استمع إلى الملخص
- تداعيات سياسية وأمنية: العملية جاءت قبل مفاوضات إسطنبول، مما زاد من الضغط على روسيا التي تشارك على مضض، وسط تململ من دونالد ترامب، وتعتبرها هزيمة سياسية وأمنية لأوكرانيا.
- ردود الفعل الدولية: رغم الصمت الغربي، تنظر الدول الأوروبية بارتياح لنتائج العملية، لكنها تخشى التصعيد الروسي المحتمل الذي قد يتجاوز الحسابات التقليدية.
تجرّعت روسيا يوم الأحد الماضي كأس السمّ الأوكراني، إذ لم يكن ما جرى مجرد عملية عسكرية ناجحة نفّذتها القوات الأوكرانية داخل الأراضي الروسية، بل رسالة أمنية مدوّية حملت بُعداً سياسياً واضحاً في توقيتها. العملية التي سمحت كييف بالكشف عن جزءٍ محدود من تفاصيلها، وأطلقت عليها اسم "شبكة العنكبوت" تعكس تحضيراً استخبارياً طويلاً امتد لأكثر من عام ونصف العام، استُخدمت فيه تقنيات متقدّمة، ونُفّذت ميدانياً بدقة عالية.
العملية شكّلت نقلة نوعية في توظيف الذكاء الاصطناعي في التخطيط العسكري، وأظهرت قدرةً لافتةً على الالتفاف على التحصينات الأمنية الروسية، ما أتاح الوصول إلى أهداف حساسة داخل سيبيريا واستهداف القاذفات الاستراتيجية. وإن لم تتضح بعد الحصيلة النهائية للخسائر، فإن الضرر السياسي والأمني تحقّق بلا شك. هذه العملية استثنائية، ليس بسبب حجمها فقط، بل لأنّها جاءت من طرف يُفترض أن الحرب أنهكته. وهي تُحرج المنظومة الأمنية والعسكرية الروسية بشكل غير مسبوق، وتفتح الباب أمام أسئلة بشأن هشاشة العمق الروسي، وقدرة كييف على اختيار توقيت يُربك موسكو، إذ نُفّذت الضربة قبل يوم واحد فقط من انطلاق مفاوضات إسطنبول.
تشارك روسيا في هذه المحادثات على مضض، وتعاملها كفرصة لكسب الوقت، في ظل تململ واضح من دونالد ترامب، الذي كان يعتقد أن فلاديمير بوتين سيلاقيه في منتصف الطريق، لتحقيق تسوية تُنهي الحرب لا ترى فيها موسكو سوى هزيمة سياسية وأمنية لأوكرانيا. أما الأخيرة فترفض هذا الواقع ولا تكتفي بترداد ذلك يومياً بل تثبته في أرض المعركة. حتى ظهر أمس، لم تنفذ روسيا ردّاً نوعياً على العملية، لكن هذا الخيار لا يزال مرجّحاً، إذ إن عدم الرد سيُقرأ مؤشر ضعف وقبول بالصفعة الأوكرانية. الخيارات أمام الكرملين تتراوح بين تصعيد جوي في العمق الأوكراني، أو تنفيذ ضربات إضافية على البنية التحتية المدنية، أو محاولة خلق مشهد ردعي جديد يُعيد توازن الرعب، لكن معالمه لا تبدو واضحة.
باستثناء الاتصال الهاتفي بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأميركي ماركو روبيو مساء الأحد، بعد العملية بساعات، والذي ركّز على محادثات إسطنبول، اعتصمت العواصم الغربية بالصمت الذي يبدو أقرب إلى الترقب. تنظر الدول الأوروبية الداعمة لأوكرانيا بارتياح ضمني إلى نتائج "شبكة العنكبوت"، لا سيما أنها أربكت روسيا، لكنّها تخشى في الوقت نفسه الردّ الروسي المرتقب، الذي قد يحمل معه تصعيداً خارج الحسابات التقليدية.