كورونا في البيت الأبيض: هل تكون "مفاجأة" أكتوبر الانتخابية؟

كورونا في البيت الأبيض: هل تكون "مفاجأة" أكتوبر الانتخابية؟

03 أكتوبر 2020
التقط ترامب العدوى من مساعدته (جابين بوتسفورد/Getty)
+ الخط -

من حيث لم يكن منتظراً، حلّت "مفاجأة أكتوبر" على الساحة الأميركية، بإصابة دونالد ترامب بـ"الوباء الصيني"، كما اختار أن يطلق دائماً على فيروس كورونا. هذا الوباء، الذي يعد "اللطخة السوداء" الأكبر لولاية دونالد ترامب، أدخل عند الساعة الواحدة بعد منتصف ليل الخميس - الجمعة، الولايات المتحدة في مرحلةٍ شديدة من الارتباك، قد يصحّ القول إنها التتويج الأكثر رمزية على الأقل، لسلسلة من الأزمات لا تزال تواجهها البلاد منذ بداية العام الحالي، ويختلط فيها حابل العامل الصحي بنابل السياسة والاقتصاد. وعلى بُعد شهر من الانتخابات الرئاسية المقررة في 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وفي ذروة هستيريا حملة الرئاسيات، التي أغرقت البلاد في انقسام واستنفار غير مسبوق، وتحشيدٍ وتحشيد مضاد، كان استدعى منذ العام 2016، استخدام كل أساليب وألاعيب السياسة بين معسكري الجمهوريين والديمقراطيين، أعلن الرئيس الأميركي إصابته بوباء كوفيد 19، لتصبح كل السيناريوهات ممكنة ومطروحة على طاولة النقاش.

وأصيب رجال سياسة كثر حول العالم، بوباء كورونا، الذي بدأ انتشاره عالمياً بعد الصين مع بداية 2020، أبرزهم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الذي اضطر لدخول المستشفى، وشكر الأطباء لـ"إنقاذ حياته"، والرئيس البرازيلي جايير بولسونارو (64 عاماً). لكن وقع إعلان إصابة رئيس الولايات المتحدة بالفيروس، جاء مختلفاً، وهو ما تجلى سريعاً على المستوى المالي، ومع التراجع السريع للأسهم الأميركية والأوروبية. لكن الأهم، أن الرئيس البالغ من العمر 74 عاماً، والذي لطالما أكد أن ملفه الطبي جيّد، كان القيادي الأشد استهتاراً حول العالم بالفيروس المتحدر من سلالة الإنفلونزا، وخطورته، ما جعل 200 ألف أميركي يموتون جرّاءه، مع إصابة أكثر من 7 ملايين. ووصل الفيروس اليوم إلى ترامب، في خضم حملة انتخابية خيّمت عليها تداعيات الوباء الكارثية على الولايات المتحدة. وعلى الرغم من محاولة الرئيس، خلال الأسابيع الأخيرة، إلهاء الرأي العام بمسائل أخرى، لم يشأ كورونا إلا أن يكون الملف الأول خلال الـ30 يوماً المقبلة، قبل يوم الاقتراع الرئاسي، سواء لما يمكن أن يجره من استعطاف لترامب، أو لجهة استغلاله ديمقراطياً. ولن يكون أسهل للمعسكر الديمقراطي من التصويب على رئيس امتنع كثيراً عن التقيد بإجراءات الوقاية، حتى وصل به الأمر لاقتراح حقن الأجسام بمواد مطهرة للحماية من كورونا، وأكد أنه تعاطى دواء هيدروكسي كلوروكين المعالج للملاريا، للوقاية من الوباء.

ألغى ترامب جولة انتخابية في ولاية فلوريدا المتأرجحة

وإذا كانت إصابة ترامب، ظهّرت بوضوح فشله في إدارة كورونا، فإن تداعياتها على حملته الانتخابية ستكون بلا شك مهمة، مع الاحتمال الأول والأكثر بديهية بإمكانية إلغاء المناظرتين المتبقيتن له مع منافسه الديمقراطي جو بايدن، واعتماده خلال الأيام المقبلة على "تويتر" لتعويض غيابه المباشر عن الحملة، وصولاً إلى احتلال نائبه مايك بنس، الذي لا يملك شعبية ترامب، ويعتبر من الجناح المتشدد والإشكالي داخل حزب المحافظين، مساحة أكبر للظهور، إلى حدّ الوصول لإمكانية تبوئه الرئاسة مؤقتاً، إذا عجز الرئيس عن أداء مهامه. ووقع الإعلان عن إصابة ترامب كالصاعقة على حملته، وتبدت أولى نتائجه بالإعلان عن إلغاء زيارة للرئيس كانت مقررة أمس الجمعة إلى ولاية فلوريدا المهمة، والتي تعد ساحة معركة قاسية بينه وبين بايدن، حيث كان من المفترض أن يقوم هناك بتحشيد الأقلية اللاتينية، وخصوصاً المتحدرة من كوبا، والتي تميل للجمهوريين.

وترتبط مسألة صحة الرئيس الأميركي بالأمن القومي للبلاد، وستكون تأثيراتها بلا شك مرتبطة بالتشخيص اليومي لحالة ترامب، وتطور الفيروس لديه. ولعلّ لهذا السبب، تحدث أميركيون أول من أمس، عن انتشار طائرات بقيادةٍ نووية قبل وقت قصير من إعلان إصابة الرئيس رسمياً، والتي جرت عبر حسابه على "تويتر". ودلّت إصابة ترامب، التي جاءت عبر انتقال العدوى لديه من إحدى مساعداته، هوب هيكس، لتثير أسئلة كثيرة، حول حجم الإصابات والإهمال داخل البيت الأبيض، وعدم التزام الرئيس بالتباعد الاجتماعي، وخروجه في حملات انتخابية حاشدة، من دون كمامة، واقترابه من فريقه على متن الطائرات. ويعني ثبوت إصابة ترامب بكورونا، أن آخرين في أعلى مستويات السلطة والحكومة في الولايات المتحدة ربما تعرضوا للعدوى وعليهم البقاء في حجر صحي أيضاً. وقال مسؤول في البيت الأبيض لوكالة "رويترز"، إن عملية تتبع المخالطين للرئيس جارية. والمفارقة أن ترامب، توقع أول من أمس الخميس، قبل وقت قليل من تأكيد إصابته، نهاية وشيكة للجائحة.

وفي التفاصيل، فقد أعلن ترامب عبر "تويتر"، ليل الخميس - الجمعة، إصابته وزوجته ميلانيا، بفيروس كورونا، الذي التقطه من مساعدته هيكس. وكتب ترامب "ثبتت هذا المساء إصابتي والسيدة الأولى بكوفيد 19، وسنبدأ فترة الحجر الصحي على الفور. سوف نتجاوز هذا معا". وأوضح طبيب ترامب شون كونلي، أن"كليهما بخير في الوقت الراهن، ويعتزمان البقاء في المنزل في البيت الأبيض خلال فترة الحجر الصحي"، مضيفاً أن الرئيس سيواصل أداء "واجباته دون انقطاع" من المكتب البيضاوي. لكن برنامج عمل الرئيس اقتصر أمس، على مكالمة هاتفية خلال منتصف النهار حول "دعم المسنين في مواجهة الوباء"، فيما أُعلن عن إلغاء جولة فلوريدا.
وكانت هيكس على متن الطائرة التي أقلت ترامب يوم الأربعاء الماضي إلى ولاية مينيسوتا. والتقى ترامب ببايدن يوم الثلاثاء الماضي، في مناظرة في كليفلاند بولاية أوهايو، لكنهما التزما بمسافة جيدة (نحو 3 أمتار) من التباعد. وكانت هيكس أيضاً في طائرة الرئاسة مع الرئيس عندما سافر إلى كليفلاند للمشاركة في المناظرة، وقد يكون ترامب التقط العدوى الثلاثاء، علماً أن إصابة مساعدته، تضفي شكوكاً حول مدى مصداقية البيت الأبيض في إعلانه سابقاً إخضاع العاملين فيه لفحوصات يومية.

وخضع ترامب الخميس لفحص كورونا، بعد تأكد إصابة هيكس، التي كانت قد عُزلت خلال رحلة العودة إلى واشنطن من مينيسوتا، على طائرة "إير فورس وان"، بعد شعورها بالإعياء. ولم يعلن البيت الأبيض عن إصابة أحدٍ من طاقم ترامب، الخميس، حتى مع صدور اختبار هيكس صباحاً، إلى أن كشفه موقع "بلومبيرغ" مساء. وفي خضم الأزمة، استغل ترامب إصابة مساعدته للترويج الانتخابي، مشيراً إلى أن مساعدته، "ربما أصيبت بالفيروس من خلال الاتصال بالجنود أو مسؤولي إنفاذ القانون"، معتبراً أن "وجودك بين عناصر من الجيش أو الشرطة صعب جداً، إذ يتهافتون عليك لتقبيلك، لأننا قمنا بعمل جيد لهم حقاً"ً.

وروى مراسل "ذا أتلانتك"، بيتر نيكولاس، أمس، للمجلة، أنه رصد خلال زيارة له إلى البيت الأبيض في أغسطس/آب الماضي، إهمالاً في ارتداء الأقنعة الواقية داخل "الجناح الغربي"، وإهمالاً في مراقبة الزائرين، مؤكداً تعامل فريق ترامب بازدراء مع بروتوكولات الوقاية من الوباء. واًصيب كثيرون داخل البيت الأبيض ومقربون من ترامب، بالوباء، قبل هيكس، منهم المتحدثة باسم بنس، كايتي ميلر، ومستشار الأمن القومي روبرت أوبراين، وكذلك صديقة ابن ترامب، دونالد ترامب جونيور، كيمبرلي غيلفويل. وكان ترامب، على المستوى القيادي العالمي والوطني، قد أبدى ازدراء لقرارات المجتمع العلمي، فيما روجت مجموعات يمينية متطرفة مؤيدة له لنظرية المؤامرة حول الوباء. ويعد كورونا اللطخة الكبرى لولايته، لا سيما بعد المعركة الطاحنة التي قادها ضد الولايات الديمقراطية، لمنعها من الإغلاق، وتحشيده مليشيات مسلحة من اليمين المتطرف للنزول إلى الشارع، والتظاهر ضد إجراءات كورونا الصارمة.

مخاوف من إمكانية إصابة مسؤولين آخرين بالعدوى

وفور الإعلان عن إصابة ترامب بـ"كوفيد 19"، توالت ردود الفعل الدولية المتمنية له الشفاء، ولم تقو بعضها إلا أن أشارت إلى سوء إدارة الرئيس الأميركي لأزمة كورونا. وأصدر الكرملين بياناً، تمنى فيه لترامب "الشفاء العاجل". ونقل عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قوله في رسالة موجهة لنظيره الأميركي: "أنا مقتنع بأن حيويتك وتفاؤلك ومعنوياتك العالية، ستساعدك على مواجهة هذا الفيروس الخطير". بدورها، بعثت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بـ"خالص أمنياتها بالشفاء العاجل للرئيس الأميركي وزوجته بعد إصابتهما بفيروس كورونا"، بحسب مكتبها الإعلامي. كذلك تمنى بالشفاء لترامب كل من رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والهندي ناريندرا مودي، والبريطاني بوريس جونسون، ومسوؤلين سياسين آخرين. وكتب المتحدث باسم الحكومة الفرنسية غابرييل أتال، على "تويتر"، أن "هذا يوضح أن الفيروس لا يستثني أحداً، بما في ذلك أولئك الذين أبدوا شكوكهم. أتمنى له الشفاء العاجل". كذلك قال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لـ"رويترز" إن بلاده تتمنى لترامب وزوجته التعافي سريعاً. كما تمنى المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، والذي طالبت إدارة ترامب يوماً بإقالته، متهمة المنظمة بالتواطؤ مع الصين في الأزمة الصحية، الشفاء للرئيس الأميركي وزوجته. وكتب هو شيجين، رئيس تحرير صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية في تغريدة أن "الرئيس ترامب والسيدة الأولى دفعا ثمن مقامرته للتقليل من شأن كوفيد 19. تظهر الأنباء خطورة الوضع الوبائي في الولايات المتحدة، وسيكون لها تأثير سلبي على صورة ترامب والولايات المتحدة كما قد تؤثر سلبا على إعادة انتخابه".

ولكن إصابة ترامب قد تكون لها تبعات إيجابية عليه. ولم يستبعد شين أوليفر، رئيس مؤسسة "إيه إم بي كابيتال للاستثمار"، أن يحصل الرئيس الأميركي على أصوات "بدافع التعاطف"، مضيفاً أن "السوق بالفعل في حالة توتر بسبب الانتخابات المقبلة، وفشل المحادثات في التوصل إلى حزمة حوافز مالية جديدة". وقال "يمكنك تخيل جميع أنواع السيناريوهات هنا. إذا كانت نتيجة اختباره إيجابية ثم ظهرت عليه أعراض خفيفة، فسوف ينتهي الأمر في غضون أيام قليلة. إذا مرض واضطر إلى الذهاب إلى المستشفى، فستكون السوق أكثر قلقاً. بالطبع إذا توقفت الحملات الانتخابية، فقد يزيد ذلك من المخاوف من أنه قد يخسر الانتخابات". وأكد أنه "بشكل عام، تفضل السوق أن يفوز الرئيس الحالي، والتفضيل العام هو فوز ترامب، لأنه سيعني ضرائب أقل ولوائح تنظيمية أقل مقارنة مع فوز بايدن".

وذكر موقع "ماركت ووتش" الأميركي، أن السؤال الذي يحاول محللون الإجابة عليه، هو ما إذا كانت إصابة ترامب بكورونا هي "مفاجاة أكتوبر"، التي لطالما لمح إليها محللون حول ما يمكن أن يعيد ترامب إلى صدارة استطلاعات الرأي، في وجه منافسه، وما مدى تأثيرها قبيل الانتخابات. ونقل الموقع عن روني نيم، كبير المحللين في شركة "سكويرد فاينانشال" للخدمات المالي، قوله إن "كيفية تعافي ترامب من كورونا يمكن أن تغير قواعد اللعبة للانتخابات"، معتبراً أنه "إذا تعافى بسرعة، يعني أنه كان محقاً بشأن التقليل من خطورة الفيروس، ما يمنح دفعة كبيرة لحملته. لكن إذا ساءت حالته، فسيظهر أن سياسة التعاطي مع الوباء أسيء تقديرها". وأبدى مارشال غيتلر، رئيس أبحاث الاستثمار في مجموعة "بي دي أس ويس"، رأياً مغايراً، حيث أشار إلى أن إصابة ترامب ستصب في صالح الديمقراطيين. وتساءل: "حتى لو شفي سريعاً، ما الرسالة التي سيصل إليها مؤيدوه الذين صدّقوه؟".