قمة بغداد الثلاثية: مخرجات بلا تطبيق

قمة بغداد الثلاثية: مخرجات بلا تطبيق

18 اغسطس 2021
تم الاتفاق خلال القمة على مجموعة ملفات (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

رغم مرور أكثر من 50 يوماً على القمة الثلاثية التي جمعت قادة العراق ومصر والأردن في بغداد، في 27 يونيو/حزيران الماضي، والإعلان عن التوصل إلى مجموعة من التفاهمات والاتفاقيات الاقتصادية والتجارية، متعلقة بالطاقة والنقل والاستثمار، ومجالات أخرى من بينها أمنية، إلا أن أي مخرجات ملموسة على الأرض لم تظهر لغاية الآن، حتى على مستوى تلك المتعلقة بالإجراءات التنظيمية لطرح بغداد عروضاً استثمارية أمام الشركات المصرية، وفقاً لمسؤولين عراقيين. 
وأقرّ أحد المسؤولين بوجود بطء من الجانب العراقي، بعضه مرتبط بتحفظات لقوى سياسية حليفة لطهران على القمة بالمجمل، معتبرة أنها محاولة لمناكفة إيران من بوابات تجارية واقتصادية في العراق. وتضمن البيان الختامي المشترك لقمة بغداد الثلاثية، التي جمعت العاهل الأردني عبد الله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، إلى جانب وزراء ومسؤولين من البلدان الثلاثة، الاتفاق على جملة من الملفات، من أبرزها تسريع إجراءات مشروع أنبوب النفط العراقي الأردني (البصرة ـ العقبة)، وملف الربط الكهربائي بين العراق والأردن، والإعفاء الضريبي للبضائع بين البلدان الثلاثة.

عمر الحكومة الحالية لا يكفي للبدء بتنفيذ أي خطوات واقعية على الأرض

كما تضمن إحياء قناة النقل القديمة بين العراق ومصر عبر ميناء نويبع المصري، مروراً بميناء العقبة الأردني ثم العراق، وتقديم مشاريع وفرص استثمارية للشركات المصرية، إضافة إلى الجانب المتعلق بالأمن وتبادل المعلومات فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب وتعزيز القدرات المتعلقة بهذا المجال للعراق. لكن الطاقة، وتحديداً الكهرباء، هي التي أخذت الحيز الأكبر في المناقشات، وفقاً لمسؤولين عراقيين. وكان من المؤمل أن تُباشر الفرق العراقية والأردنية عملها لبدء عملية الربط، التي من المفترض أن يعقبها عملية ربط ثانية مع دول الخليج، وإنهاء حقبة الاعتماد على الطاقة من إيران.
كما تم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة دائمة، تعقد اجتماعات دورية في العواصم الثلاث، لمتابعة ما تم التوصل إليه من مقررات، بغية ترجمتها على أرض الواقع. وتتألف اللجنة من مسؤولين في وزارات النفط والخارجية والداخلية والتجارة والكهرباء، وممثلين عن جهات حكومية مختلفة من الدول الثلاث. إلا أن "ما تبقى من عمر الحكومة العراقية الحالية، برئاسة مصطفى الكاظمي، إضافة إلى ضغوط سياسية وأمنية، أسباب تحول دون تطبيق أي من الاتفاقات التي أبرمت بين الدول العربية الثلاث"، بحسب مسؤول عراقي تحدث مع "العربي الجديد"، شرط عدم ذكر اسمه. وقال إن "حكومة الكاظمي مشغولة بترتيب آخر أدوات عملية إجراء الانتخابات المبكرة، وهي الملف الوحيد الذي تواصل الحكومة النجاح فيه، على الرغم من العرقلة التي تواجهها من قبل الأحزاب، سواء على صعيد محاولات السيطرة على قرارات مفوضية الانتخابات، أو من خلال إعلان الانسحابات من السباق الانتخابي".

وأكد المسؤول، وهو مقرب من مكتب الكاظمي، أن "تعثر تنفيذ أي من الاتفاقات الحالية يعود لأسباب كثيرة، لكن أهمها سياسي وآخر يتعلق بالأداء الحكومي العراقي، إذ تتحفظ قوى سياسية حليفة لإيران على مشروع أنبوب البصرة ــ العقبة وعلى ملف دخول الشركات المصرية الاستثمارية للعراق مقابل النفط، كما جرى التفاهم عليه خلال القمة، وهي تعتبر ذلك محاولة مناكفة موجهة لإيران، خصوصاً في ما يتعلق بالربط الكهربائي والاستغناء عن شراء الغاز والكهرباء من طهران، فيما يتحسس البعض من مصطلح المشرق الجديد أو الشام الجديد الذي تردد على لسان مسؤولين في الدول الثلاث، ويعتبرونه مشروعاً سياسياً آخر بالمنطقة، والحكومة تحاول تجنب إثارة أي أزمة بوجهها في الوقت الحالي".
وبيّن المسؤول أن "الجانب الثاني المتعلق في التأخر باتخاذ أي إجراءات هو ضعف الإجراءات العراقية والروتين، والذي فاقمه الانشغال بملف الانتخابات، فضلاً عن أن القمة الثلاثية أعقبتها جولة الحوار الرابعة مع واشنطن، والتي انشغل الطاقم الحكومي بها بالكامل". واعتبر أن عمر الحكومة العراقية الحالية في كل الأحوال "لا يكفي للبدء بتنفيذ أي خطوات واقعية على الأرض في حال أجريت الانتخابات فعلياً بعد (نحو) شهرين من الآن". لكنه أكد "تحقيق تقدم على مستوى التعاون الأمني في مجال تبادل المعلومات بين مصر والعراق والأردن، وكذلك ملف الحدود العراقية الأردنية، وقد يصار إلى تطور أكبر، يشمل تبادل معتقلين أيضاً".

باسم خشان: عملية تنفيذ الاتفاقيات تخضع لتفاهمات سياسية محلية داخل العراق

وقال عضو البرلمان العراقي محمود الزجراوي إن "مجلس النواب لم يلمس لغاية الآن أي تنفيذ لمخرجات القمة الثلاثية في بغداد على أرض الواقع. ويبدو أن أي شيء لم يطبق مما تم الإعلان عنه، ولا نعرف إن كانت حكومة الكاظمي قادرة على تنفيذ ما اتفقت عليه مع الأردن ومصر أم أنها ستكون مثل مخرجات غالبية القمم العربية، وهي عبارة عن بيانات إعلامية وليس أكثر من ذلك". وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "العراق بحاجة ماسة لتفعيل معظم الاتفاقيات مع الدول الصديقة، في سبيل تطوير مجالات التعليم والاقتصاد والتنمية، لكن هناك تراخٍيا حكوميا بالتعامل مع الاتفاقيات. وسنعمل قبل انتهاء عمر حكومة الكاظمي على استضافة بعض الجهات الحكومية المختصة بمتابعة تنفيذ اتفاقية قمة بغداد الثلاثية لمعرفة المعرقلات التي تواجه عملية التنفيذ".
لكن النائب المستقل باسم خشان أكد أن "العراق في وضع استثنائي، ربما عن بقية الدول العربية والغربية، لأن عملية تنفيذ الاتفاقيات التي تتفق عليها الحكومة مع دول أخرى، تخضع لجملة الاتفاقات والتفاهمات السياسية، أي أن القوى السياسية هي التي تتحكم بالقرار الحكومي. وبالتالي فإن ما لا ترتضيه الفصائل المسلحة والأحزاب لا يمكنه أن يطبق على أرض الواقع. وكما هو معروف فإن الاتفاق مع دول عربية في مجالات الطاقة، يضعف بكل تأكيد استيراد الطاقة من إيران، وهذا خط أحمر لبعض الجهات العراقية". وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "حكومة الكاظمي ضعيفة، ولا يمكنها أن تواجه القرارات التي تتخذها الأحزاب والفصائل، وبالتالي فإن إنفاذ اتفاقيات ومخرجات القمة الثلاثية مرهون بمدى الاستجابة السياسية في البلاد".
ويتفق المحلل السياسي والباحث العراقي أحمد الشريفي، مع خشان. وأكد، لـ"العربي الجديد"، أن "الأحزاب والقوى القريبة من إيران هي المتحكمة بالمشهد العراقي، سواء على صعيد القرارات الداخلية، أو التعاطي مع الاتفاقيات الخارجية، بالإضافة إلى أن المتبقي من عمر الحكومة لا يكفي لإنجاز عملية الربط الكهربائي والنفطي". وأشار إلى أن "بعض الجهات العراقية تريد الحصول على مغانم سياسية واقتصادية من أي مشروع يقام في البلد، وإذا لم تحصل على ذلك فهي قادرة على تعطيله. هذا الأمر يعرفه قادة الأحزاب، لذلك فهم يستخدمون السلطة الأبوية وأحياناً العنفية ضد الحكومة الحالية، وبالتالي لا يمكن للكاظمي أن يخرج من جلباب هذه القوى، لكنه يواصل الظهور لزعماء الدول العربية بمظهر القوي في سبيل استمرار العراق بالتعاطي مع محيطه العربي والدول الغربية".