قمة الجزائر... على سبيل المحاولة

قمة الجزائر... على سبيل المحاولة

07 سبتمبر 2022
كان يفترض أن يبلغ التنسيق العربي-العربي أعلى مستوياته (فرانس برس)
+ الخط -

في ظروف كالتي يشهدها العالم، والعالم العربي بشكل خاص في الوضع الراهن المتأزم، كان يفترض أن تنعقد قمم عربية وليس قمة. وكان يفترض أن يبلغ التنسيق العربي-العربي أعلى مستوياته، بحكم الظروف الطارئة التي تهدد المصالح والوجود، ومشكلات الغذاء والطاقة والمياه التي تحاصر الأوطان والشعوب العربية، وأزمات اليمن وليبيا والعراق ولبنان والصومال، وتطورات قضية فلسطين وغيرها.

لا جدال في أن القمم العربية السابقة لم تحقق لا القليل من النتائج، ولا الكثير من المخرجات، ولم تغيّر في الواقع العربي قيد أنملة، بل إن بعض القمم كرّست المزيد من الانقسامات العربية. هذا ما يجعل الحماسة السياسية والإعلامية وفي الشارع العربي، لأي اجتماع عربي-عربي، باهتة وباردة، مهما كان عنوانه ومنظّمه ومستضيفه، ما لم يخرج عن المعهود.

لذلك، سيكون من الصعب على الجزائر، التي تستضيف القمة العربية الـ31 مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، أن تقنع الرأي العام العربي الغارق في مشكلاته البدائية المستديمة، والدامية في مناطق أخرى، أنها قمة ستمثل الاستثناء مقارنة مع القمم السابقة.

لكن هل يمنع ذلك محاولة أن تقدّم قمة الجزائر قيمة مضافة؟ على العكس، لا شيء يمنع من المحاولة، بل إن الظرف الراهن أكثر من مناسب وضاغط لأجل ذلك. وعلى سبيل المحاولة مثلاً، العودة إلى الحد الأدنى الممكن من خطوط العمل العربي المشترك، ووضع مواثيق جديدة تسحب العلاقات العربية من القاع الذي توجد فيه، وإعادة بعض القضايا إلى موقعها المركزي، وفرملة هذه الهرولة غير مسبوقة نحو تطبيع يضيّع مزيداً من الحقوق العربية، خصوصاً أن المجال ممكن والقضايا الخلافية الراهنة هي أقل حدة مقارنة مع عقد التسعينيات وما قبله.

ويمكن التوافق على وضع خطط لإسناد دول عربية ومنعها من الانهيار التام، والتوافق على دور عربي في حل الأزمات الإقليمية كما هو الشأن بالنسبة لليبيا.

وبغضّ النظر عن المشكلات السياسية، فإن هناك مشكلة معطّلة للعمل العربي المشترك، تتمثل في الشقين الاقتصادي والثقافي، وهما من أكثر الجوانب التي يجرى تغييبها في القمم والاجتماعات العربية، مع أن الواقع الدولي والاستراتيجي يفرض التحوّل إلى إعطاء المعنى الاقتصادي والثقافي للعمل العربي المشترك أولويته القصوى.

وإذا لم تستطع البلدان العربية تنسيق المواقف سياسياً، فإنه يمكن تغيير زوايا النظر وإدارة علاقات المنطقة العربية بإضفاء بُعد اقتصادي أكبر على هذه العلاقات، وتفعيل منطقة التبادل التجاري والسوق العربية الحرة، وتطوير أفضل للتعاون بين الجامعات والمؤسسات العلمية العربية. فالتجربة الأوروبية بكل مخرجاتها الوحدوية لم تبدأ سوى من اتفاق بين ست دول حول الفحم والصلب، والأكيد أنه في حال تم ذلك على الصعيد العربي، فإن الكثير من المعطيات ستتغير، لأنه كلما كان العائد الاقتصادي من التبادلات العربية ملموساً، كان ذلك دافعاً لخفض المشكلات السياسية.

صحيح أن العالم العربي اجتاز مرحلة دقيقة، أوجدت محاور وتحالفات خارج السياق، قد تعقّد من مسارات تحقيق التوافق العربي، لكن ذلك الواقع يمكن التعاطي معه وتجاوزه ظرفياً، وقد لا يكون معطّلاً بالكامل لرسم علاقات عربية-عربية جديدة، والاستفادة من أزمات دولية تصب مخرجاتها لصالح العرب، إلى حين اتضاح الخرائط التي يجرى رسمها في خضم الأزمة الأوكرانية وتداعياتها، لذلك فإن قمة الجزائر إن لم تكن قمة إنجاز، فلتكن قمة مصافحة عربية-عربية جديدة.