استمع إلى الملخص
- تزامنت الأحداث مع تحركات شعبية ورفض من حزب "سلطة الشعب" الحاكم، وتقديم اقتراح لعزل الرئيس من قبل المعارضة، وسط استقالات جماعية لمساعدي الرئيس.
- أثارت الأزمة قلقاً دولياً، حيث رحبت الولايات المتحدة بإلغاء الأحكام، وتابعت اليابان وروسيا الوضع بقلق، وسط اتهامات للرئيس بالفساد.
لم يصمد إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية ألذي أقرّه الرئيس يون سوك ـ يول، مساء أول من أمس الثلاثاء، وبما حمله من محاولة واضحة للانقلاب على الديمقراطية والدستور، أكثر من ست ساعات، قبل سقوطه، إذ ساهم التحرك السريع للنواب من المعارضة وحتى الحزب الحاكم "سلطة الشعب" إلى جانب الدعم الشعبي والتظاهرات في إسقاط المحاولة، رغم التزام الجيش بالتعليمات الصادرة عن الرئيس، ما اضطر الأخير إلى التراجع حيث أعلن فجر أمس الأربعاء رفع الأحكام العرفية، كما تم سحب جميع الجنود من محيط البرلمان ليواجه الرئيس نفسه مقترحاً بالعزل ينتظر أن يمر ما لم يبادر إلى الاستقالة على غرار وزير الدفاع كيم يونغ ـ هيون.
وعلى الرغم من القرار المفاجئ لرئيس كوريا الجنوبية بفرض الأحكام العرفية وما ظهر من استعداد الجيش لتنفيذ أوامره، سارعت المعارضة إلى اتخاذ زمام المبادرة والعمل على تطويق القرار الرئاسي، وسط تأييد شعبي. وبدا دور رئيس البرلمان، وو ون ـ شيك، المنتمي إلى المعارضة، حاسماً، إذ أظهرته الصور وهو يتسلّق أحد أسوار البرلمان للولوج إليه وعقد جلسة طارئة للتصويت على إيقاف العمل بالأحكام العرفية أسفرت عن تصويت جميع الأعضاء الحاضرين البالغ عددهم 191 عضواً من أصل 300 ضد القرار الرئاسي والدعوة إلى إيقاف حالة الطوارئ فوراً.
انتفاضة المعارضة في كوريا الجنوبية
كما سُجّل رفض حزب "سلطة الشعب" الحاكم، حزب الرئيس، لهذه الأحكام، وذلك على وقع اندفاع المواطنين للتجمّع أمام البرلمان والقصر الرئاسي، رفضاً لإعلان الرئيس فيما كانت الأنباء عن تحركات وإضرابات تخرج تباعاً. وبذلك، نجحت المعارضة الكورية الجنوبية في منع عودة سيول إلى أزمنة ما قبل العهود الديمقراطية، التي بدأت عملياً في عام 1988. ورئيس البرلمان، وو وون ـ شيك، من المناضلين ضد الديكتاتورية في سيول، وسُجن ثلاث سنوات في عام 1981 لانتقاده حكم تشون دو ـ هوان (1980 ـ 1988). وسبق له أن عارض إقرار قانون الأمن القومي في عام 2004، لتضمنه بنداً يقمع حرية التعبير.
وبعد تراجع يون عن الأحكام العرفية، تقدمت أحزاب المعارضة بما في ذلك الحزب الديمقراطي المعارض الرئيسي، وحزب إعادة بناء كوريا، وحزب الإصلاح الجديد، باقتراح لعزل الرئيس. وتقدم النائب البرلماني من الحزب الديمقراطي كيم يونغ ـ مين، وزعيم الكتلة البرلمانية لحزب إعادة بناء كوريا هوانغ أون ـ ها، وغيرهما بالاقتراح إلى الجمعية الوطنية، وشارك 191 نائباً، بينهم نواب حزب سلطة الشعب الحاكم، في رعاية الاقتراح. وتخطط أحزاب المعارضة لطرح الاقتراح في جلسة عامة، اليوم الخميس، على أن يتم إجراء التصويت على العزل غداً الجمعة، أو بعد غد السبت.
تقاطعت أدوار رئيس البرلمان مع نواب معارضين وجزء من الحزب الحاكم لإفشال الأحكام العرفية التي حاول الرئيس يون سوك ـ يول فرضها
وبحسب وكالة يونهاب الكورية الجنوبية، فإنه بعد تقديم اقتراح عزل الرئيس، اجتمع رئيس الوزراء هان دوك ـ سو، وزعيم حزب سلطة الشعب (الذي ينتمي إليه يون) هان دونغ ـ هون، وزعيم الكتلة البرلمانية للحزب تشو كيونغ ـ هو، مع الرئيس في المكتب الرئاسي في يونغسان في سيول. وكشف المكتب الرئاسي، أمس الأربعاء، أن كبار المساعدين للرئيس يون قدموا استقالاتهم بشكل جماعي بعد أن رفع الرئيس الأحكام العرفية بعد ساعات من فرضها.
وأفاد المكتب بأن رئيس السكرتارية الرئاسية جونغ جين ـ سوك، ومستشار الأمن الوطني شين وون ـ سيك، وكبير المساعدين الرئاسيين للسياسات سيونغ تيه ـ يون، وغيرهم من كبار موظفي المكتب الرئاسي، قدموا استقالاتهم بشكل جماعي. وتبدأ عملية العزل من المنصب في كوريا الجنوبية بالمساءلة إذا قام أحد السياسيين "بإساءة استخدام سلطاته وانتهك الدستور". ويجب أن يحظى اقتراح المساءلة المقدم إلى الجمعية الوطنية لإقالة رئيس الدولة من منصبه، بموافقة ثلثي أعضاء البرلمان. أما لإقالة سياسيين آخرين، فإن الأغلبية البسيطة (النصف زائداً واحداً) تكفي.
ويشترط التصويت على مقترح الإقالة في البرلمان خلال مدة لا تتجاوز 72 ساعة. وبعد التصويت تعقد المحكمة الدستورية جلسة استماع لتقييم الأدلة المتعلقة بعملية الإقالة. وأمام المحكمة ستة أشهر للموافقة على الإقالة أو رفض المقترح. وإذا وافق ستة من القضاة التسعة في المحكمة على قرار العزل، تتم إقالة الرئيس. وفي هذه الحالة يجب انتخاب رئيس جديد للبلاد خلال 60 يوماً. ويسيطر حزب يون على 108 مقاعد في الهيئة التشريعية المكونة من 300 عضو. غير أن أمام الرئيس الكوري الجنوبي ساعات قليلة قبل جلسة اليوم الخميس، لتجنّب العزل في حال قدم استقالته، إذ قال بارك تشان ـ داي، النائب البارز في الحزب الديمقراطي، أمس الأربعاء، إنه "بات واضحاً للأمة بأكملها أن الرئيس يون لم يعد قادراً على إدارة البلاد بشكل طبيعي. عليه أن يتنحى عن منصبه".
ودعا زعيم حزب سلطة الشعب الحاكم، الذي ينتمي إليه يون إلى إقالة وزير الدفاع كيم يونغ ـ هيون واستقالة مجلس الوزراء بأكمله. لكن الوزير توجّه إلى الجمهور بالاعتذار، أمس الأربعاء، معلناً استقالته و"تحمّله مسؤولية الفوضى في الأحكام العرفية"، حسبما ذكر في خطابه. وكان يون قد توجّه للأمة في خطاب بثه التلفزيون، مساء الثلاثاء، معتبراً أن "الأحكام العرفية ضرورية للدفاع عن كوريا الجنوبية في مواجهة كوريا الشمالية والقوات المناهضة للدولة المؤيدة لبيونغ يانغ وحماية نظامها الدستوري الحر"، رغم أنه لم يحدد ماهية التهديدات.
وبرر يون هذه الخطوة بالقول إن أحزاب المعارضة تبتز البرلمان وتعطل البلاد. ولفت إلى أنه منذ وصوله إلى السلطة (في عام 2022)، أطلق نواب المعارضة ما مجموعه 22 طلباً لعزل مسؤولين حكوميين، وأن هؤلاء قاموا بترهيب القضاة وعزل عدد كبير من المدعين العامين مما تسبب في إعاقة عمل القضاء. وأضاف يون، الذي عمل مدعياً عاماً لكوريا الجنوبية بين عامي 2019 و2021، أن جميع الميزانيات الرئيسية المتعلقة بالوظائف الأساسية ومكافحة الجرائم والحفاظ على الأمن العام، تم تخفيضها بالكامل (استجابة لطلب المعارضة)، مما ألحق أضراراً خطيرة بالقطاعات الحيوية في البلاد.
وقال إن الحزب الديمقراطي المعارض يستخدم الميزانية وسيلة للابتزاز السياسي، ويتجاهل تماماً حياة الناس، ويشل العمل السياسي من خلال الاعتماد فقط على المساءلة والمحاكمات الخاصة وحماية ممثلي أحزاب المعارضة من العقوبات القضائية. وتعهد يون في خطابه المتلفز بالقضاء على القوى المناهضة للدولة التي اتهمها بالتعاطف مع كوريا الشمالية. وتبع ذلك مشاهد فوضوية، إذ تسلق جنود مبنى البرلمان من خلال النوافذ المحطمة وحلقت مروحيات عسكرية في السماء. وحاول معاونون في البرلمان إبعاد الجنود، واشتبك متظاهرون مع الشرطة في الخارج.
وقال الجيش إن أنشطة البرلمان والأحزاب السياسية ستُحظر، وإن وسائل الإعلام والنشر ستكون تحت سيطرة الأحكام العرفية. وباشرت مجموعات مدنية ونقابية خطواتها لتنظيم مسيرات احتجاجية أو تجمعات بالشموع في جميع أنحاء البلاد، للمطالبة باستقالة الرئيس يون سيوك ـ يول. وأعلن اتحاد عمال الصلب في كوريا الجنوبية، أمس الأربعاء، أنه سيبدأ إضراباً كاملاً في 11 ديسمبر/كانون الأول الحالي حتى يتنحى الرئيس عن منصبه. ورحبت الحكومة الأميركية بقرار برلمان كوريا الجنوبية إلغاء الأحكام العرفية. وأعرب أحد متحدثي مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض عن ترحيبهم بانتهاء الأزمة.
وقال لوكالة الأناضول: "يسعدنا أن الرئيس يون تراجع عن إعلان الأحكام العرفية واحترامه قرار البرلمان بإنهائها". وكانت السفارة الأميركية قد حثت المواطنين الأميركيين في كوريا الجنوبية على تجنب المناطق التي تشهد احتجاجات، بينما نصحت بعض الشركات الكبرى الموظفين بالعمل من المنزل. وقررت سيول وواشنطن تأجيل محادثات الردع النووي الرئيسية والتدريبات ذات الصلة، التي كان من المقرر إجراؤها في واشنطن هذا الأسبوع، وفقا لما أعلنه متحدث باسم وزارة الدفاع "بنتاغون" مساء الثلاثاء. وكان البلدان يخططان لعقد الجلسة الرابعة للمجموعة الاستشارية النووية في العاصمة الأميركية، أمس الأربعاء، في إطار جهود تعزيز قدرات الردع في مواجهة التهديدات النووية والصاروخية المتطورة من كوريا الشمالية. وقال متحدث باسم وزارة الدفاع الكورية الجنوبية لوكالة يونهاب: "تم تأجيل اجتماع المجموعة الاستشارية النووية والمناورات النظرية ذات الصلة حتى إشعار آخر. وليس لدينها معلومات حول إعادة الجدولة".
بدوره، أعلن رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا، أمس الأربعاء، أن بلاده تتابع "بقلق بالغ واستثنائي" الوضع في سيول، مضيفاً في تصريحات صحافية أن لا علم له "بأي معلومات تشير إلى إصابة مواطنين يابانيين بجروح" في كوريا الجنوبية. من جهتها، أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أمس الأربعاء، أن روسيا تتابع بقلق الأحداث في كوريا الجنوبية، لكن لا توجد تهديدات للمواطنين الروس هناك.
من المقرر بحث اقتراح إطاحة الرئيس في جلسة برلمانية اليوم وأن يتم التصويت على العزل غداً أو بعد غد السبت
وحول هذه التطورات، أبدى الباحث في الشأن الكوري بجامعة تايبيه الوطنية في تايوان، فيكتور وانغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، اعتقاده أن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها أحزاب المعارضة في كوريا الجنوبية والتي قادها الحزب الديمقراطي، ضد ممارسات الرئيس يون وزوجته كيم كون، على خلفية قضايا رشى واستغلال للنفوذ والسلطة، وإقالة المدعين العامين وغيرهم من المسؤولين العموميين، كانت سبباً في إعلان الأحكام العرفية للهروب من المساءلة القانونية. وكانت زوجة الرئيس الكوري الجنوبي، قد تورطت العام الماضي بفضيحة عُرفت في الإعلام باسم "فضيحة حقيبة ديور"، وذلك بعد قبولها هدية من قس داعم لتطبيع العلاقات بين الكوريتين، والتقطت كاميرات خفية صوراً لها وهي تتسلّم حقيبة من ماركة ديور تبلغ قيمتها 2250 دولاراً. وخضعت أيضاً للاستجواب في قضية التلاعب بالأسهم في عام 2023، الأمر الذي ضاعف من الضغوط على يون.
شخصية الرئيس الضعيفة
ورأى وانغ، أن شخصية الرئيس الكوري الجنوبي ضعيفة، مع انخفاض شعبيته وفق الاستطلاعات المحلية. وأوضح أن فوز المعارضة الساحق بـ175 مقعداً برلمانياً من أصل 300، في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في إبريل/نيسان الماضي، مثّل ضربة قوية ليون وحزبه "سلطة الشعب". وكان ذلك نتيجة أدائه الضعيف في المجالات الاقتصادية والمعيشية للناس، حتى أن ذلك أثر على شعبيته داخل حزبه. من جهته، رأى أستاذ العلاقات الدولية في معهد وان تشاي للأبحاث والدراسات في هونغ كونغ، ليو مينغ، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الخطوة المتطرفة التي اتخذها الرئيس الكوري الجنوبي، قد تسرع في عملية عزله.
وقال إن الإقدام على هذا الإجراء (إعلان الأحكام العرفية) والعدول عنه في وقت قياسي، يشير إلى حالة التخبط وعدم الاتزان السياسي عند يون، مع إعلان رئيس الجمعية الوطنية وو ون ـ شيك، أن الأحكام العرفية "باطلة" وأن المشرعين "سيحمون الديمقراطية مع الشعب". واعتبر ليو أن الأمر "يشير إلى حجم الانقسامات الداخلية، فضلاً عن أن هذه الخطوة أعادت إلى ذاكرة الكوريين الجنوبيين الأجواء السياسية التي سادت في البلاد في أعقاب اغتيال الرئيس الكوري الجنوبي بارك تشونغ هي في عام 1979، حين فرضت آنذاك الأحكام العرفية ودخلت البلاد في متاهة لم تخرج منها سوى في أواخر ثمانينيات القرن الماضي حين تم إرساء أسس الديمقراطية". وفي تعليقه على علاقة كوريا الشمالية بالتطورات الأخيرة التي شهدتها الجارة الجنوبية، قال ليو: من المثير للسخرية أن الطرفين سواء الحزب الحاكم أو المعارض يتهم واحدهما الآخر بالتعاطف مع كوريا الشمالية والنظام الحاكم في بيونغ يانغ، وهذا يظهر أن الأمر مجرد ابتزاز وورقة ضغط، ومثل هذه الاتهامات تبز عادة وقت الأزمات والاستحقاقات الانتخابية، وسرعان ما تخبو حين تعود البلاد إلى المسار السياسي الصحيح.
(العربي الجديد، الأناضول، فرانس برس، رويترز)