استمع إلى الملخص
- تسعى الولايات المتحدة لتعزيز تحالفاتها الاستراتيجية رغم التوجه الظاهري للابتعاد عن الحلفاء، بينما تدعو الصين للالتزام بمبدأ الصين الواحدة.
- تصاعدت التوترات بين الصين والولايات المتحدة بسبب تقارب واشنطن مع تايوان، مما يدفع الجيش الصيني نحو التصعيد ويهدد الاستقرار الإقليمي.
أبدت الصين انزعاجها مما ورد في مذكرة سرية لوزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون)، نُشرت السبت الماضي، تركز على ردع الصين وتعتبرها التهديد الوحيد للولايات المتحدة. واعتبرت وسائل إعلام رسمية صينية، أمس الاثنين، أن المذكرة تُؤكد مجدداً وضع واشنطن المنافسة الاستراتيجية الشاملة مع بكين باعتبارها أولوية أساسية، وأن المبادئ التوجيهية للمذكرة تتعارض بشدة مع مبدأ "أميركا أولاً" الذي تتبناه الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن هذا التباين يكشف عن صراع أيديولوجي داخلي بين "تيار النخبة التقليدي" و"تيار أميركا أولاً" داخل الإدارة الأميركية الجديدة، ما ينذر بتناقض السياسات.
تشاو يين: أي تقارب بين الولايات المتحدة وتايوان يدفع قيادة الجيش الصيني نحو التصعيد
تايوان أولوية أميركية
وكانت صحيفة واشنطن بوست الأميركية قد كشفت، السبت الماضي، عن مذكرة توجيهية داخلية للبنتاغون من وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث، تُركز على "ردع استيلاء الصين على تايوان" وتعزيز الدفاع الوطني الأميركي. ووفقاً للتقرير، أعاد وزير الدفاع الأميركي توجيه الجيش لإعطاء الأولوية لردع استيلاء الصين على تايوان وتعزيز الدفاع الوطني من خلال تحمل المخاطر في أوروبا وأجزاء أخرى من العالم. وذكر التقرير أن الوثيقة، المعروفة باسم "التوجيه الاستراتيجي المؤقت للدفاع الوطني"، والتي تحمل علامة "سري" في معظم فقراتها، وُزّعت في جميع أنحاء وزارة الدفاع في منتصف مارس/ آذار الماضي. من جهتها، ذكرت صحيفة غلوبال تايمز الصينية الحكومية أن المؤسسة الدفاعية الأميركية لا تزال تضع نظام تحالفاتها باعتباره أصلاً استراتيجياً أساسياً، وأنه على الرغم من ابتعاد الإدارة الأميركية الحالية ظاهرياً عن حلفائها، فإن المنطق الأساسي لاستراتيجية الدفاع الأميركية لا يزال قائماً، وهو تحقيق الأهداف الاستراتيجية من خلال بناء التحالفات والتلاعب بها واستغلالها. ولفتت الصحيفة الناطقة بالإنكليزية إلى أنه منذ توليه منصبه، تجنّب الرئيس الأميركي دونالد ترامب التطرق إلى مسألة الالتزام العسكري للولايات المتحدة بشأن جزيرة تايوان. وأضافت أن الولايات المتحدة بحاجة إلى التوقف عن النظر إلى علاقاتها مع الصين من منظور الحرب الباردة القديم، والتوقف عن احتواء الصين باسم "المنافسة الاستراتيجية"، والتوقف عن مساعدة أو التحريض على استقلال تايوان بأي شكل من الأشكال.
في سياق متصل، ورداً على خطط هيغسيث بشأن ردع الصين عن غزو تايوان، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية قوه جيا كون، في إفادة صحافية، أمس الاثنين: "إننا ننصح بعض الأفراد في الولايات المتحدة بالتخلي عن خيال استخدام تايوان لاحتواء الصين، والالتزام بمبدأ الصين الواحدة وأحكام البيانات المشتركة الثلاثة الصينية الأميركية من خلال إجراءات عملية، وتنفيذ الالتزامات التي تعهدت بها الولايات المتحدة بشأن القضايا المتعلقة بتايوان". وبشأن ذلك، أعرب الباحث في معهد الجنوب للدراسات الدولية الصيني وانغ خه، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن ما جاء في المذكرة الأميركية يتناقض تماماً مع تصريحات الرئيس الأميركي الأخيرة بشأن إمكانية الدفاع عن تايوان، وحثه سلطات الجزيرة على زيادة الإنفاق الدفاعي، عملاً بمبدأ ترامب الدفع مقابل الحماية الأميركية، وهو النهج الذي اتّبعه مع حلفاء واشنطن في المنطقة بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية. وأوضح وانغ أن التوجيهات التي صدرت إلى الجيش تعبّر عن أزمة داخلية وعدم تنسيق وانسجام بين مؤسسات الدولة السياسية والأمنية. وأضاف: لطالما سعت الولايات المتحدة إلى تضخيم أزمة تايوان لحشد المزيد من الحلفاء ضد الصين، واستخدام الأخيرة فزاعة في المنطقة لتوسيع المظلة الأمنية، ولكن هذا يتناقض مع رؤية ترامب للمنطقة، ورغبته في التركيز على الشؤون الداخلية للولايات المتحدة وتحصين البلاد ورفع اقتصادها، حيث اتخذ في سبيل ذلك العديد من الإجراءات والقرارات بما في ذلك فرض رسوم جمركية طاولت المنافسين والحلفاء. وأضاف أن مثل هذه التوجهات لن تؤدي إلا إلى مزيد من عدم الاستقرار الإقليمي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وأن الصين على أهبة الاستعداد للدفاع عن سيادتها ومصالحها الأمنية والتنموية.
وانغ خه: سعت الولايات المتحدة إلى تضخيم أزمة تايوان لحشد المزيد من الحلفاء ضد الصين
صدمة أميركية للصين
في المقابل، قال الخبير في العلاقات الدولية المقيم في هونغ كونغ تشاو يين، في حديث مع "العربي الجديد"، إن ما جاء في المذكرة السرية الأميركية كان صادماً لبكين بعدما اعتقدت بأن تصريحات ترامب ذات الصلة بالدفاع عن تايوان تعكس نهجاً جديداً يرفع الغطاء الأمني الأميركي عن حلفاء واشنطن في المنطقة. ولفت إلى أن ردود الفعل غير المتوازنة من الصين سواء في التصريحات أو الأعمال الاستفزازية في مضيق تايوان، تعكس حجم المنافسة الحالية بين واشنطن وبكين، وتظهر أنها أكثر حدة مما كانت عليه خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق جو بايدن. وأضاف أن أي تقارب بين الولايات المتحدة وتايوان يدفع قيادة الجيش الصيني نحو تصعيد لهجته وفرض المزيد من الضغوط على سلطات الجزيرة، سواء عبر المناورات العسكرية أو التهديد الصريح باستعادة تايوان بالقوة.
يشار إلى أن العلاقات بين البر الرئيسي الصيني والحزب الحاكم في الجزيرة (الحزب الديمقراطي التقدمي)، تشهد توترات مشحونة بالتهديد والوعيد من جانب بكين، ففي أعقاب امتناع ترامب في فبراير/ شباط الماضي عن التعليق على ما إذا كانت الولايات المتحدة ستسمح للصين بالسيطرة على تايوان بالقوة، وجّهت وزارة الدفاع الصينية تهديداً شديد اللهجة لتايبيه، معتبرة أن طلب الدعم من الولايات المتحدة سيأتي بنتائج عكسية في نهاية المطاف، لافتةً إلى أن أي خطوة في هذا الاتجاه لن تنتهي إلا بالتدمير الذاتي، وأضافت: "سنأتي ونأخذكم عاجلاً أم آجلاً".