قضية سد النهضة تغيب عن أجندة السيسي

قضية سد النهضة تغيب عن أجندة السيسي

28 ديسمبر 2021
استعادت القوات الحكومية زمام المبادرة في إثيوبيا (Getty)
+ الخط -

غابت قضية سد النهضة كليا عن حديث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال افتتاحه مشاريع جديدة في منطقة توشكى، جنوب غربي مصر، أول من أمس الأحد، وهو الأمر الذي قال مراقبون إنه دليل على تراجع هذه الأزمة في أجندة السياسة المصرية، وشبه استسلام للأمر الواقع الجديد الذي فرضته إثيوبيا.

وأكد السيسي في توشكى أن "المياه المستخدمة في زراعة المنطقة هي مياه محطة بحر البقر التي تم افتتاحها منذ شهرين، وهي مياه صرف زراعي معالجة بصورة متطورة حتى تكون صالحة للاستخدام في الزراعة".

وشدّد على أن "الحكومة تعمل على تعزيز الشبكات الداخلية للأراضي في مناطق بحر البقر وبئر العبد، للاستفادة منها في مشاريع أخرى مثل مشروع توشكى".

وتابع السيسي: "كل مشروع من المشروعات التي تنفذها الدولة في سيناء والدلتا الجديدة وتوشكى حجمها يضاهي مشروع السد العالي في أسوان، واستصلاح الأراضي الجديدة يساهم في تحقيق التنمية الحقيقية".

وأضاف الرئيس المصري أن "تكلفة استصلاح الفدان الزراعي 200 ألف جنيه تقريباً (12731 دولاراً)، وبقول للحكومة: ما فيش (لا تقوموا بـ) زراعة لنباتات الزينة مرة أخرى، وأي نقطة مياه تذهب للنباتات الموسمية سوف نستخدمها، ونوجهها لزراعة النباتات المثمرة".


دبلوماسي سابق: خطاب السيسي اعتراف بإهدار مصر المياه الواردة إليها عبر نهر النيل

وتعليقاً على ذلك، قال دبلوماسي مصري سابق، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن "تجاهل الرئيس السيسي لقضية سد النهضة في سياق افتتاح مشروع زراعي يفترض أنه كبير الحجم، كما تقول وسائل الإعلام، وإصداره توجيهاً إلى حكومته بمنع زراعة نباتات الزينة، بحجة توفير المياه المستخدمة في زراعتها للنباتات المثمرة، نتيجة مواجهة الدولة المصرية عجزاً في المياه اللازمة للزراعة، وشروعها في تنفيذ مشروعات قومية كبرى قائمة على إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي بعد معالجتها، هو اعتراف ضمني بفشل كل جهود الحكومة للحفاظ على حصة مصر من مياه نهر النيل المهددة بسبب سد النهضة الإثيوبي".

ووصف الدبلوماسي السابق خطاب السيسي بـ"أنه اعتراف بأن مصر كانت تهدر المياه الواردة إليها عبر نهر النيل في زراعات غير ذات جدوى، وهو الأمر الذي يضعف موقف المفاوض الفني المصري في جولات التفاوض على المياه مع إثيوبيا".

ورأى الدبلوماسي أن "جميع الرهانات المصرية على المواقف الدولية من حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، والضغط عليه بسبب حربه مع جبهة تحرير تيغراي، وتأثير ذلك على موقف حكومته في قضية سد النهضة، تلاشت الآن، بعد أن خرج أبي أحمد من حربه مع تيغراي منتصراً".

وأشار إلى أن الحكومة الإثيوبية "استطاعت السيطرة على المدن التي وصلت إليها قوات تيغراي في ‏مناطق شرقي أمهرة وعفر، بفضل تزويد قوى إقليمية، أديس أبابا بطائرات من دون طيار حديثة‏ مثل الإمارات وتركيا، على مدار الأربعة أشهر الأخيرة، مما اضطر قادة ‏تيغراي إلى الانسحاب إلى حدود الإقليم والمطالبة بالتفاوض السلمي".

غياب الدعم العربي لمصر في سد النهضة

وأضاف الدبلوماسي أن "مصر تقف وحيدة في مواجهة أزمة سد النهضة الإثيوبي، من دون أي دور عربي يذكر، إذ تكتفي الدول العربية، وخصوصاً الدول الخليجية، بإصدار بيانات وتصريحات فقط دون تقديم أي مساعدة فعلية لمصر، بل على العكس فإن تدخّل بعض الدول الخليجية يضر بمصر".

وأشار الدبلوماسي إلى أن البيان الختامي للجنة المتابعة والتشاور السياسي بين مصر والسعودية الصادر في 16 ديسمبر/كانون الأول الحالي، أكد خلاله الجانب السعودي دعمه الكامل للأمن المائي المصري باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الأمن المائي العربي، ومن ثم أهمية التوصل في أقرب فرصة إلى اتفاق قانوني ملزم حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، تنفيذاً للبيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن في سبتمبر/أيلول الماضي، بما يدرأ الأضرار الناجمة عن هذا المشروع على دولتي المصب، ويعزز التعاون بين شعوب مصر والسودان وإثيوبيا.

وكان قادة وملوك وأمراء دول مجلس التعاون الخليجي، قد أكدوا، في البيان الختامي الصادر عن أعمال اجتماع الدورة الـ42 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي التي عقدت بالرياض، في 14 ديسمبر الحالي، على أنّ الأمن المائي لمصر والسودان "هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي".

وشدد القادة في البيان، على "رفض أي عمل أو إجراء يمس حقوق مصر والسودان في مياه النيل"، مؤكدين دعمهم ومساندتهم لكافة المساعي التي من شأنها أن تسهم في حل أزمة سد النهضة بما يراعي مصالح كافة الأطراف. وأشاروا إلى "أهمية استمرار المفاوضات للوصول إلى اتفاق عادل وملزم، وفق القوانين والمعايير الدولية".

وأضاف الدبلوماسي السابق، أنه على صعيد المفاوضات "لا حديث الآن عن مفاوضات جديدة، بين الأطراف الثلاثة (مصر والسودان وإثيوبيا)، لا تحت مظلة الاتحاد الأفريقي ولا تحت أي مظلة أخرى".

وأشار إلى أن الوساطة الإسرائيلية التي كانت تعول عليها القاهرة في أزمة سد النهضة "لا تزال تراوح مكانها، خصوصاً في ظل تعقيدات الموقف في الأراضي الفلسطينية المحتلة وقطاع غزة، وتعثر جهود الوساطة التي تقوم بها القاهرة بين حكومة الاحتلال الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية".

موقف الولايات المتحدة تجاه مصر

وأضاف الدبلوماسي أنه على صعيد المواقف الدولية من أزمة سد النهضة فإن "الموقف الأميركي رغم أنه يعتبر داعماً لمصر، إلا أنه لا يشكل أي ضغط على الحكومة الإثيوبية برئاسة أبي أحمد، من شأنه أن يدفعها للقبول بالطلبات المصرية والسودانية، وهي التوصل لاتفاق قانوني وملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد".

واعتبر أن "الطرف الروسي في المعادلة لا يزال يعلق مسألة التدخل في أزمة سد النهضة، ومحاولة الضغط على إثيوبيا، انتظاراً لتحقيق مكاسب أخرى في العلاقات مع مصر، على صعيد ملفات أخرى مثل ملفات ليبيا وسورية، بسبب سعي موسكو، لاستخدام القاهرة في تثبيت تواجدها في ليبيا من خلال إنجاح مرشح روسيا في الانتخابات الليبية، وإعادة سورية إلى مقعدها بجامعة الدول العربية".


لا حديث الآن عن مفاوضات جديدة بين مصر والسودان وإثيوبيا

وأوضح الدبلوماسي أن "مصر لم تستطع أن تحقق الرغبات الروسية في الملفين الليبي والسوري، إذ إن الموقف على الصعيد الليبي، غير واضح المعالم، ولم ينجح المعسكر الروسي والذي تنتمي إليه مصر في الدفع برئيس جديد للبلاد من ذلك المعسكر. كما أن القاهرة لم تكلل جهودها في موضوع إعادة سورية إلى الجامعة العربية بالنجاح حتى الآن، نظراً لرفض أطراف عربية أخرى ذات قوة داخل الجامعة وعلى رأسها كل من السعودية وقطر".

وتابع المصدر أن "كل ذلك لا يجعل الطرف الروسي متحمساً للتدخل في أزمة سد النهضة الإثيوبي بما يحقق مصالح مصر".

وقال الدبلوماسي إنه على صعيد العمل الدبلوماسي المصري، فإن "قضية سد النهضة تراجعت أيضاً في الأجندة الخارجية المصرية، إذ إن مجرد ذكر القضية في المحافل الدولية والأفريقية لم يعد موجوداً بالشكل المطلوب".

وأشار إلى أن وزير الخارجية المصري سامح شكري افتتح أول من أمس الأحد، اجتماع اللجنة الدائمة لمتابعة العلاقات المصرية الأفريقية، من دون ذكر قضية سد النهضة وأهميتها بالنسبة للسلم والأمن والأفريقيين.

وأشار الدبلوماسي السابق إلى أن قضية سد النهضة الإثيوبي أصبحت في أدبيات السياسة الخارجية المصرية مثلها مثل القضية الفلسطينية، والتي يتم ذكرها فقط كمحفوظات يرددها الدبلوماسيون المصريون دون أي صدى على أرض الواقع، فيؤكدون دوماً "أهمية التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية يقوم على أساس إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967"، ولكن دون أي رد فعل من جانب الاحتلال الإسرائيلي.

وتابع: "هكذا أيضاً أصبحت قضية سد النهضة، إذ يردد الدبلوماسي المصري دائماً جملة "أهمية التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة"، ولكن من دون حصول أي نتيجة على أرض الواقع.

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

المساهمون