قضية آداما تراوري: التقرير البلجيكي يلمح إلى مسؤولية الشرطة الفرنسية

قضية آداما تراوري: التقرير البلجيكي يلمح إلى مسؤولية الشرطة الفرنسية

09 فبراير 2021
خاضت العائلة معركة مع القضاء الفرنسي دامت أكثر من أربع سنوات (فرانسوا بوليتو/الأناضول)
+ الخط -

سرّبت وسائل إعلام فرنسية مقتطفات من تقرير الخبراء البلجيكيين بشأن قضية مقتل الشاب الفرنسي من أصول أفريقية أداما تراوري، داخل ثكنة عسكرية في فرنسا عام 2016، حيث تم تكليف الفريق الطبي البلجيكي صيف عام 2020، بعد احتجاجات عارمة نظمتها عائلة الضحية في فرنسا بالتزامن مع انطلاق حركة "حياة السود مهمة" في أعقاب مقتل الأميركي جورج فلويد.

والتسريبات التي بدأتها صحيفة "لوبس" ليل أمس الاثنين، وواصلتها صحيفة "لوموند"، تشير للمرة الأولى إلى تقارب نتائج التقرير البلجيكي مع ما توصل إليه الخبراء المكلفون من الأسرة، حيث تمكنوا بفضلهم من إلغاء تقرير الطب الشرعي الفرنسي بتاريخ 19 يناير/كانون الثاني الماضي، والذي أشار إلى أن وفاة تراوري كانت طبيعية ولا علاقة للأمن الفرنسي بها.

ويستبعد تقرير الخبراء البلجيكيين احتمال أن يكون الشاب البالغ من العمر 24 عاماً ليلة وفاته، قد فقد حياته نتيجة مرض يعاني منه (فقر الدم)، وفق ما أشار إليه تقرير الطب الشرعي الفرنسي آنذاك، ليترك المجال مفتوحاً حول مسؤولية رجال الدرك الذين قاموا بملاحقة تراوري قبل إلقاء القبض عليه بطريقة عنيفة يوم عيد ميلاده الرابع والعشرين.

ولفت التقرير إلى أنه من المحتمل أن تكون الوفاة ناجمة عن "ضربة شمس" تفاقمت بسبب ملاحقة الدرك لتراوري وطريقة تكبيله وإلقاء القبض عليه. وتقول "لوموند": "بعبارة أخرى، حدّد خبراء الطب البلجيكيون الأربعة في التقرير المقدم إلى قضاة التحقيق الفرنسيين، أنه من دون تطبيق هذه المناورات القسرية (عملية الاعتقال العنيف والملاحقة) يمكن للمرء أن يعتقد أن السيد تراوري لم يكن ليقدم التطور الدراماتيكي الملحوظ بعد ذلك، ما تسبب بوفاته".

وهذا الملف الشائك، الذي أصبح رمزاً لمحاربة عنف الشرطة في فرنسا، يقترب على ما يبدو من نهايته، بعد أكثر من أربع سنوات من معركة خاضتها عائلته مع القضاء الفرنسي، إذ يشير الأطباء إلى أن تراوري مات بسبب متلازمة الاختناق، وهو ما تقول العائلة إنه ناجم عن طريقة اعتقاله من قبل دورية الدرك.

وفي تقرير أعدته السلطات الفرنسية في سبتمبر/أيلول عام 2018، لم تتم الإشارة إلى أي مسؤولية لرجال الدرك عن وفاة تراوري، بل بسبب مزيج قاتل من الجهد المكثف مع مرضين: الساركويد ومرض فقر الدم المنجلي؛ لكن عائلة تراوري أكدت من خلال تقارير طبية أن ولدها كان يعاني من أعراض خفيفة، وأحياناً كثيرة لم يكن هناك أي أعراض لديه.

العوامل "المحددة"

في تقرير الطب الشرعي المؤرخ في 13 يناير/كانون الثاني الماضي، أبدى الأطباء البلجيكيون المعيّنون من قبل العدالة الفرنسية في يوليو/تموز 2020، نفس "التحفظات" التي أبداها الأطباء المعيّنون من قبل الأسرة: من النادر جداً أن يتسبب فقر الدم المنجلي بالوفاة، ويمكن استبعاد الساركويد كسبب لوفاته أيضاً. ويتابع: "وبالمثل وجود دليل على استهلاكه للقنب لا يُعدّ إطلاقاً سبباً مباشراً في وفاته".

الحرارة الشديدة التي لوحظت في ذلك اليوم، كانت 37.5 درجة مئوية في الساعة 4:15 مساءً، مصحوبة بضغط حاد "من أجل الهروب من الشرطة"، و"الجهد البدني المكثف" من ناحية أخرى، حسب رأيهم، هي العوامل التي ليست فقط "مواتية" لإمكانية حدوث وفاة ولكن "حاسمة".

ويجادل الخبراء البلجيكيون بأن الحرارة المرتفعة التي لوحظت على جسد أداما تراوري، عند مستوى 39.2 درجة مئوية بعد ساعتين من وفاته، "كان يجب أن تثير على الفور، لا سيما في ظروف درجات الحرارة العالية، ضربة شمس أثناء هروبه"، لكن المجهود وحده لا يكفي لتفسير الوفاة، فهم يتابعون: "إن الصعوبات التنفسية التي ظهرت، بالإضافة إلى استمرارها (بعد عملية اعتقاله)، لا تتناسب مع طول المطاردة التي قام بها للتو، بالنظر إلى صغر سنه"، في إشارة إلى طريقة اعتقاله وتعرضه للخنق نتيجة تقييده.

وتم القبض على تراوري للمرة الأولى من قبل الدرك الذين قاموا بتقييد يديه خلف ظهره، وتمكن من الفرار مرة ثانية قبل اللجوء إلى شقة. أظهر تحقيق أجرته صحيفة "لوموند" استناداً إلى شهادات ومقاطع فيديو للمراقبة، أن هذه المطاردة استمرّت بالتأكيد ثماني عشرة دقيقة، ولكنها بالكاد استمرّت لمسافة 450 متراً. لكن وفقاً للتقارير الطبية، فإنه من الصعب استنتاج سبب قاتل لشاب يبلغ من العمر 24 عاماً يوصف بأنه "رياضي" - 1.79 متراً مقابل 86 كيلوغراماً - ويقضي ساعات طويلة في التدرب على ملعب لكرة القدم، مثل المجهود البدني.

"الإجهاد الأدرينالي"

"فقط فكرة مرحلة واحدة على الأقل من شلّ حركته مع ضبط النفس، والتي لم يتم الإبلاغ عن تفاصيلها بالإجماع، من المرجح أن تقدم دليلاً على سبب وفاته، يقول تقرير الأطباء البلجيكيين. ويضيف: "مرحلة من الشلل مع ضبط النفس لا يستطيع وصفها الآن سوى رجال الدرك الثلاثة الذين تواجدوا أثناء اعتقال أداما تراوري في الشقة".

واعتقل تراوري في قرابة الساعة الرابعة و15 دقيقة مساءً في ذلك اليوم، لكن خدمات الطوارئ التي تم استدعاؤها إلى مركز الاحتجاز أعلنت وفاته في السابعة مساءً. ولدى اتصال والدته في الساعة التاسعة مساءً بمركز الشرطة للاستفسار عما جرى مع ولدها، تم إبلاغها بأنه بخير وكلّ شيء سيكون على ما يرام، لكن في الواقع كان تراوري قد مات قبل ساعتين من اتصالها.

فريق الإسعاف الذي حضر بعد اعتقال تراوري، كانت له شهادة تناقض أقوال الشرطة، إذ طلب أحدهم، وفق ما نقلت "لوبس"، في تقرير منفصل، أن يتم تحرير قيود الشاب الذي ينازع، لكن عناصر الدورية رفضوا. وفي شهادة رجال الإسعاف، ذكر المسعفون أن الضحية "فقد التهوية"، وأنهم طلبوا من الشرطة "أكثر من مرة تحرير قيوده من أجل إجراء إسعافات أولية لإنعاش قلبه لكنهم رفضوا بحجة أنه قد يهرب".