لا شيء يثير الاستفزاز والغضب، أو هكذا يفترض فلسطينياً على الأقل، مثل السكوت بل والقبول بذرائع الإدارة الأميركية بقيادة جو بايدن، في المماطلة بإعادة فتح القنصلية الأميركية في الشطر الشرقي من القدس المحتلة عام 1967، أو سكوتها الضمني على استئناف سياسات الاستيطان والبناء الاستيطاني في القدس المحتلة وفي باقي أجزاء الضفة الغربية وما يرافقها من مخططات تهجير جنوبي الخليل، مثل كذبة الحفاظ على الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الحالي.
نقول هذا لأن رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينت، الرمز الأكثر يمينية في السياسة الإسرائيلية بعد أتباع "كهانا"، لا يترك فرصة أو منصة لا هو ولا حليفته في حزبه أيليت شاكيد، إلا ويؤكدان فيها بصراحة، أو قل بوقاحة، معارضتهما العلنية وعلى رؤوس الأشهاد ليس فقط لإقامة دولة فلسطينية أو تحريك مبادرة سياسية، بل حتى مجرد عقد لقاء مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. بل إن الشريك الأكبر في الحكومة، يئير لبيد، أقرّ هو الآخر في أكثر من مناسبة بأن الوقت الراهن ليس مناسباً لحل الدولتين، وأن حزبه هو أيضاً يعارض إعادة فتح قنصلية أميركية في القدس المحتلة، أو الخوض والانهماك بإطلاق تحرك سياسي خارج دائرة "تحسين مستوى المعيشة" والتنسيق الأمني.
وعلى الرغم من هذا الوضوح في المواقف لأهم عنصرين في حكومة الاحتلال، فإن الإدارة الأميركية تواصل، بحسب تصريحات لمسؤولين كبار في الخارجية الأميركية، تسويف الوفاء بتعهداتها للسلطة الفلسطينية بشأن القنصلية، والسكوت وغض الطرف عن سياسة الاستيطان، كي لا تهز استقرار ائتلاف الحكومة الإسرائيلية الحالية، لضمان تطبيق التناوب بين لبيد وبينت في عام 2023.
ولكن لا يمكن تقريع أو رفض هذا التحايل الأميركي من دون الإشارة إلى أن مثل هذا ما كان ليتم لولا رسائل عربية وفلسطينية تعزز الوهم بأن المواقف الإسرائيلية ستتغير وتتبدل بمجرد أن يستلم لبيد مقاليد الحكومة. والحقيقة أن السلطة الفلسطينية التي كانت استصرخت قبل شهرين عبر الموفد الأميركي هادي عمرو أنها على وشك الانهيار وأن شعبيتها في خطر وأوضاعها الاقتصادية لا تساعدها على الصمود في وجه انفجار عضب شعبي ولا على مواصلة القيام بمهام التنسيق، ليست قادرة اليوم على الاحتجاج على سياسات بايدن، ولم يبقَ لها إلا التعلّق بوهم انتظار لبيد وبفتات تصاريح العمل والمساعدات الاقتصادية بدلاً من البحث عن خيارات أخرى.