قيادات "الديمقراطي" تتنكر للثوابت: رفض تزكية زهران ممداني لانتخابات نيويورك

20 يوليو 2025   |  آخر تحديث: 04:18 (توقيت القدس)
ممداني خلال تجمع انتخابي في نيويورك، 24 يونيو 2025 (مايكل أم سانتياغو/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- زهران ممداني، الفائز بالانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، يواجه تحديات كبيرة ليصبح أول عمدة مسلم لمدينة نيويورك، مع معارضة من داخل حزبه، حيث رفض زعيم الديمقراطيين دعمه.
- ممداني يواجه حملة تشويه تتهمه بالشيوعية والإرهاب ومعاداة السامية بسبب دعمه للفلسطينيين وانتقاده لإسرائيل، مما أثار غضب اللوبي الصهيوني وبعض الشخصيات في الحزب.
- الانقسامات داخل الحزب الديمقراطي تعكس التوترات في نيويورك، حيث لم يعلن زعماء الحزب دعمهم لممداني، مما يثير تساؤلات حول قدرته على الفوز في الانتخابات المقبلة.

أحدث زهران ممداني، الفائز بالانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي الأميركي في 24 يونيو/حزيران الماضي، المرشح ليكون أول عمدة مُسلم في تاريخ مدينة نيويورك، أكبر مدن الولايات المتحدة، انقلاباً داخل الحزب، حيث رفض زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب بالكونغرس، حكيم جيفريز، للمرة الثانية إعلان تأييده لترشح زهران ممداني في الانتخابات المقرّر إجراؤها في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، كما قرّر الديمقراطي أندرو كومو، الذي خسر الانتخابات التمهيدية، الترشح ضد ممداني، في واقعة لا تحدث إلا نادراً.

وكان كومو، وهو حاكم سابق للمدينة، قد نافس ممداني (33 عاماً)، وهو عضو حالي في مجلس ولاية نيويورك، في تمهيديات الحزب للمنصب، وفاز ممداني، الذي إذا ما وصل ليكون عمدة نيويورك، سيكون أيضاً أول عمدة للمدينة من جنوب آسيا ومن أصول هندية. وأقرّ كومو بالخسارة بفارق أكثر من 12 نقطة، ولكنه يعتزم الترشح للمنصب مستقلاً في الانتخابات المقرّرة في نوفمبر، كما أعلن الاثنين الماضي. ودعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب ترشّح كومو (كان حاكم نيويورك من 2011 إلى 2021)، الذي كان شنّ ترامب هجوماً عليه في ولايته الأولى، خصوصاً خلال فترة انتشار وباء كورونا. علماً أن كومو نفسه كان واجه ادعاءات بالتحرش الجنسي في 2021، ما أجبره على الاستقالة من حاكمية نيويورك. ويصف ترامب زهران ممداني بـ"الشيوعي"، وقال للصحافيين الثلاثاء الماضي، إن كومو "يجب أن يبقى (في السباق)، أظن أن لديه فرصة".

خاض ممداني معركة ضد أصحاب النفوذ والسلطة واللوبي الصهيوني والمليارديرات وزعماء الحزب

تريث في الدعم على خلاف العادة

وفي الحزب الديمقراطي، يدعم قادة الحزب وزعماؤه مرشحيهم في العادة، ممن يفوزون في الانتخابات التمهيدية مهما كانت الخلافات بارزة في الآراء ووجهات النظر، غير أن زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب، حكيم جيفريز، رفض في تصريحات له الثلاثاء الماضي، عبر شبكة إن إس بي سي، تزكية فوز ممداني، بزعم أنه "لا يعرف الرجل". وفي الواقع، قد لا يعرف زعماء الأغلبية في الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، جميع مرشحيهم في انتخابات مجلس النواب أو أي انتخابات أخرى، ولكن جرت العادة أنهم يقومون بتأييد من يفوز في التمهيديات التزاماً بمبادئ الحزب أولاً، ولقطع الطريق على فوز مرشح الحزب المنافس. بدوره، لم يعلن زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، وحاكمة مدينة نيويورك كاثي هوشول، حتى الآن، دعمهما لممداني، في لحظة قد تُظهر عدم وحدة الحزب، وذلك لسبب "خارجي"، وهو موقف ممداني من إسرائيل.

نجوم وفن
التحديثات الحية

يَجمع ممداني في شخص واحد جميع أطياف الحزب الديمقراطي، فلا تمثل اشتراكيته الأزمة بالنسبة للحزب الديمقراطي، فهناك شخصيات اشتراكية أخرى مثل النائبة في مجلس النواب بالكونغرس، ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، التي تحتل مكانة مهمة داخل أروقة الحزب. وتدخل أوكاسيو كورتيز، التي تعدّ من الجناح التقدمي داخل "الديمقراطيين"، ضمن قائمة الأسماء المرغوب في ترشيحها لانتخابات الرئاسة الأميركية في 2028. كما لا تمثل ديانة ممداني، أكبر الأزمات في حزب يضم في عضويته بمجلس النواب، الفلسطينية الأميركية رشيدة طليب والصومالية الأميركية المرتدية للحجاب، إلهان عمر، ولا تمثل آراؤه وانفتاحه أزمةً للحزب المتنوع. أما آراؤه المعارضة لإسرائيل، فلا تختصر بمفردها الأزمة بالنسبة للحزب الأزرق، لكن اجتماع كل ما سبق، مع تحريض إعلامي ضدّه (حتى في الهند، حيث تعرض لهجوم من جهات هندوسية مؤيدة لرئيس الحكومة ناريندرا مودي)، وهجوم المنظمات الداعمة للصهيونية له واتهامه بالإرهاب، لرفضه إدانة حرية الرأي والتعبير، يدفع أصواتاً ديمقراطية وازنة، لرفض تزكية ترشيح شخص من أصول أفريقية ـ هندية (ولد في أوغندا من عائلة هندية)، وأميركي مسلم ديمقراطي اشتراكي ومعارض لإسرائيل.

خاض زهران ممداني معركة ضد أصحاب النفوذ والسلطة واللوبي الصهيوني والمليارديرات وزعماء الحزب، وفاز فيها الشهر الماضي، ليصبح في طريقه لكتابة التاريخ في نيويورك، التي تعدّ أهم مدن الولايات المتحدة في الانتخابات الأميركية. تلقى ممداني الاتهامات من كل صوب وحدب، فكتب الملياردير دان لوب، صاحب صندوق تحوط على منصة إكس: "صيف شيوعي ساخن"، بينما كتب وزير الخزانة في إدارة بيل كلينتون والخبير الاقتصادي في جامعة هارفارد لاري سامرز، إن ممداني يدعو إلى "سياسات اقتصادية تروتسكية"، في حين كانت الاتهامات بالشيوعية و"الإرهاب" و"الجهاد" توجه إليه من جمهوريين ومنافسين ديمقراطيين على حدّ سواء، وظهر ذلك واضحاً في حملة التبرعات الانتخابية، حيث قاربت التبرعات لمنافسه أندرو كومو 35 مليون دولار مقابل 9 ملايين دولار لممداني.

نجحت الأموال سابقاً في إزاحة أصوات ناشطة ضد العدوان الإسرائيلي على غزة من الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في مجلس النواب العام الماضي، وفوز منافسيهم، حيث خسر النائب في الكونغرس جمال بومان مقعده في مجلس النواب بدورته الحالية أمام مرشح ديمقراطي آخر هو جورج لاتيمير، عن إحدى دوائر نيويورك، بعدما ضخّت منظمات صهيونية، على رأسها منظمة "أيباك" (لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية)، نحو 20 مليوناً لإطاحة بومان، بينما خسرت كوري بوش أمام مرشح ديمقراطي (ويسلي بيل)، بعدما ضخّت "أيباك" نحو 8 ملايين دولار لتشويه صورتها بسبب تأييدها لإسرائيل. 

يرفض زعيما الأقلية في مجلسي النواب والشيوخ تزكيته حتى الآن

زهران ممداني يواجه حملة تشويه

لكن حتى مع فوز زهران ممداني بالانتخابات التمهيدية للحزب رغم حملة ضخّ الأموال التي أنفقت ضده، فإن زعيم الديمقراطيين في "النواب" يرفض تزكيته. ويعود السبب الرئيسي خلف ذلك، في الدعم المالي الذي يحصل عليه جيفريز من اللوبي الداعم لإسرائيل، والذي بلغ بمجموعه 1.7 مليون دولار، طبقاً لموقع "أيباك تراكر" المتخصص في تتبع الأموال التي يحصل عليها السياسيون الأميركيون من اللوبي الداعم لإسرائيل (يعدّ جيفريز من أكثر أعضاء الكونغرس الحاليين عن الحزب الديمقراطي الذين تلقوا دعماً من "أيباك"، وقد واجه انتقادات وهجمات من الناشطين المؤيدين لفلسطين خلال العدوان على غزة). على الجانب الآخر، أيّد البروفسير في جامعة أوهايو، حسان جيفريز، وهو شقيق حكيم جيفريز، ترشيح ممداني.

قاد خصوم زهران ممداني حملة تشويه له لا هوادة فيها، محاولين الاستفتاء على أن انتقاده لإسرائيل يعني "معاداة السامية". نشط ممداني في الدفاع علناً عن الفلسطينيين، واصفاً ما يجري في غزة من قبل إسرائيل بـ"الإبادة الجماعية"، بينما ركّز أندرو كومو في تصوير أي انتقاد لإسرائيل على أنه "معاداة للسامية". تعهد ممداني، حال فوزه، باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إذا وطئت قدماه نيويورك، لاتهامه بارتكاب جرائم حرب، في مقابل منافسه كومو، وهو محامٍ، الذي انضم إلى الفريق القانوني للدفاع عن نتنياهو، المطلوب بموجب مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية.

تلقى ممداني انتقادات على خلفية إجابته خلال مناظرته مع منافسيه قبل الانتخابات، عندما سُئل عما إذا كان سيزور إسرائيل حال الفوز، فكانت إجابته بأنه سيركز على مشاكل مدينته ولن يسافر، في حين كانت إجابات منافسيه بأن إسرائيل ستكون "الدولة" الأولى التي سيقومون بزيارتها في حال فوزهم. وواجه انتقادات حادة في الإعلام لموقفه، في حين أشاد به بعض الناشطين اليمينيين مثل الإعلامي تاكر كارلسون، مبدياً إعجابه بأن ممداني يريد التركيز على مشاكل نيويورك، وليس السفر إلى دولة أجنبية.

كما شُنّت حملة ضخمة ضد ممداني مع اتهامه بالإرهاب بسبب رفضه إدانة شعار "عولمة الانتفاضة" والذي تتم شيطنته في وسائل الإعلام وفي أروقة السياسة الأميركية. لم يعبّر ممداني عن رضاه عن الشعار، معتبراً أن ترديده يقع ضمن حق التعبير المكفول بالتعديل الأول للدستور الأميركي، غير أن ذلك لم يكن كافياً. ولا تزال حتى اليوم أصداء رفضه هذا، تتردد في ما يتعلق بحملته، بما يترتب عليها من هجمات تسعى لتشويه آرائه واتهامه بمعاداة السامية والإرهاب. تعهد ممداني منذ اليوم الأول لترشحه، بحماية حقوق الجالية اليهودية داخل المدينة التي تضم أكبر جالية يهودية خارج إسرائيل، وشاركت مجموعات يهودية مثل الصوت اليهودي من أجل السلام في حملته. وذكر موقع بوليتيكو قبل أيام أن ممداني يعتزم توضيح موقفه من شعار "عولمة الانتفاضة"، قريباً، بشكل يخفّف من الهجمات عليه، مضيفاً أن ذلك قد يساهم في إعلان كل من جيفريز وشومر تأييده.

تشكل طبيعة مدينة نيويورك التي تصوّت زرقاء دائماً، سبباً آخر لدفع مسؤولين وقيادات بالحزب لتجاهل الالتزامات بالمبادئ الداخلية وتأييد أحد مرشحيهم الذي فاز بالانتخابات التمهيدية، إذ أنه لا توجد فرص كبيرة للجمهوريين في الفوز بها، غير أن ترشح ديمقراطي آخر قد يؤثر بشكل ما على حظوظ زهران ممداني. وبينما يرشح الجمهوريون كريتس سليوا، للمنصب، يرغب العمدة الحالي إيرك آدامز في الترشح مستقلاً، إلى جانب المحامي جيم والدن (مستقل).

حتى الآن، وبدلاً من أن يستغل الحزب الديمقراطي زخم فوز ممداني لإبراز الوحدة داخله، والاستفادة في بناء استراتيجية تمكنهم من مواجهة الجمهوريين الذين يسيطرون على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في البلاد، اختاروا الانحياز ضد المرشح لمنصب عمدة نيويورك، فقط بسبب إسرائيل على حساب المصلحة العامة للحزب. لن يواجه ممداني في الانتخابات المقبلة منافسين فقط، وإنما حزبين وأصحاب نفوذ ومليارديرات ورجال أعمال وأعضاء كونغرس، ورئيساً أميركياً يرغب في خسارته. 

المساهمون