قمة إقصائية باهتة للأميركتين: بكين على فم واشنطن

قمة إقصائية باهتة للأميركتين: بكين على فم واشنطن

07 يونيو 2022
ناشطون يحتجون على استبعاد دول عن القمة (فريديريك براون/فرانس برس)
+ الخط -

تنطلق، اليوم الثلاثاء، قمة الأميركتين التاسعة (منظمة الدول الأميركية) في لوس أنجليس ـ كاليفورنيا في الولايات المتحدة، على أن تستمر حتى يوم الجمعة المقبل، وسط توترات سياسية تشوب علاقة البلد المضيف مع عدد من الدول الأميركية، وعدم دعوة كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا إلى القمة، ووصول الوفود الرسمية أمس.

ومع أن الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي بدأ في 24 فبراير/شباط الماضي، فتح ثغرة في جدار الخلافات العميقة بين واشنطن وكل من هافانا وكاراكاس، إلا أنها ليست كافية بعد لدفع العلاقات إلى مسارٍ أكثر إيجابية.

وقبل حسم عدم دعوة البلدان الثلاثة، ماطل البيت الأبيض في الأسابيع الماضية في إصدار القائمة محاولاً إقناع قادة آخرين بالحضور، وعلى رأسهم الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور الذي رفض المشاركة، في حال لم تتم دعوة كل دول المنطقة من دون استثناء.

وقال  أوبرادور في مؤتمره الصحافي اليومي، أمس: "لن أحضر القمة لأن الدعوة لم توجه إلى الدول الأميركية كلها. أؤمن بضرورة تغيير السياسة المفروضة منذ قرون وتقوم على الإقصاء". وأوضح أن وزير الخارجية مارسيلو إيبرارد سيمثل المكسيك نيابة عنه.

ويبلغ عدد الدول الأعضاء في "منظمة الدول الأميركية" 35 دولة، علماً أن المنطقة الجغرافية للأميركيتين تضمّ أيضاً 23 إقليماً (8 أقاليم بريطانية، 6 فرنسية، 6 هولندية، 2 أميركية وواحدة دنماركية).

العلاقة مع كوبا وفنزويلا

غير أن استبعاد كوبا وفنزويلا من القمة لا يلغي حقيقتين برزتا في الأسابيع الأخيرة. الحقيقة الأولى، ظهرت بعد دفع الغزو الروسي لأوكرانيا الدول الأوروبية إلى مباشرة عملية التخلص من الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية، واتخذ الاتحاد الأوروبي مساراً جذرياً، على الرغم من اعتراضات بعض دوله. 

وسمح ذلك للأميركيين بمحاولة تسهيل الأمر، سواء عبر نقل النفط الأميركي إلى أوروبا، أو محاولة التفاوض مع الدول الخليجية لمدّ الأوروبيين بالغاز. 

حتى أن بعض التحاليل تطرّقت في بدايات الغزو، إلى احتمال تسريع اتفاق فيينا النووي مع الإيرانيين، لتعويضهم عن الروس. غير أن الأميركيين وجدوا في فنزويلا، صاحبة أكبر احتياطي نفطي في العالم، مصدراً لتموين أوروبا، فخففوا في 17 مايو/أيار الماضي بعض العقوبات التي أعلنها الرئيس السابق دونالد ترامب في عام 2019، بهدف عزل الرئيس نيكولاس مادورو.

وأمس نقلت وكالة "رويترز"، عن خمسة أشخاص وصفتهم بـ"المطلعين على الأمر"، بأن شركة النفط الإيطالية "إيني إس بي إيه" و"ريبسول" الإسبانية قد تشحنان النفط الفنزويلي إلى أوروبا في أقرب وقت ممكن من الشهر المقبل، للتعويض عن الخام الروسي.

وقالت المصادر لـ"رويترز"، إن وزارة الخارجية الأميركية "أعطت إشارة" للشركتين لاستئناف الشحنات، فيما تأمل إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، أن يساعد الخام الفنزويلي أوروبا على خفض اعتمادها على روسيا وإعادة توجيه بعض شحنات فنزويلا من الصين.


أدى الغزو الروسي إلى تخفيف العقوبات الأميركية على كوبا وفنزويلا

الحقيقة الثانية، ظهرت أيضاً في 17 مايو الماضي، مع إعلان الإدارة الأميركية رفع مجموعة من القيود المفروضة على كوبا، ولا سيما في مجال الهجرة والتحويلات المالية والرحلات الجوية.

وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية في بيان أن الإدارة ستعيد العمل ببرنامج معلّق منذ عدة سنوات، يسهّل إجراءات الهجرة إلى الولايات المتّحدة لأفراد من نفس العائلة.

وأوضح مسؤول كبير في الإدارة الأميركية أن الإجراءات هي "قرارات عملية تهدف إلى الاستجابة للوضع الإنساني" في كوبا و"تحسين الفرص الاقتصادية" للكوبيين.

وصدر الإعلان الذي رحبت به الحكومة الكوبية على الفور باعتباره "خطوة صغيرة في الاتجاه الصحيح" غير أنها تبقى "محدودة النطاق"، نتيجة مراجعة للسياسة الأميركية حيال النظام الشيوعي باشرها بايدن.

ولا يُمكن إبعاد التسهيلات الأميركية لكوبا وفنزويلا عن عنصر الاختراق الصيني في مناطق نفوذها، إذ إنه بين القمة الثامنة التي عُقدت في إبريل/نيسان 2018 والتاسعة التي بدأت أعمالها اليوم، دخلت عناصر عدة على خط علاقات الولايات المتحدة بجوارها.

سياسياً، عمل الرئيس السابق دونالد ترامب على إغلاق باب الهجرة والهجرة غير الشرعية إلى بلاده، معلناً حرباً سياسية مع المكسيك على خلفية نيته "بناء جدار تدفع مكسيكو أكلافه، لمنع تدفق المهاجرين".

كما تصادم ترامب مع كوبا، عاملاً على عرقلة التحسّن الذي رافق زيارة الرئيس الأسبق باراك أوباما إلى هافانا في مارس/آذار 2016. كما أيّد ترامب رئيس البرلمان المعارض في فنزويلا، خوان غوايدو، في مواجهة مادورو. وضغط أيضاً في سبيل فرض عقوبات إضافية على البلدين.

وكان تفشي وباء كورونا في العالم، الذي عانت منه الدول الأميركية الواقعة في بحر الكاريبي وأميركا الجنوبية بشدّة، في ظلّ النقص في القطاع الطبي من جهة، وعجز حكوماتها عن تلبية حاجات المواطنين في ظلّ الإغلاقات العامة من جهة أخرى، قد دفع إلى زيادة نسب المهاجرين، ومنهم سيراً على الأقدام، إلى الولايات المتحدة.

هنا جاء دور الصين، التي باشرت التغلغل في أميركا الوسطى، مدشنة علاقات وثيقة مع نيكاراغوا، التي قطعت علاقاتها مع تايوان في ديسمبر/كانون الأول الماضي، لمصلحة التعاون مع الصينيين.

ويُمكن القول إن التغيير الجيوسياسي لماناغوا جاء مدفوعاً بإبداء بايدن رغبته في "عدم التعاون مع الدول غير الديمقراطية"، واتهام واشنطن لرئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا، بـ"تزوير الانتخابات الرئاسية (جرت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي) ومخالفة إرادة المواطنين"، بعد اعتقاله كل منافسيه الرئاسيين.

أهداف بايدن في الأميركيتين

وأظهر حديث مع صحافيين لكبير مستشاري البيت الأبيض في شؤون أميركا اللاتينية خوان غونزاليز، أن بايدن يسعى إلى تغيير المعادلة في الدول المجاورة للولايات المتحدة.

وقال غونزاليز: "يخطط الرئيس لتقديم رؤية عن منطقة آمنة ومن الطبقة المتوسطة وديمقراطية، وهو أمر يصب بشكل جوهري في مصلحة الأمن القومي الأميركي". ويتوقع أن يعلن الرئيس الأميركي خلال القمة عن خطوات ترتبط بالتعاون الاقتصادي ومكافحة وباء كورونا والتغير المناخي، بحسب غونزاليز.

كما يأمل بايدن بالتوصل إلى اتفاق بشأن التعاون الإقليمي في قضية لطالما واجهت انتقادات من الحزب الجمهوري هي الهجرة. ويزداد عدد المهاجرين القادمين من دول أميركا الوسطى وهايتي الساعين لدخول أراضي الولايات المتحدة هرباً من الفقر والعنف في بلدانهم.

وفشلت إدارة بايدن حتى الآن في الوفاء بوعدها القاضي باتباع سياسة هجرة محدثة، تريدها أن تكون أكثر إنسانية من تلك التي طُبقت خلال ولاية سلفه دونالد ترامب.


تخشى الولايات المتحدة مواصلة الصين اختراقها في مجال نفوذها

وأشار مدير برنامج أميركا اللاتينية في "مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين" بنجامين غيدان إلى أن التهديد بالمقاطعة كان "حبكة ثانوية مؤسفة حقاً قبيل القمة لأنها استنزفت طاقة دبلوماسية أميركية هائلة".

وأشار الباحث كذلك إلى أنه في حين تستثمر الصين بسخاء في المنطقة، لم يعرض الرئيس الأميركي حتى الآن أي جهود اقتصادية ملموسة.

وقال غيدان إن "المقياس الحقيقي لهذه القمة سيكون إن كانت الولايات المتحدة ستعرض فرصاً ذات معنى لإفساح المجال للوصول إلى الأسواق وقروضاً ومساعدات أجنبية لدعم التعافي الاقتصادي والبنى التحتية في المنطقة". وأضاف "أعتقد أن الولايات المتحدة ستخيّب الآمال في هذا الصدد".

وفي عام 1994، أطلق الرئيس الأميركي حينذاك بيل كلينتون في ميامي "قمة الأميركيتين" ساعياً من خلالها إلى إنشاء منطقة تجارية إقليمية واسعة.

لكن التجارة الحرة فقدت بريقها، في الولايات المتحدة وفي بلدان أخرى، وبذلك لم يتمكن بايدن من كسر المواقف الحمائية لسلفه دونالد ترامب. وقال نائب رئيس "مجلس الأميركيتين" إريك فارنزوورث خلال جلسة استماع في الكونغرس إن كل قمّة باتت "أقل طموحاً" من السابقة.

بدوره، أكد الخبير البارز لدى مركز "الحوار الأميركي الداخلي" للأبحاث مايكل شيفتر، أن الضجة المرتبطة بالجهات المدعوة لحضور القمة تعكس تراجع هيمنة الولايات المتحدة في المنطقة.

واعتبر أن الصعوبات السياسية لبايدن الذي لا يحظى بشعبية والذي يواجه فقدان السيطرة على الكونغرس بعد الانتخابات النصفية المقررة في 8 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، لا تخفى على زعماء المنطقة. وقال شيفتر إن "الولايات المتحدة ما زالت تتمتع بقدر كبير من القوة الناعمة، أما بالنسبة لنفوذها السياسي والدبلوماسي، فإنه يتضاءل يوماً بعد يوم".

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)

تقارير دولية
التحديثات الحية

المساهمون