كورونا مصر: اعتبارات سياسية وأمنية تمنع الإغلاق

كورونا مصر: اعتبارات سياسية وأمنية تمنع الإغلاق

16 ديسمبر 2020
مصريون في القاهرة ينتظرون لإجراء فحص كورونا (فاسيليس بولاريكاس/Getty)
+ الخط -

حصل "العربي الجديد" على بيانات حكومية مصرية ترجح أن عدد الإصابات اليومية الجديدة بفيروس كورونا المستجد حالياً تصل إلى عشرة آلاف حالة، وفقاً للنموذج الافتراضي المحدث الذي تطبقه اللجنة التنسيقية العلمية لمتابعة الوضع الوبائي في البلاد، بغض النظر عن الأرقام المعلنة للإصابات المسجلة في مستشفيات وزارة الصحة والجامعات والقوات المسلحة، والتي تجاوزت أول من أمس الإثنين خمسمائة حالة للمرة الأولى خلال الموجة الثانية من الجائحة.

وجاء في البيانات الحكومية -وهي ذات طبيعة سرية ترفع إلى رئاسة الجمهورية والجهات السيادية ولا تعلن في وسائل الإعلام- أنّ العدد المرجح لأعداد الإصابات يتم تسجيله بناء على مجموعة من المعايير، هي عدد الإصابات الرسمية المسجلة في المستشفيات، وعدد النتائج الموجبة لتحليل "PCR" في المعامل المركزية والخاصة، وعدد حالات الاشتباه المسجلة في المستشفيات الحكومية والخاصة. بالإضافة إلى متوسط عدد التحاليل التي كان من المفترض إجراؤها قياساً بحالات الاشتباه تلك، واعتبار هذه الأعداد جميعاً تمثل نسبة الخُمس من إجمالي الحالات المصابة الموجودة في الشارع المصري، وذلك للتوصل في النهاية إلى محاكاة قريبة لنماذج افتراضية أخرى عديدة متبعة في دول العالم، التي تتوسع في إجراء تحاليل "PCR" لمواطنيها، خصوصاً ألمانيا وبريطانيا وفرنسا.


توقعات بوصول عدد مصابي كورونا الجدد في بعض الأيام إلى ثلاثين ألفاً

وتوقعت البيانات الحكومية التي تتضمن كل أسبوع تغطية مستقبلية للأعداد الافتراضية خلال الفترات المقبلة وفقاً للتغيّرات الوبائية التي تحدث في الشارع من جهة، وبمراقبة مدى الالتزام بالإجراءات الاحترازية بشكل عام من ناحية أخرى، أن تصل مصر إلى ذروة مبكرة ببلوغ العدد الحقيقي لمصابي كورونا الجدد في بعض الأيام ثلاثين ألفاً، خلال الأسبوع الأخير من الشهر الحالي والأسبوع الأول من شهر يناير/كانون الثاني المقبل، وذلك بناءً على أربعة أمور.

الأمر الأول هو تمسك النظام الحاكم بعدم الإغلاق الكلي أو الجزئي للمصالح الحكومية والكيانات التعليمية والإنتاجية، والتراخي المستمر في عدم توقيع عقوبات على أي مخالفات للإجراءات الاحترازية، بدءاً من عدم ارتداء الكمامات في المواصلات العامة وصولاً إلى مخالفة المصانع وغيرها من المصالح للقواعد المقررة في هذا الشأن بقرار سابق لرئيس مجلس الوزراء.

الأمر الثاني، هو عدم الرصد الكامل حتى الآن لعدد الإصابات التي خلفتها التجمعات الشعبية الغفيرة خلال فترة الانتخابات النيابية، والمستمرة حتى الآن بالمؤتمرات الجماهيرية الحاشدة لتهنئة النواب الجدد في محافظات المرحلة الثانية من الانتخابات، ومنها القاهرة والمنوفية والغربية والشرقية ودمياط، وهي من أكثر المحافظات التي تضررت بعدد إصابات كورونا خلال الموجة الأولى من الجائحة.

أما الأمر الثالث، فيتمثل في بدء الموسم السياحي والترفيهي الشتوي، خصوصاً في محافظات جنوب سيناء والبحر الأحمر وأسوان والأقصر. وعلى الرغم من تشديد الإجراءات الحمائية في المنشآت السياحية قياساً بباقي المصالح الاقتصادية، فإنّ تلك المحافظات كانت أول المناطق التي شهدت انتشار الفيروس المستجد في مصر نهاية الشتاء الماضي. كما أنه لا توجد ثمة قيود على الحركة من وإلى تلك المحافظات بالنسبة للسائحين حالياً، على الرغم من سابقة صدور قرارات وزارية باتخاذ إجراءات للعزل الصحي لتلك المناطق لحمايتها، لم تنفذها السلطات منذ تراجع عدد الإصابات في نهاية يوليو/تموز الماضي.


الموجة الثانية تحل على مصر بسمات مختلفة عن الأولى

وبالنسبة للأمر الرابع والأخير الذي رصده تقرير اللجنة التنسيقية بناءً على تقرير علمي من اللجنة العلمية لمكافحة الوباء، فهو أنّ الموجة الثانية تحل على مصر بسمات مختلفة عن الأولى، فالإصابات تبدو أكثر وأسرع انتشاراً، مما سينعكس بالتأكيد في قفزات الأعداد، كما أنّ الوفيات أكثر قياساً ببداية الموجة الأولى. ولكن في الوقت نفسه تتسم الأعراض بأنها خفيفة ومتوسطة في مجملها إذا ما قيست بالأعراض التي كانت سائدة في الموجة الأولى، وتستند اللجنة العلمية في هذا الاستنتاج إلى زيادة أعداد المتعافين سريعاً من المصابين المسجلين، وعدم وصول الحالات المسجلة إلى المستشفيات بالكثافة التي كانت عليها في مايو/أيار ويونيو/حزيران الماضيين، واستقرار حالة معظم الحالات المسجلة الموجهة إلى العزل المنزلي وعدم تفاقمها.

وعن كيفية التعامل مع تلك التحذيرات الداخلية واحتمالية اتخاذ قرارات جديدة بالإغلاق، قالت مصادر حكومية بمجلس الوزراء لـ"العربي الجديد، إنّ هذه الاحتمالات ما زالت "مستبعدة للغاية" حالياً، وكذلك وقف الدراسة أو تعليقها، استجابة لنفس الآراء المبداة من الجهات السيادية والأمنية ووزارات المجموعة الاقتصادية. وترى هذه الجهات ضرورة التعامل الهادئ مع المواطنين وأصحاب المصالح الاقتصادية تحسباً لإمكانية حدوث انفجار اجتماعي نتيجة ضعف المداخيل واحتياج المواطنين للوظائف والعمل في أشغال عدة يومياً، خصوصاً أنّ بعض القطاعات التي تضررت من فترة التوقف الأولى بسبب الجائحة لم تتعاف إلى الآن من آثار ضعف الموارد من ناحية، وقرارات فصل واستبعاد مئات الآلاف من العمال المؤقتين، لا سيما مع تزامن فترة التوقف والجائحة مع القرار السابق بوقف البناء على مستوى الجمهورية.

وسبق أن قالت المصادر ذاتها لـ"العربي الجديد" مع بداية الموجة الثانية، إنه بعيداً عن المبررات الأمنية والمالية لعدم فرض قيود على الحركة والأنشطة؛ فإنّ أجهزة النظام تتجه إلى عدم تعطيل الدراسة أو العمل بالمؤسسات الاقتصادية بأي شكل لأسباب سياسية بحتة، حتى إذا تطلب الأمر وقف الدراسة جزئياً بعدد من المدارس أو وقف العمل بعدد من المصانع والمصالح. والسبب الرئيس هو طمأنة المستثمرين المحليين والأجانب لناحية استمرار مساندة الدولة لهم وتمكينهم من ممارسة الأعمال نظير استمرار ضخ الأموال وتوفير فرص العمل في السوق المصرية.


احتمالات الإغلاق ما زالت "مستبعدة للغاية" حالياً

في المقابل، ما زالت وزارة الصحة تؤكد أنها قادرة حتى الآن على استيعاب أعداد الإصابات المتوقعة مع دخول فصل الشتاء والمضي قدماً في الدراسة في المستشفيات الحكومية، لكنها وضعت شروطاً عدة لاستمرار قدرتها؛ على رأسها التفعيل السريع عند الحاجة لمجمع العزل الذي أقامته القوات المسلحة بمجمع معارضها بالقاهرة الجديدة ولم يستخدم. فضلاً عن دخول المستشفيات الجامعية والعسكرية بمختلف المحافظات للخدمة عند الحاجة، والتأكيد على سرعة غلق المدارس والكليات والمعاهد التي تظهر فيها حالات -وهو ما بدأت بعض المدارس في مخالفته حالياً- مع عودة تخفيض عدد ساعات عمل المجمعات التجارية وأماكن الترفيه وبصفة خاصة المقاهي وصالات الرياضة والملاعب الأهلية.

ومنذ خمسة أشهر، صدرت تعليمات بخروج الحالات المستقرة من المستشفيات خلال أسبوع من تاريخ دخولها، من دون إجراء مزيد من الفحوصات أو انتظار تحول نتيجة تحاليلها من موجبة إلى سالبة، وهو ما تسبب في إشاعة حالة من الاستهانة بالمرض في أوساط المصابين والمخالطين لهم. فضلاً عن عدم ملاءمة نسبة كبيرة من المساكن في المناطق الفقيرة والريفية بمصر لتطبيق العزل المنزلي بصورة صارمة، مما حول هذه الحالات المستقرة ظاهرياً إلى ما يشبه القنابل الموقوتة، التي يمكن نقل المرض بواسطتها للعشرات من المخالطين المباشرين وغير المباشرين.

وتكاملت هذه التعليمات مع توسع الدولة منذ نهاية يونيو/حزيران الماضي في الاعتماد على العزل المنزلي وانتشار طرق العلاج بين المواطنين بصورة تقليدية، بسبب تخوفهم المطرد من التوجه للمستشفيات، بسبب شكاوى المصابين وذويهم من ضعف الإمكانيات وعدم توافر الأسرة، خصوصاً في وحدات الرعاية المركزة. الأمر الذي تسبب في وجود عدد كبير من المصابين خارج منظومة الصحة الرسمية لم يتم تسجيلهم، واعتمدوا على أنفسهم أو أطباء في التشخيص بواسطة الأعراض.

ومنذ ذلك الوقت، أوقفت وزارة الصحة ربط صرف العلاج من المستشفيات بوجوب إجراء تحليل "PCR" موجب للحالة، فمن الممكن الصرف بناء على الأشعة أو التشخيص الطبي الصادر من طبيب للحالة طالما كانت معزولة منزلياً ولا يتطلب الوضع دخولها المستشفى، مما ساهم في توفير العلاجات الرسمية أيضاً للمصابين، وبالتالي استمرار عزلهم خارج منظومة التسجيل.

المساهمون