الماضي، أنها ستعود إلى استراتيجيتها العسكرية التي مضى عليها عقد من الزمن، والتي تتضمن شن ضربات احترازية ضد جارتها الشمالية في حالة استشعار وقوع هجوم عسكري وشيك عليها.
وكانت كوريا الجنوبية قد طرحت استراتيجية "سلسلة القتل" لأول مرة في عام 2010، للتعامل مع التهديدات النووية المتزايدة لكوريا الشمالية آنذاك. وخلال حملته الرئاسية، قال يون سيوك يول إنه لن يكون هناك ملاذ من ضربة وقائية إذا ظهرت بوادر هجوم وشيك من بيونغ يانغ، مما أثار اتهامات له بالترويج للحرب في شبه الجزيرة الكورية.
سباق تسلح
من جهته، قال محرر الشؤون العسكرية في صحيفة "كانتون" المحلية، لياو ليانغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الصين تتابع عن كثب التطورات الأخيرة في شبه الجزيرة الكورية، وسط مخاوف من أن تؤدي الخطوة الكورية الشمالية إلى سباق تسلح نووي في المنطقة، وعدم استقرار إقليمي.
وأضاف أن بكين تتفهم موقف بيونغ يانغ، ولطالما دعت واشنطن إلى أن تأخذ بعين الاعتبار المخاوف الأمنية لكوريا الشمالية التي يمثلها التحالف الثلاثي في المنطقة (الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية)، والذي "يستهدف في المقام الأول نظام كيم جونغ أون".
وعن ردة فعل الصين إزاء أي صدام عسكري أو هجوم نووي محتمل، قال لياو ليانغ إن بكين تدرك أن الخطوة الأخيرة هي مجرد تنصيب علني لقدرات كوريا الشمالية النووية، ومحاولة من بيونغ يانغ للفت انتباه الإدارة الأميركية المنهمكة في أتون الحرب الروسية الأوكرانية، إلى مدى الخطر الذي يمثله إعادة تفعيل استراتيجية "سلسلة القتل" الكورية الجنوبية على المنطقة.
وأضاف: "فيما يتعلق بالتهديد الكوري الجنوبي، فإن الصين تعلم بأن كوريا الجنوبية ليست دولة مسلحة نووياً، على الرغم من أنها تحت حماية الولايات المتحدة، كما أن صواريخها لا يمكن أن تصل إلى البر الرئيسي الصيني، لأن أياً منها لا يتجاوز مداه 800 كيلومتر". ولفت إلى أن الاستراتيجية العسكرية لكوريا الجنوبية تعتمد على قدرات تقليدية - وإن كانت متقدمة - لكنها ليست منطقية لردع قوة نووية، حسب قوله.
وأشار إلى أن قدرات سيول العسكرية المحدودة، خاصة فيما يتعلق باستهداف مراكز حيوية عالية القيمة، قد تحول دون انخراط الصين في أي تصعيد محتمل بشبه الجزيرة الكورية.
وشدد في نفس الوقت على أن الرد الصيني يتوقف على حجم التهديد، كما حدث عام 2017، عندما نشرت كوريا الجنوبية نظام "ثاد" الدفاعي، ما دفع بكين آنذاك إلى شن حرب اقتصادية على سيول أدت إلى تكبدها خسائر فادحة، خصوصاً أن الصين هي الشريك التجاري الأكبر لكوريا الجنوبية.
كما لفت أن الصين ردت بغضب عندما رفعت الولايات المتحدة القيود المفروضة على نطاقات الصواريخ الكورية الجنوبية العام الماضي. وكانت تقارير قد أفادت بأن سيول تطور صاروخاً يمكنه حمل أكبر رأس حربي تقليدي في العالم يصل وزنه إلى 8 أطنان.
وكانت كوريا الجنوبية قد عرضت أخيراً إجراء محادثات مع كوريا الشمالية بشأن لم شمل العائلات التي تشتت بفعل الحرب الكورية التي اندلعت في خمسينيات القرن الماضي، في أول مبادرة مباشرة لها في عهد الرئيس يون سيوك يول، على الرغم من العلاقات المتوترة عبر الحدود.
لكن كوريا الشمالية رفضت تلك المبادرات، قائلة إن الولايات المتحدة وحلفاءها يحتفظون بـ"سياسات معادية"، مثل العقوبات والتدريبات العسكرية التي تقوض السلام في المنطقة.
وفي تعليقه على ذلك، قال الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، في خطابه أمام البرلمان، أمس الخميس: "طالما بقيت الأسلحة النووية على الأرض، وظلت الإمبريالية قائمة، ولم يتم إنهاء مناورات الولايات المتحدة وأتباعها ضد جمهوريتنا، فإن عملنا على تعزيز القوة النووية لن يتوقف".