كوريا الجنوبية: رفع الأحكام العرفية بعد 6 ساعات من الدراما السياسية

04 ديسمبر 2024
حواجز أمام الطريق المؤدي للمكتب الرئاسي الكوري الجنوبي في سيول، 4 ديسمبر 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أعلن رئيس كوريا الجنوبية، يون سوك يول، الأحكام العرفية بشكل مفاجئ بسبب اتهامات المعارضة له بتعطيل البلاد وابتزاز الكونغرس، لكن المشرعين اقتحموا البرلمان وصوتوا ضدها، مما أدى إلى سحب القوات ورفع الأحكام.
- جاءت الخطوة وسط توترات سياسية، حيث اتهم يون المعارضة بعرقلة الحكومة والقضاء، وتخفيض الميزانيات، وحماية ممثليها من العقوبات القضائية، وتعهد بالقضاء على القوى المناهضة للدولة.
- يرى المحللون أن الأحكام العرفية كانت محاولة للهروب من المساءلة القانونية بعد تورط زوجته في فضائح فساد، مما أدى إلى تسريع عملية عزله.

رفع رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول، فجر اليوم الأربعاء، الأحكام العرفية التي فرضها الليلة الماضية وأدت إلى محاصرة قوات من الجيش الكوري الجنوبي مبنى البرلمان، قبل أن ينجح مشرعون في اقتحامه والتصويت على رفض الحكم العسكري. وقال يون إن حكومته سحبت قوات الجيش بعد تصويت برلماني رافض للأحكام العرفية، وتم رفع الإجراء رسمياً حوالي الساعة 4.30 صباحاً بالتوقيت المحلي خلال اجتماع لمجلس الوزراء. هذا، وكان الرئيس الكوري الجنوبي قد أعلن الأحكام العرفية مساء الثلاثاء، خلال بث تلفزيوني مباشر، في خطوة فاجأت المجتمع الدولي وخلقت حالة من الاضطرابات داخل البلاد.

وبرر يون هذه الخطوة بالقول إن أحزاب المعارضة تبتز الكونغرس وتعطل البلاد، ولفت إلى أنه منذ وصوله إلى السلطة أطلق نواب المعارضة ما مجموعه 22 طلباً لعزل مسؤولين حكوميين، وأن هؤلاء قاموا بترهيب القضاة وعزل عدد كبير من المدعين العامين، ما تسبب في إعاقة عمل القضاء. وأضاف أن جميع الميزانيات الرئيسية المتعلقة بالوظائف الأساسية ومكافحة الجرائم والحفاظ على الأمن العام تم تخفيضها بالكامل (استجابة لطلب المعارضة)، ما ألحق أضرارا خطيرة بالقطاعات الحيوية في البلاد، وقال إن الحزب الديمقراطي المعارض يستخدم الميزانية وسيلةً للابتزاز السياسي، ويتجاهل تماماً حياة الناس، ويشل العمل السياسي من خلال الاعتماد فقط على المساءلة والمحاكمات الخاصة وحماية ممثلي أحزاب المعارضة من العقوبات القضائية. وتعهد يون في خطابه المتلفز بالقضاء على القوى المناهضة للدولة التي اتهمها بالتعاطف مع كوريا الشمالية.

في أعقاب ذلك، دعا أكبر حزب معارض في كوريا الجنوبية (الحزب الديمقراطي)، إلى عقد اجتماع برلماني طارئ، فتوجه أعضاء الحزب ومناصروه إلى البرلمان، لكنهم اصطدموا بقوات من الجيش الكوري كانت قد انتشرت حول الجمعية الوطنية بموجب سريان الأحكام العرفية في البلاد، ما أدى إلى حالة من الفوضى، قبل أن ينجح عدد كبير منهم في اقتحام المبنى وعقد جلسة طارئة أسفرت عن تصويت جميع الأعضاء الحاضرين البالغ عددهم 190 عضواً من أصل 300 ضد الأحكام العرفية، ودعوا الرئيس إلى إيقاف حالة الطوارئ فوراً. وفجر الأربعاء، أعلن يون سيوك يول، عبر بث مباشر، رفع الأحكام العرفية التي لم يمض على سريانها سوى ست ساعات فقط، كما تم سحب جميع الجنود من محيط البرلمان.

ما الذي أدى إلى إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية؟

يعتقد الباحث في الشأن الكوري بجامعة تايبيه الوطنية فيكتور وانغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها أحزاب المعارضة في كوريا الجنوبية، والتي قادها الحزب الديمقراطي ضد ممارسات الرئيس يون وزوجته على خلفية قضايا رشى واستغلال للنفوذ والسلطة، وإقالة المدعين العامين وغيرهم من المسؤولين العموميين، كانت سبباً في إعلان الأحكام العرفية للهروب من المساءلة القانونية.

وكانت زوجة الرئيس الكوري الجنوبي كيم كون هي قد تورطت العام الماضي بفضيحة عُرفت في الإعلام باسم "فضيحة حقيبة ديور"، وذلك بعد قبولها هدية من قس داعم لتطبيع العلاقات بين الكوريتين، حيث التقطت كاميرات خفية صوراً لها وهي تقبل حقيبة من ماركة ديور تبلغ قيمتها 2250 دولاراً. أيضاً في العام نفسه، خضعت للاستجواب في قضية التلاعب بالأسهم، الأمر الذي ضاعف الضغوط على الرئيس يون سوك يول.

أيضاً أشار فيكتور وانغ إلى ضعف شخصية الرئيس الكوري الجنوبي وانخفاض شعبيته وفق الاستطلاعات المحلية، وقال إن فوز المعارضة الساحق (الفوز بـ175 مقعداً من إجمالي 300 مقعد) في الانتخابات البرلمانية التي جرت في إبريل/ نيسان الماضي، مثّل ضربة قوية ليون وحزبه الحاكم (حزب سلطة الشعب)، وكان ذلك نتيجة أدائه الضعيف في المجالات الاقتصادية ومجالات معيشة الناس، حتى أن ذلك أثر على شعبيته داخل حزبه، ما دفع المعارضة إلى ملاحقته قضائياً وتمرير مشاريع قوانين تقوض سلطته، وقد نجحت في نهاية المطاف في إحراجه ودفعه نحو تصرف متهور وغير مسؤول قد يكلفه حياته السياسية.

تسريع عملية عزل الرئيس

من جهته، يرى أستاذ العلاقات الدولية في معهد وان تشاي للأبحاث والدراسات في هونغ كونغ ليو مينغ، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الخطوة المتطرفة التي اتخذها الرئيس الكوري الجنوبي قد تسرع في عملية عزلة، وقال إن الإقدام على هذا الإجراء (إعلان الأحكام العرفية) والعدول عنه في وقت قياسي، يشير إلى حالة التخبط وعدم الاتزان السياسي عند يون، فبعد أقل من ثلاث ساعات، صوت البرلمان على رفع الإعلان، وأعلن رئيس الجمعية الوطنية وو ون شيك أن الأحكام العرفية "باطلة" وأن المشرعين "سيحمون الديمقراطية مع الشعب"، وهذا يشير إلى حجم الانقسامات الداخلية، فضلاً عن أن هذه الخطوة أعادت إلى ذاكرة الكوريين الجنوبيين الأجواء السياسية التي سادت في البلاد في أعقاب اغتيال الرئيس الكوري الجنوبي بارك تشونغ هي عام 1979، حيث فرضت آنذاك الأحكام العرفية وأدخلت البلاد في متاهة لم تخرج منها سوى في أواخر ثمانينيات القرن الماضي حين تم إرساء أسس الديمقراطية.

وفي تعليقه على علاقة كوريا الشمالية بالتطورات الأخيرة التي شهدتها الجارة الجنوبية، قال ليو مينغ "من المثير للسخرية أن الطرفين سواء الحزب الحاكم أو المعارض يتهم كل منهما الآخر بالتعاطف مع كوريا الشمالية والنظام الحاكم في بيونغ يانغ، وهذا يظهر أن الأمر مجرد ابتزاز وورقة ضغط، ومثل هذه الاتهامات تبرز عادة وقت الأزمات والاستحقاقات الانتخابية، وسرعان ما تخبو حين تعود البلاد إلى المسار السياسي الصحيح".