قمة حلف شمال الأطلسي آخر اختبارات ميركل قبل نهاية عهدها

هل تتمكن ميركل من تحقيق مفهوم استراتيجي جديد لـ"الناتو" قبل نهاية عهدها؟

14 يونيو 2021
ميركل تغادر منصبها في سبتمبر المقبل (Getty)
+ الخط -

يكتسب الاجتماع الحادي عشر والأخير للمستشارة انجيلا ميركل، خلال ولايتها مستشارةً لألمانيا، في قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) المقررة اليوم الاثنين في بروكسل، أهمية خاصة، أولاً لأن اجتماع الأطلسي سيكون الأخير في ولايتها التي شارفت على الانتهاء، وثانياً لبلادها وتحديداً بالشق الذي يتعلق برسم المفهوم الاستراتيجي للحلف، بالإضافة إلى السياسة الأمنية والدفاعية لأوروبا ككل، اللذين اتخذا أبعاداً خاصة بعد ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية من قبل روسيا عام 2014، وتنفيذها للهجمات السيبرانية، فضلاً عن التحدي الأكبر الذي تشكله الصين عسكرياً واقتصادياً.
وتحيي قمة الأطلسي الاثنين التقارب بين واشنطن وحلفائها بعد توتر شاب العلاقات خلال ولاية دونالد ترامب. ويتوقع أن تستمر جلسة العمل ثلاث ساعات، من الساعة 13:00 إلى الساعة 16:00 بتوقيت غرينتش، على أن يتم تبني إعلان تفاوضت في شأنه العواصم.
ويريد الحلفاء توجيه رسالة حازمة إلى روسيا قبل قمة تجمع بايدن وفلاديمير بوتين الأربعاء في جنيف. وسيُطلقون أيضاً مراجعة للمفهوم الاستراتيجي للحلف بهدف إعداده لمواجهة التهديدات الجديدة في الفضاء والفضاء السيبراني وتوسّع نفوذ الصين. 
ويعول الأوروبيون حالياً على الموثوقية المستجدة بين شركاء الحلف مع عودة الود للعلاقة عبر ضفتي الأطلسي، بعد وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض خلفاً لترامب، الذي تردت العلاقة في عهده بين الشريكين. ولعل غمز بايدن من هذه القناة، حين قال، قبل مغاردته أمس الأحد من لندن إلى بروكسل، إن دعم الناتو "واجب مقدس"، خير دليل على عودة العلاقات بين الطرفين.

وبينت شبكة "إيه آر دي" الإخبارية الألمانية أن المستشارة، مع المشاركين الآخرين، ستناقش تطوير المفهوم الاستراتيجي الجديد للحلف، والذي يجب أن يكون جاهزاً عام 2022 لمواجهة عصر المنافسة العالمية والرد على كل التهديدات والتحديات في الوقت نفسه، الأمر الذي قد يشكل تحدياً خاصة لألمانيا التي دأب مسؤولوها على رسم إطار هذا المفهوم، مع بروز ألغام العلاقة مع الصين التي تربطها معها علاقة قوية.
وكان وزير الداخلية الألماني السابق توماس دي ميزيير عمل على التوصيات بالمفهوم الحالي عام 2010، إذ كان ينظر إلى روسيا حينها كشريك محتمل، فيما لم يتم ذكر الصين على الإطلاق.
وفي الإطار، وصّف دي ميزيير، وفق الشبكة عينها، في فعالية نظمتها الجمعية الألمانية للأطلسي، أخيراً، المقترحات الرئيسية للمفهوم الاستراتيجي الجديد على النحو التالي: "يقوم على موقف لا لبس فيه تجاه روسيا يعتمد شعار الردع والحوار، ومواصلة القيام بما يلزم لحماية الأعضاء في الشرق والتعاون مع الشركاء، بالإضافة إلى الاستجابة بشكل أفضل لتحديات هجمات القرصنة والارهاب والتقنيات الحديثة".
وتابع حديثه موضحاً "بالإضافة إلى ذلك، هناك الأسئلة المتعلقة بالعواقب المتعلقة بظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ".

واستطرد قائلاً "إن الجفاف والحرارة وارتفاع منسوب مياه البحر تتسبب بشكل متزايد في الصراعات، حتى إن ذوبان الجليد في القطب الشمالي يشكل تهديداً للأمن الدولي، لأن روسيا والصين، ومن بين دول أخرى، سجلت بالفعل مطالبتها بالحصول على مواد خام جديدة وطرق بحرية هناك".
ويبرز الوزير المنتمي لحزب ميركل أن الناتو يجب أن يصبح منتدى حقيقي للسياسة الأمنية، وألا يبقى عالقاً في الطقوس المعتمدة، متحدثاً عن ضرورة إجراء المزيد من الاجتماعات غير الرسمية وعدم المبالغة في سرية المداولات.
وبما خص العلاقة مع الصين، أبرزت "زود دويتشه تسايتونغ" أن رؤساء الدول والحكومات سيجرون محادثات مكثفة حول كيفية التعامل مع الصين في المستقبل، وهي التي تمتلك أكبر قوة بحرية في العالم وتقوم بتسليح نفسها بقوة، في حين تضغط الولايات المتحدة من أجل التصويب على تصرفات بكين بوضوح وبموقف مشترك صارم ضدها، وهذا ما يعترض عليه العديد من الدول الأوروبية لأهمية العمل التجاري معها والفوز بشريك في حماية المناخ، رغم الخوف من توسع استثمارات الصين في البنية التحية في البيئة الأوروبية. 
وكان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ قد دعا، أمس الأحد، زعماء دول الحلف، عشية قمتهم في بروكسل، إلى وضع سياسة مشتركة أقوى لمواجهة الهيمنة المتزايدة للصين، كما أكد أن دول الحلف لن ترد بالمثل تجاه سلوكيات روسيا. 
وقال ستولتنبرغ، في مقابلة مع قناة "سي بي سي" الكندية، إن الصين تملك ثاني أكبر ميزانية دفاعية في العالم وأكبر بحرية، وتستثمر بشكل هائل في المعدات العسكرية الحديثة، وهذا "يؤثر على أمننا".

وخلص ستولتنبرغ إلى أن كل هذا "يجعل من المهم لدول حلف شمال الأطلسي تطوير سياسته وأيضاً تعزيز سياستنا، عندما يتعلق الأمر بالصين".
من هنا، من المتوقع أن يحتل ملف الإنفاق الدفاعي داخل حلف الأطلسي الاهتمام الأبرز. ومن المقرر أن يذكر بايدن بأهمية زيادة الموازنات الدفاعية والالتزام بما وعدوا به في عام 2014، بإنفاق 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي حتى العام 2024 على السياسات الدفاعية.
تجدر الإشارة إلى أن الاحصاءات تظهر أن 10 دول داخل الحلف ستحقق نسبة 2 بالمائة حتى نهاية العام 2021، فيما ستبقى ألمانيا في المرتبة 19 بنسبة 1,53 بالمائة. 
وعن المعوقات بين أعضاء الأطلسي، اعتبرت خبيرة السياسة الأمنية في مؤسسة العلوم والسياسة كلوديا مايور أن "مقترحات الإصلاح صحيحة"، لكنها تساءلت "في الوقت نفسه، ما إذا كان لا يزال لدى الحلف الوقت الكافي لإمكانية التدخل العميق بين أعضائه".
وإذ أوضحت أن "التغيير الثقافي والاستراتيجي لا يمكن تحقيقه إلا على مدار جيل كامل"، أشارت في الوقت عينه إلى أنه "في نهاية المطاف يبقى الحلف قوياً بقدر قوة الدول الأعضاء".
 وتتحدث الخبيرة الأمنية عن حقيقة أن الحلفاء داخل الناتو لم يتصرفوا وفقاً لذلك، ومن بينهم مثلاً تركيا والمجر، معتبرة أن على الناتو أن يفكر في الحوافز التي يمكن منحها لهم.
وبينت أن ألمانيا أيضاً ليست دائماً شريكاً سهلاً في مشاريع التسلح الفرنسية الألمانية. 
وتكتسب هذه القمة أهمية بالغة بالنسبة إلى ميركل، إذ إنها ستكون الأخيرة لها قبل نهاية عهدها في سبتمبر/أيلول، بعد مكوثها في منصب مستشارة ألمانيا طيلة 16 عاماً.

المساهمون