"كعب داير"... حرب نفسية ضد السجناء المصريين قبل إطلاقهم

30 مايو 2025   |  آخر تحديث: 04:15 (توقيت القدس)
سجن طرة جنوبي القاهرة، 20 فبراير 2020 (خالد الدسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- رحلة الإفراج عن السجين السياسي "م. س" تضمنت إجراءات معقدة ومليئة بالتوتر، حيث تنقل بين مكاتب السجن ومديريات الأمن وأقسام الشرطة، مع تعرضه لحرب نفسية وتعليمات صارمة حول سلوكه المستقبلي.
- توضح تجربة "م. س" التحديات القانونية التي يواجهها السجناء السياسيون في مصر، مثل "كعب داير"، حيث يتم تحريكهم بين الأقسام والجهات الشرطية، مما قد يستغرق وقتاً طويلاً.
- يشير حقوقيون إلى انتهاكات قانونية في الإفراج عن السجناء السياسيين، مثل تجاوز مدة الاحتجاز وإنكار وجود المحكوم، مما يعد احتجازاً غير مشروع.

كانت الساعة نحو الثانية بعد منتصف الليل، عندما دق السجين السياسي السابق "م. س"، جرس باب منزله في محافظة المنوفية، شمال القاهرة، ما وضع حداً لمعاناة أكثر من 48 ساعة تلت قرار الإفراج عنه، وأسدل الستار على سنوات أمضتها أسرته وهو رهن الاحتجاز على ذمة قضية سياسية تعود لعام 2014. حال "م.س" حال عدد من السجناء المصريين قبل الإفراج عنهم بعد قضاء محكوميتهم. السجين السياسي السابق، الذي آثر التعريف بنفسه بالأحرف الأولى فقط من اسمه، ولا يزال خاضعاً لمراقبة شرطية بمعدل شهري، روى تفاصيل نحو 48 ساعة أمضاها متنقلاً بين السجن ومديرية الأمن وقسم الشرطة ومقر للأمن الوطني، عقب الإفراج عنه. ولخّصت هذه الساعات آليات تطبيق الإجراءات القانونية للإفراج عن المتهمين السياسيين، لكن بإضفاء أنواع من الإذلال والتكدير والترهيب.

سجين مفرج عنه: في مبنى الأمن الوطني، كان الوضع أشبه بـ"حرب نفسية"

إجراءات ومراقبة

قال "م. س"، إنه في يوم إنهاء مدة محكوميته، قضى ساعات الصباح الأولى وحتى اقتراب الظهيرة في إنهاء إجراءات داخل سجن المنيا حيث كان محتجزاً، إذ تجول لساعات بين مكاتب إدارة السجن، بصحبة "شاويش" بيده "نموذج الإفراج"، وصولاً إلى مكتب مأمور السجن، لمقارنة القرار بنموذج صحة الإفراج. ثم انتقل السجين السياسي السابق، وفقاً لروايته، من مكتب مأمور السجن إلى مكتب ضابط آخر للاطلاع على تذكرته بوصفه أحد السجناء. هذه التذكرة عبارة عن ورقة كرتونية مستطيلة عليها بيانات كل سجين من السجناء المصريين ورقمه في مصلحة السجون وصورته وتاريخ الإفراج عنه والمقتنيات الثمينة التي كانت بحوزته حين دخوله السجن وأماناته، وتكون باللون الأصفر للمحكومين وباللون الأبيض لمن هم على ذمة التحقيق.

انتقل "م. س" إلى مكتب ضابط آخر من قوة السجن، لإكمال إجراءات التأكد من شخصية المفرج عنه، بمضاهاة صورته في التذكرة بشكله، وسؤاله عن بياناته الشخصية. وبعد التأكد من صورته وبياناته، سُلّم إلى ضابط الترحيلات. عقب ذلك، استقل "م. س" مع عدد آخر من المحكومين، عربة ترحيلات توجهت بهم إلى مكان علم لاحقاً أنه كان مديرية أمن المنيا، حيث قضى هناك ساعات أخرى دون استطاعته إحصاءها من شدة التوتر في وضع القرفصاء. ثم انتقل بعدها إلى مديرية أمن المنوفية، حيث كان مضطراً لانتظار موعد الترحيلة، لأن السجن الذي قضى فيه محكوميته، خارج المحافظة التابع لها.

ومن مديرية الأمن، انتقل مجدداً إلى قسم الشرطة التابع لمحل سكنه، حيث عُرض على رئيس المباحث لمراجعة بياناته والتأكد من عدم وجوده على ذمة قضايا أخرى تمهيداً لإخلاء سبيله إن لم يكن مطلوباً على ذمة قضايا إضافية. ثم كانت المحطة الأخيرة في رحلة الإفراج عن "م. س" في مبنى آخر مجهول، دخله معصوب العينين في سيارة ميكروباص، وتبين له لاحقاً أنه أحد مقرات الأمن الوطني. هناك قضى ساعات لم يعلم عددها، وما إذا كان الوقت ليلاً أم نهاراً، وما إذا كان مقدراً له الخروج من هذا المبنى مجدداً أم لا.

في مبنى الأمن الوطني، كان الوضع أشبه بـ"حرب نفسية"، على حد وصفه، فقال: "تركوني ليقتلني الانتظار والترقب، وتعصف بي الأفكار والسيناريوهات المختلفة"، حتى اخترق ساعات الصمت الطويلة، وهو جالس معصوب العينين، صوت حاد، يملي عليه تعليمات محددة. مفاد هذه التعليمات أن "لا تتجول في الشوارع ليلاً، لا تكن وسط أي أحداث سياسية، لا تقترب من أي مقرات أمنية، امش بجانب الجدار أو بداخله إن أمكن، وسأراك كل شهر في موعد ثابت إذا تخلفت عنه أو حتى تأخرت مرة واحدة، لن تخرج من السجن ثانية". خرج "م. س" من مبنى الأمن الوطني، بصحبة عسكري (شاويش)، أوصله حتى باب منزله، وأعطاه رقم هاتفه، وأكد عليه الالتزام بموعد المراقبة الشرطية، وأخبره أنه مراقب طوال الوقت، ثم انصرف.

معاناة السجناء المصريين

هذه الرواية تلخيص لتنفيذ إجراءات إخلاء السبيل أو الإفراج عن السجناء المصريين والمحكومين، لا سيما للمحظوظين الذين يخرجون من السجون إلى منازلهم، ولا يصيبهم "التدوير" على ذمة قضايا أخرى، وفقاً لضوابط ينظمها قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956 وتعديلاته، وقانون الإجراءات الجنائية المصري. وتتمثل هذه الضوابط في أنه "بعد انقضاء مدة العقوبة: يجري تحرير أمر الإفراج النهائي من إدارة السجن في صباح اليوم التالي لانتهاء العقوبة (أو مساء اليوم السابق)، ثم تسليمه إلى الترحيلات، لإعادته إلى قسم الشرطة التابع لمحل إقامته (لأغراض إدارية كإثبات الإفراج) وتسليمه إلى قسم الشرطة المعني لإخلاء سبيله رسمياً. وفي المرحلة الأخيرة، قد يتم عرضه على الأمن الوطني أو أحد الأجهزة الأمنية لمدة قصيرة (قانونياً لا تتجاوز ساعات) إذا وُجدت دلائل على وجود تدابير احترازية أو مبررات أمنية، بشرط ألا يتجاوز ذلك مدة معقولة".

يستخدم ضباط شرطة مصطلح "كعب داير" عند تحريك السجناء المصريين بين الأقسام والجهات الشرطية لإنهاء إجراءات الإفراج رسمياً

ويستخدم ضباط شرطة مصطلح "كعب داير" عند تحريك السجناء المصريين بين الأقسام والجهات الشرطية لإنهاء إجراءات الإفراج رسمياً، وقد يحتاج بعض المفرج عنهم المرور على أكثر من مديرية أمن بالمحافظات وأكثر من قسم شرطة في نفس المحافظة في رحلة قد تستغرق أياماً وأسابيع. وفي الحالات القاسية يكون الهدف التنكيل بالمتهم لأنه يمكث طوال رحلة الإفراج عنه في عربات الترحيلات، وما يسمى بالتخشيبة في الأقسام الشرطية.

يؤكد حقوقيون أن الإفراج عن المحكومين السياسيين خصوصاً حالياً، يمثّل مخالفة للقانون في عدة حالات، منها "تجاوز مدة الاحتجاز بعد صدور أمر الإفراج دون سند قانوني، ويعد ذلك بمثابة احتجاز غير مشروع، طبقاً لنص المادة 280 من قانون العقوبات، وعدم إبلاغ ذوي المحكوم أو محاميه بمكانه، حيث يعد ذلك مخالفاً للدستور طبقاً لنص المادة 54 منه والتي توجب إعلام ذوي المحتجز بمكانه وتمكينه من الاتصال بمحام". مخالفات إجراءات إخلاء السبيل أو الإفراج، تشمل "إنكار الجهات الرسمية وجود المحكوم، وهو ما يعد مؤشراً خطيراً قد يُشكل ما يسمى قانوناً بالاحتجاز القسري والإخفاء الإداري المؤقت، وهي ممارسة محظورة وفقاً للدستور المصري والمواثيق الدولية".