استمع إلى الملخص
- تُعتبر قضية تسوركوف تحديًا سياسيًا ودبلوماسيًا للعراق، حيث تواجه الحكومة ضغوطًا من الولايات المتحدة وإسرائيل، مع تعقيدات ناتجة عن عدم التواصل المباشر مع الجهة الخاطفة.
- تسعى الحكومة العراقية للتوصل إلى تسوية، لكن الإفراج عن تسوركوف قد يتطلب تلبية مطالب مادية أو معنوية، بينما تؤكد إسرائيل مسؤولية العراق عن سلامتها.
لا تكشف السلطات العراقية عن تحركاتها فيما يتعلق بقضية الباحثة الإسرائيلية إليزابيث تسوركوف المختطفة في العراق منذ نحو عامين، لكن المعلومات المتوفرة ورغم شحتها، تشير إلى أن الأجهزة الأمنية العراقية وشخصيات حكومية، تتولى متابعة الملف أملا بالتواصل المباشر مع الجهة الخاطفة، لكن حتى الآن لا نتائج معتبرة بالقضية. واختطفت تسوركوف عام 2023 في حي الكرادة وسط بغداد، من قبل جماعة مسلحة، تُرجح إسرائيل أنها فصيل "كتائب حزب الله"، العراقي. وبعد سبعة أشهر من اختطافها، نشر خاطفوها مقطعاً مصوراً لها، وكانت تتحدث باللغة العبرية عن عملها مع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) وتكليفها مهمات داخل العراق، مطالبة حكومة الاحتلال الإسرائيلي بوقف الحرب على غزة.
مع العلم أن أي فصيل عراقي مسلح، لم يتبن عملية اختطافها حتى الآن، وهو ما يُعقد مهمة حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، تجاه الملف؛ الذي بات من ضمن أوراق اللقاءات الأميركية العراقية بالفترة الأخيرة، وفقا لما يؤكده مسؤول عراقي أمني رفيع لـ"العربي الجديد".
وأضاف المسؤول، أن "السوداني تحرك صوب ثلاثة فصائل مسلحة يُعتقد أن المختطفة تسوركوف محتجزة لديها، عبر شخصيات دينية وسياسية ضمن الإطار التنسيقي، تحت عنوان تجنيب العراق مشاكل كبيرة، وهو ما دفع وزير الخارجية فؤاد حسين، للحديث في وسائل الإعلام أخيرا بأن حكومته تتحرك تجاه هذا الموضوع"، مستدركاً القول: "لكن الواقع أن الجهود الحكومية اصطدمت بردود باردة من كل الجهات التي تمت مفاتحتها، ما أدى إلى انتهاء الحديث عنها عراقياً".
وبين المصدر ذاته أن "السوداني قاد حراكاً جاداً بشأن المختطفة الإسرائيلية، قبل أن تتطور قضيتها، لكنه لم يصل إلى نتائج إيجابية"، مؤكدا أن "خيار البحث الأمني واستعادتها بالقوة غير مطروح من قبل الحكومة، حتى لو كان هناك شكوك ما بمكانها، لكن الأكيد أنها لا تزال في العراق، وتم تغيير مكان احتجازها أكثر من مرة، لدواعٍ أمنية وتكتيكية".
وزاد المسؤول العراقي، بأن "الجهات الخاطفة لم تتواصل مع أي جهة حكومية أو سياسية، ولم تشرح مطالبها، وأن ما جرى الحديث عنه بشأن مطالب مادية أو معنوية من الكيان الإسرائيلي أو الولايات المتحدة، غير صحيح".
وبالرغم من محاولة السوداني غير الناجحة، إلا أن الضغوط الأميركية، استمرت، وآخرها عبر المبعوث الرئاسي لشؤون المحتجزين آدم بولر، الذي أعاد نشر مقطع فيديو للمختطفة مع تعليقات موجهة للحكومة العراقية.
واختطفت تسوركوف عام 2023 في حيّ الكرادة وسط بغداد، من قبل جماعة مسلحة، تُرجح إسرائيل أنها فصيل "كتائب حزب الله"، العراقي. وتُعرّف تسوركوف نفسها عبر صفحاتها الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي بأنها تتحدّث الإنكليزية والعبرية والروسية والعربية، وتعمل زميلة في معهد "نيولاينز" للشؤون استراتيجية والسياسة، وزميلة بحث في منتدى التفكير الإقليمي، وهو مؤسسة مقرّها القدس المحتلة.
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، قالت وسائل إعلام عبرية، إن الباحثة إليزابيث تسوركوف التي اختطفت في العراق، سيُطلَق سراحها قريباً ضمن مفاوضات حول صفقة تبادل أسرى ومختطفين.
كذلك أشارت مواقع غربية إلى أن إسرائيل تعتزم إنجاز صفقة تبادل تقضي بالإفراج عن معتقلين من حزب الله اللبناني، الذين احتُجِزوا منذ اندلاع الحرب، ومن بينهم عماد أمهز، القبطان البحري اللبناني الذي أُسر خلال عملية خاصة نفذتها وحدة الكوماندوز البحري قبل نحو ثلاثة أشهر.
كما قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، مطلع الشهر الجاري، إن إليزابيث تسوركوف على قيد الحياة، ونسعى لتحريرها. وذكر حسين في تصريح صحافي أن "إليزابيث تسوركوف الباحثة في جامعة برينستون التي تحمل الجنسيتين الإسرائيلية والروسية مختطفة لدى جماعة مسلحة عراقية على قيد الحياة"، مؤكداً أن "رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يعمل من أجل تحريرها". إلا أن مصادر عراقية مقربة من قيادات الفصائل العراقية، نفت عبر "العربي الجديد"، وجود أي تفاوض بشأن صفقة تبادل للإفراج عن تسوركوف.
"لا تواصل" بين السوداني والجهة الخاطفة
من جهته، قال عضو في البرلمان العراقي لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة وتحديداً رئيسها محمد شياع السوداني، لا يعرف أي تسوركوف، ومن الجهة المحددة التي تحتجزها، ولا يعرف أيضاً، ماذا تريد هذه الجهة، ولا يوجد أي تواصل مباشر بين الجهة الخاطفة ورئيس الحكومة، لكن السوداني تعامل مع وسيط خلال الفترة الماضية من أجل التوصل إلى تسوية بشأن مصيرها لكنه لم يستطع". وأضاف النائب الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "الجهة الخاطفة لا تتعامل مع تسوركوف باعتبارها ورقة ضغط عراقية، بل بوصفها ورقة من أوراق الضغط لدى محور المقاومة بالكامل، وبالتالي فإن قرار الإفراج عن تسوركوف أو تصفيتها ليس عراقياً بحتاً، لأن القرار يتعلق بمحور المقاومة، خصوصاً وأن تسوركوف لم تكن باحثة كما تدعي، بل مارست دوراً سياسياً واختلطت بالشباب العراقي وسعت إلى تأسيس علاقات وطيدة مع مصادرة القرار وبعض الرموز من السياسيين والمؤثرين في المجتمع"، وفقا لقوله.
ملف محرج للحكومة
من جانبه، أشار الباحث العراقي عقيل عباس، إلى أن قضية تسوركوف تحولت إلى ملف محرج للحكومة العراقية، وأن التأخير في الضغط الكامل يعود إلى محاولات الإدارة الأميركية لفتح قنوات دبلوماسية مع الحكومة الإيرانية قبل اللجوء إلى التصعيد، موضحاً في تصريحٍ صحافي، أن "العراق قد يُواجه عقوبات دولية وإجراءات صارمة إذا اعتبر جزءا من محور المقاومة وتعاون مع الفصائل المسلحة التي تورطت في عمليات خطف لمواطني دول أجنبية"، بحسب قوله.
لكن العميد المتقاعد في الجيش العراقي عماد علو، قال إن "قضية المختطفة الإسرائيلية تمثل تحدياً للحكومة العراقية، لكنها في الوقت نفسه تمثل مكسباً للجهات الخاطفة، خصوصاً وأن قضيتها تراجعت عن التداول في ظل العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، بالتالي فإن الجهة الخاطفة وجدت مكاسب كبيرة في اختطافها، ولا أعتقد أنها ستفرّط بها بسهولة".
واعتبر علو في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الحكومة تحاول من أجل التوصل إلى تسوية بشأنها، وأن الإفراج عنها لن يكون مجاناً لأن الجهة الخاطفة لديها مطالب قد تكون مادية وهذه الاحتمالية ضئيلة، وقد تكون معنوية وهنا يأتي دور التفاوض والسياسة".
وكان رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قد أكد في بيان، أنّ تسوركوف في قبضة "كتائب حزب الله"، وأنها ما زالت على قيد الحياة، محمّلاً العراق مسؤولية مصيرها وسلامتها، مشيراً إلى أن المخطوفة دخلت العراق بواسطة جواز سفرها الروسي، وبمبادرتها الشخصية، من أجل إجراء أبحاث أكاديمية لجامعة برينستون في الولايات المتحدة.