استمع إلى الملخص
- حركة النهضة وصفت الأحكام بأنها مهزلة قضائية تهدف لتصفية الخصوم السياسيين، ودعت لإطلاق سراح المساجين السياسيين وتوحيد الصفوف للدفاع عن الحقوق والحريات.
- المحامون وأهالي المعتقلين أكدوا أن المحاكمة لم تحترم معايير العدالة، ويعتزم فريق الدفاع الطعن في الأحكام رغم غياب القضاء المستقل.
تتكشف تفاصيل الأحكام الصادرة فجر اليوم السبت في ما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة التي راوحت بين 13 و60 عاماً. ولئن كانت هذه الأحكام حسب البعض قاسية وجائرة وغير عادلة، لكنها لم تكن مفاجئة للكثيرين في ظل الخروق الإجرائية التي رافقت القضية منذ بدايتها إلى حين صدور الأحكام. وقال عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين، المحامي عبد الستار المسعودي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "في ظل تكتم السلطات الرسمية عن تفاصيل الحكم، فقد تحصلوا على الأحكام بصفة شبه رسمية، وقد شملت تقريباً جميع الطيف السياسي والحقوقي وإعلاميين ونشطاء".
وبحسب المسعودي، فإنه حُكم على رجل الأعمال كمال بن يوسف اللطيف بالسجن 66 سنة، والناشط السياسي محمد خيام التركي 48 سنة، ونائب رئيس حركة النّهضة نور الدين البحيري 43 سنة. أما الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، وعضو جبهة الخلاص الوطني، جوهر الحبيب بن مبارك، والأمين العام السابق للتيار الديمقراطي غازي بن الهادي الشواشي، والسياسي رضا محمد الحاج، فقد حُكم عليهم بالسجن 18 سنة لكل منهم.
وحسب المسعودي، فإنه حُكم على القيادي السابق في حركة النهضة عبد الحميد بن محمد الجلاصي، بالسجن 13 سنة، وحطاب سلامة أربع سنوات، ورضا علي الجيلاني شرف الدين 16 سنة، والصحبي سالم عتيق وسيد محمد الفرجاني ومحمد بن محمد بن ضو وكمال بشير البدوي بـ13 سنة لكل واحد مهم. أما المتهمون في حالة سراح، وهم محمد الأزهر العكرمي، والمحامي والحقوقي العياشي الهمامي، فقد صدرت أحكام بالسجن ثماني سنوات لكل منهما، و13 سنة لكل من شكري بن عيسى بحرية ومحمد المبروك الحامدي، و10 سنوات للإعلامي نور الدين بوطار، و18 سنة لعضو جبهة الخلاص الوطني شيماء عيسى، وهي في حالة سراح.
وحكم بالسجن 33 سنة على كل من حمزة علي المؤدب وعلي محجوب الحليوي ومنجي العربي الوادي، وكمال سعيد الڨيزاني ورضا محمد إدريس ومصطفى كمال البنابلي، وكوثر عمارة الدعاسي وعبد المجيد الزار وتسنيم محمد الخريجي ونادية حطاب عكاشة، ورفيق عبد الرحمن الشعبوني ونجلاء خليفة وبشرى بالحاج حميدة، ومحمد رؤوف خلف الله وبرنار ليفي. أما كريم بن محمد القلالي، فحكم عليه بالسجن 25 سنة. ورأى المسعودي أن "الحكم على الفيلسوف السياسي الفرنسي برنار ليفي بـ33 عاماً مجرد ذرّ رماد في العيون"، على حد وصفه.
حركة النهضة: مهزلة قضائية تاريخية
من جهتها، قالت حركة النهضة التونسية، في بيان اليوم السبت، إن "المحكمة الابتدائية بتونس أصدرت فجر اليوم "أحكاماً ثقيلة وصلت إلى 66 عاماً، في نهاية دراماتيكية لمسلسل الفبركة والخروق والانتهاكات". واعتبرت الحركة "أنّ الإصرار على التّعتيم على جرائم التّدليس والفبركة والافتراء وحرمان الرّأي العام معرفة الحقيقة وإصدار أحكام انتقامية عبر توظيف القضاء ما هو إلا دليل دامغ على براءة المتهمين، وهي أحكام سيسجلها تاريخ بلادنا في الظلم والجور والانتقام من الخصوم السياسيين من نظام شمولي قمعي".
وطالبت حركة النهضة "بإطلاق سراح كل المساجين السياسيين وسجناء الرأي من الصحافيين والنقابيين ورجال الأعمال، وتدعو السلطة إلى الكف عن سياسة إلهاء الشعب بمحاكمات صورية انتقامية للتغطية على الفشل الذريع في إدارة شؤون الدولة وما أنتجته هذه المنظومة من عجز مالي وركود اقتصادي وأزمات اجتماعية وعزلة دولية". كذلك دعت "كل القوى السياسية والمدنية إلى توحيد الصف ونبذ الخلافات من أجل الدفاع عن الحقوق والحريات واستعادة مسار انتقال ديمقراطي غدرت به شعبوية تقود البلاد بنهج استبدادي نحو الانغلاق السياسي وتأبيد الأزمات الاقتصادية وتعميق الاحتقان الاجتماعي".
من جانبه، قال ابن الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، عبد العزيز الشابي، إن والده حكم عليه بالسجن 18 عاماً، لافتاً إلى أنهم كانوا يتوقعون "أحكاماً أقسى"، مضيفاً، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "مهما كانت الأحكام، فالمتهمون لم يرتكبوا أي جريمة". وأضاف أن "قيس سعيد سيغادر قرطاج قبل عصام الشابي وستتم المحاسبة وكل من كان وراء هذا الملف سيحاكم يوماً ما في محاكمة عادلة وعلنية، خلافاً لما وقع في قضيتهم التي انطلقت علنية وانتهت سرية". وأضاف أنه "يبدو أن توقيت العمل الإداري للدولة تغير، وأصبح ليلاً وفجراً، ولكنهم بكونهم عائلات معتقلين لا يخشون هذه الأحكام ولا يخيفهم السجن"، مؤكداً أن "الأحكام أحكام قيس سعيّد لتكميم صوت المعارضة وحتى من يدافع عنهم".
وأكد عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين، المحامي مختار الجماعي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الأحكام الصادرة جائرة، ولكنها غير مفاجئة وتتناسب والتهم المنسوبة". ولفت إلى أن مجريات القضية، وخصوصًا ما دار في جلسة الأمس، كانت تنذر بصدور أحكام قاسية، في إطار ما وصفه بمحاولة لتصفية الخصوم السياسيين". وأضاف الجماعي أن "الملف لا يسمح بصدور مثل هذه الأحكام، ولكنها تبقى أحكاماً مشددة ولم تصدر حتى في أبشع الجرائم"، مبيناً أن "المحكمة أمس كانت قد أصرّت على إصدار هذه الأحكام وكأن هناك محاولة لغلق هذا الملف بسرعة". وتابع المتحدث، قائلاً إن "المحاكمة لم تحترم أدنى الإجراءات في الدفاع وفي محاكمة عادلة، وأيضاً الأحكام كانت مشددة"، مؤكداً أن "فريق الدفاع سيدخل في مشاورات مع المنوبين للتصدي لهذه الأحكام بالشكل القانوني والإجراءات، رغم يقينهم بعدم وجود قضاء مستقل". ولفت إلى أنه" سيتم إما الطعن في الحكم لدى محكمة الاستئناف، وإما القبول بالأحكام، لأنه لا وجود لقضاء مستقل يمكّن من توفير محاكمة عادلة".
وأضاف أن "الأحكام فظيعة، ولم تحصل سابقاً، ولا يجد الوصف المناسب لوصفها". وأكد أن "الأحكام بـ60 و40 عاماً للتشفي وغير منطقية وتظل إجرائياً باطلة ولا يوجد أي تفسير لها، خصوصاً أن التهمة نفسها موجهة للجميع، فما الذي فعله البعض كفعل مجرم لتكون العقوبة بين 60 و40 عاماً".
وقال القيادي في التيار الديمقراطي، هشام العجبوني، في تدوينة له: "إذا سقطت العدالة تسقط الدولة، 66 سنة أو 48 أو 18 أو 13 أو حتى 100 كلّها أرقام لا تعني شيئاً، يوم 18 إبريل 2025 يوم أسود في تاريخ القضاء وتاريخ تونس، إذ تمّ فيه اغتيال واغتصاب العدالة ودقّ آخر مسمار في نعش الدولة، وانتقلنا رسمياً إلى منطق القوّة والغاب واللادولة". وأضاف: "الإدانة قرّرها الحاكم بأمره منذ فبراير/شباط 2023 عندما طلب من وزيرة "العدل" ملاحقة المجرمين الإرهابيّين"، وصرّح بأنّ هؤلاء حكم عليهم التاريخ قبل أن تنطق المحاكم بإدانته، وأنّ من يتجرّأ على تبرئتهم شريك لهم، ثم مثّلوا تمثيلاً بجثّة القوانين والإجراءات، وقرّروا إجراء المحاكمة عن بُعد في غياب المعتقلين حتى لا يدافعوا عن أنفسهم، ورفضوا تحدّينا لهم ببث المحاكمات مباشرة للرأي العام، لأنهم يخافون من كشف حقيقة تآمرهم على مواطنيهم".
وترى النائبة السابقة، منية براهم، وزوجة القيادي السابق في حركة النهضة، عبد الحميد الجلاصي، أن "الأحكام لم تكن مفاجئة، نظراً لسياق الملف ككل وسير المحاكمة التي لم تكن عادلة"، مضيفة، في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه "لا يصح إطلاق تسمية محاكمة، لأن كل ما حصل خارج القانون، وما حصل في جلسة أمس يمكن أن يكون أي شئ إلا محاكمة". وأضافت أنه "تم المرور بالقوة للتصريح بالحكم، والسياق العام ككل بدءاً من الاعتقال وصولاً إلى إصدار الأحكام كلها مسرحية لقضاة، وتعليمات النطق بأحكام جاهزة سبق لأبواق النظام أن تولوا تسريبها".
من جهته، أوضح عضو جبهة الخلاص المعارضة، رياض الشعيبي، لـ"العربي الجديد"، أن الملف سيبقى معلقاً لأن "الأصل أنهم سيتجهون إلى استئناف الحكم"، لكنه لفت إلى وجود "إشكال"، وهو أن جزءاً من المتهمين، وعددهم ثلاثة، وهو من بينهم، "تولوا التعقيب والملف لدى محكمة التعقيب وبالتالي هناك سابقة قضائية في تاريخ القضاء، ومأزق قانوني، إذ كان يجب على المحكمة تأجيل النظر في الملف إلى حين صدور قرار محكمة التعقيب"، مشدداً على أن "شطب القاضي (فجر السبت) المتهمين ممن تولوا التعقيب غير قانوني". ولفت إلى أن هناك الآن وضعية قانونية معقدة جداً، متسائلاً ما إذا كان الملف سيذهب إلى محكمة الاستئناف أو محكمة التعقيب لحين البت فيه. ورأى أن القاضي كان مكرهاً بضغط من السلطة السياسية لإصدار أحكام، مضيفاً أنه في إطار حالة الارتباك والتخبط أيضاً، يبدو أنه تم السهو عن إدراج الحكم الصادر ضد رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي، خصوصاً أنه مشمول بهذه القضية. وأكد أنهم سيتمسكون بالطعون القانونية، وسيواصلون التحركات المطالبة بإلغائها وبإطلاق سراح المعتقلين. وأكد أنهم على المستوى السياسي يرفضون مثل هذه الأحكام ويرون أنها جائرة وغير قانونية وسيتمسكون بالطعون القانونية التي ستتخذها هيئة الدفاع لخلو الملف من أي فعل يجرمه القانون. وشدد على رفض المحاكمة والأحكام فضلاً عن مواصلة التحركات المطالبة بإلغائها وبإطلاق سراح المعتقلين.
واعتبر المتحدث باسم الحزب الجمهوري، وسام الصغير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الأحكام "ختم لسيناريو كان قد رافق القضية منذ بدايتها"، مضيفاً أنه "تمّ رفع الستار عن المسرحية التي ستبقى وصمة عار في تاريخ القضاء التونسي والمجال السياسي في تونس". وبيّن أن "كل ما رافق الملف من خروقات جعله لا يرتقي إلى مجرد محاكمة صورية بل مهزلة متوقعة، ولكنها ستبقى وصمة عار في تاريخ تونس". وأضاف أن "الحزب الجمهوري وكل أنصار العدالة والديمقراطية لن يسكتوا على هذه الأحكام، وسيستمر التنديد بهذه الجريمة وفضح منظومة الحكم وتدخلها السافر في القضاء".