كاتس يُهدد الحوثيين بـ"ضربة الأبكار"... ما الذي تغزله إسرائيل لليمن؟
استمع إلى الملخص
- تتزامن تهديدات كاتس مع جهود استخباراتية مكثفة لبناء قاعدة أهداف لضرب الحوثيين، في ظل تصاعد التهديدات من الصواريخ والطائرات المسيّرة التي تطلقها الجماعة باتجاه إسرائيل.
- تسعى إسرائيل لتنفيذ ضربات مركبة تشمل المنظومة الاستخباراتية والموانئ والقدرات العسكرية الحوثية، مستندة إلى تجارب سابقة في مواجهة إيران ولبنان، مع الحاجة لاستراتيجيات جديدة.
في خضم العدوان الإسرائيلي على اليمن، أمس، وبينما راح رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه يسرائيل كاتس، يتابعان على شاشات ضخمة معلّقة على جدران "البئر" في مقر وزارة الحرب (الكرياه) في تل أبيب، ما تلقيه طائرات جيشهما من صواريخ على صنعاء مُحدثةً انفجارات هائلة في أرجاء العاصمة اليمينة، تبجّح كاتس بإظلام الأخيرة، وترك فقراءها في حلكة دامسة، مستوحياً ممّا جاء في "سفر الخروج"، وهو ينصب نفسه في مكان رب موسى حين عوقب فرعون وقومه بالظلام، بينما تُركت بيوت بني إسرائيل مُنارة، إذ قال كاتس: "اليوم (أمس الأحد) جلبنا على الحوثيين ضربة الظلام الدامس"، وأضاف مستمتعاً مثلَ جلادٍ سادي بأنين ضحاياه، بينما أسقطت طائراته حممها على محطة كهرباء حِزيَر، قبل أن يُتاح لأحدٍ في العالم أن يعرف كيف قضى المواطنون اليمنيون ليلتهم، أو ماذا كانت أسئلة الأطفال لأمهاتهم عن الأسباب وراء اختفاء النور، وأي كوابيس قد لاحقتهم في حلكة الليل، ولعله لن يهتم أحد أيضاً ما إذا درس الطلبة اليمنيون كتبهم على الشموع... ففي غزة، أفقدت إسرائيل الفلسطينيين أضواء النيون منذ عامين، والأطفال هناك لم يعودوا يعرفوا نوراً سوى ذلك المنبعث من شمس معلقة كرأس مقطوع في سماء النهار، وبرق واحد مكرور بلا نهاية من الوهج الهائل الذي تُحدثه الانفجارات.
لم يكتفِ كاتس بتبجحه؛ إذ أوضح أن جيشه "دمّر القصر الرئاسي للحوثيين، وهاجم مخازن المحروقات، ومحطات القوّة"، مؤكداً: "نواصل فرض حصار جوي وبحري ونضرب أهدافاً وبنى تحتية تخدم الإرهاب"، على حد تعبيره، لكن الأهم مما سبق هو ما توّعد فيه: "ستكون هناك ضربة الأبكار".
ولئن كان كاتس لا يمثل المسؤول الإسرائيلي الأوّل الذي يستحضر الموروث التوراتي لتبرير جرائم إسرائيل بحق شعوب المنطقة، أو لتهديدهم بـ"عقوبات إلهية"، تسرد المرويات الدينية أن العُصاة في العهد القديم قد استحقوها لجورهم، فإنه ذهب هذه المرّة أبعد من ذلك، واضعاً اليمنيين في مكانة الفرعون، ونفسه في مكانة رب موسى.
ما هي "ضربة الأبكار"؟
هجوم نوعي على أهدف مختلفة بالتزامن؟
باستحضار ما سبق، هل يتوعد كاتس الحوثيين بهجوم متزامن على معاقلهم، يقتل فيه قادتهم العسكريين في الصفوف الأولى كما فعل الاحتلال بقادة حزب الله في عدوانه المتواصل على لبنان؟
تهديد كاتس تقاطع مع ما أفاد به موقع "والّاه" أمس، بأن الاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال ("أمان") وجهاز "الموساد" يبذلان جهوداً مكثفة لبناء قاعدة أهداف واسعة النطاق لضرب مراكز ثقل الحوثيين في اليمن، وذلك في ظل تصاعد التهديدات التي تمثلها الصواريخ والطائرات المسيّرة التي تطلقها الجماعة باتجاه إسرائيل جزءاً من "إسنادها لغزة".
طبقاً لمصادر سياسية إسرائيلية فإنه "ليس بإمكان تل أبيب الامتناع عن الرّد على الهجمات اليمنيّة" وهو ما يُلزم جيش الاحتلال، كما ينقل الموقع عنها بـ"التحضير لعملية عسكرية نوعية، لكن مختلفة في النهج الأميركي الذي فشل في القضاء على قدرات الحوثيين".
وفي هذا الصدد، قام النهج الأميركي في الحملة العسكرية التي سُميت "الفارس الخشن"، واستمرت من مارس/آذار حتى مايو/ أيار الماضيَين، على تنفيذ آلاف الغارات الجوية استهدفت مواقع القيادة والسيطرة وأنظمة الدفاع الجوي ومسارات الإمداد التي يعتمد عليها الحوثيون. وفي حين استشهد مئات اليمنيين في العدوان الأميركي، وجرح العديد أيضاً، ودُمرت منشآت ومخازن أسلحة، لم يوقف ذلك إطلاق الصواريخ من اليمن على إسرائيل.
بموازة ذلك، تكبدت واشنطن خسائر هي الأخرى، أبرزها إسقاط سبع طائرات مسيّرة تبلغ قيمة الواحدة منها نحو 30 مليون دولار، إضافة إلى إسقاط مقاتلة "إف-18"، بسبب حادث أمني. وفي المحصلة، فضّلت الإدارة الأميركية مسار المفاوضات عبر وساطة إقليمية، قُضيت باتفاق شفوي أوقف إطلاق النار، ولكنه لم يُشرك إسرائيل.
وعلى هذه الخلفية، تلفِت مصادر إسرائيلية مطلعة، بحسب الموقع، أن ضعف إنجازات العملية الأميركية شجع إسرائيل على التفكير في أساليب جديدة ومختلفة لمواجهة الحوثيين، خاصة مع التقديرات بأنهم سيحاولون توسيع نطاق هجماتهم بمجرد انطلاق المناورة العسكرية لاحتلال مدينة غزة.
المصادر ذاتها أكّدت أن الخطة الإسرائيلية تقوم على جمع أهداف متعددة تشمل المنظومة الاستخباراتية، الموانئ، القدرات العسكرية والصناعة الدفاعية الحوثية، بحيث يفضي استهدافها بالتزامن إلى إحداث أضرار جسيمة. ما سبق، أسلوبٌ اتبعته إسرائيل أيضاً في حربها على إيران في يونيو/حزيران الماضي، على غرار لبنان.
وعلى الرغم مما تقدم، تشير التقديرات العسكرية الإسرائيلية إلى أن مراكز ثقل الحوثيين مخفية في منشآت تحت الأرض والمغُر والجبال، ما يجعل استهدافها تحدياً معقداً، خاصة أن الاستخبارات الإسرائيلية لا تملك صورة كاملة عن مواقعها. ومع ذلك، أكّدت المصادر السياسية للموقع أن "الحوثيين يخضعون للضغوط"، مشيرةً إلى أن "الضربات ينبغي أن تكون مركبة وشاملة".