أتت صواريخ بعيدة المدى، مصدرها سفن روسية راسية في البحر الأبيض المتوسط، على عشرات صهاريج المحروقات، ومحطات بدائية لتكرير النفط، في ريف حلب الشمالي الخاضع لسيطرة فصائل سورية معارضة تتبع للجانب التركي، في حادث ليس الأول من نوعه، لكن له الكثير من الأبعاد السياسية.
وقتل، مساء أمس الأول الجمعة، مدنيون ومتطوع في الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، وأصيب 27، بقصف بصواريخ من بوارج حربية روسية راسية في البحر المتوسط، استهدفت سوقاً ومحطات تكرير النفط الخام قرب منطقة الحمران بريف جرابلس في ريف حلب الشمالي الشرقي، وفي محيط قرية ترحين بالقرب من مدينة الباب كبرى مدن منطقة "درع الفرات" في ريف حلب الشمالي الشرقي، والخاضعة لمجموعة من الفصائل التابعة للجانب التركي.
سيجري: القصف محاولة لتشديد الحصار على الشمال السوري
وما حدث مساء الجمعة الماضي ليس الأول من نوعه، حيث سبق للجانب الروسي استهداف صهاريج محروقات ومحطات بدائية لتكرير النفط في المنطقة ذاتها، في فبراير/شباط ويناير/كانون الثاني وفي ديسمبر/كانون الأول وأكتوبر/تشرين الأول، إما بقصف صاروخي مباشر أو من خلال طائرات مسيّرة. ومن الواضح أن الجانب الروسي يحاول حرمان فصائل المعارضة في شمال سورية من النفط، من خلال استهداف محطات التكرير والتصفية البدائية. كما يضغط الروس على "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) لزيادة كمية النفط، التي توردها للنظام السوري من خلال وكلاء له في المنطقة.
ووصف القيادي في فصائل المعارضة السورية مصطفى سيجري، في حديث مع "العربي الجديد"، ما جرى مساء الجمعة الماضي بـ"العربدة الروسية". وقال "هي ليست جديدة، والأمر تكرر أكثر من مرة". ووضع القصف الروسي في سياق "الضغط المستمر بهدف إرهاب الشعب السوري ومحاربته في لقمة عيشه والتضييق عليه"، معتبراً أنها محاولة جديدة لتشديد الحصار على الشمال السوري.
وتقع بلدة ترحين بالقرب من خطوط التماس بين فصائل المعارضة السورية وبين "قسد"، التي تسيطر على منطقة شرقي نهر الفرات، مصدر النفط الخام الذي يصل إلى مناطق المعارضة من خلال عمليات تهريب عبر معابر نظامية وغيرها. وتسيطر "قوات سورية الديمقراطية"، التي يشكل المقاتلون الأكراد قوامها الرئيسي وخاصة لجهة التوجيه، على معظم الثروة النفطية في سورية، والمتمركزة في أرياف الحسكة ودير الزور. ففي محافظة الحسكة، يوجد حقل رميلان الشهير الذي يضم أكثر من 1322 بئراً، إضافة إلى أكثر من 25 بئراً للغاز تقع بمناطق الشدادي والجبسة والهول ومركدة في ريف الحسكة الجنوبي. وفي دير الزور، تسيطر "قسد" على أهم وأكبر حقول النفط والغاز، وأبرزها العمر، الذي كان ينتج 80 ألف برميل يومياً قبل عام 2011، وكونيكو، والتنك ثاني أكبر الحقول النفطية في دير الزور. ويسيطر النظام، في المقابل، على حقول وآبار أقل أهمية في ريف دير الزور جنوب نهر الفرات، منها الورد والتيم، إضافة إلى حقول الغاز في ريف حمص الشرقي في قلب البادية السورية، مثل الهيل وآراك وحيان وجحار والمهر وأبو رباح. وتخلو المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في شمال سورية من وجود للنفط والغاز، وكذا الحال في محافظة إدلب التي تخضع جلها لسيطرة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) في الشمال الغربي من سورية.
وأشار الباحث السياسي آزاد حسو، المقرب من "قوات سورية الديمقراطية" في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "روسيا تتصرف وكأنها الوريث الأساسي للدولة السورية"، موضحاً أنها تريد التحكم بكل الموارد الاقتصادية في البلاد، وخاصة البترولية والزراعية والمائية. وقال "روسيا تحاول منع أي طرف سوري، سواء الإدارة الذاتية أو النظام أو قوى المعارضة السورية بشكل عام، من اتخاذ قرارات لا توافق عليها. تريد توزيع موارد سورية بحيث ينال كل السوريين 10 في المائة منها، ويذهب الباقي إلى الميزانية الروسية". وأشار إلى أن القصف الروسي للصهاريج والحراقات البدائية "رسالة من موسكو إلى جميع الأطراف، مفادها أن كل شيء في سورية يجب أن يكون رهن إرادتها". وشدد على أن "الروس يحاولون فرض إرادتهم على كل السوريين".
آزاد حسو: روسيا تتصرف كأنها الوريث الأساسي للدولة السورية
من جانبه، رأى الباحث المختص بالشأن الروسي طه عبد الواحد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الروس "يريدون حرمان القوى المسيطرة على المنطقة من الاستفادة من النفط وإيراداته". وأشار إلى أن هذا القصف "لا يخلو أيضاً من رسائل سياسية للجانب التركي الذي يعتبر منطقة القصف مجال نفوذ له في سورية". وقال "يريدون (الروس) أن يتحرك الأتراك لتنفيذ اتفاقاتهم حول فتح الطرق الدولية وإبعاد جبهة النصرة عن مناطق سيطرة الفصائل التي تدعمها أنقرة".
وتطرح "الإدارة الذاتية" الكردية في الشمال الشرقي من سورية كميات من النفط والغاز للاستهلاك في المناطق التي تسيطر عليها، فيما تصدر الباقي إلى ثلاث مناطق، الأولى النظام السوري، والثانية المعارضة، والثالثة إلى إقليم كردستان العراق، وفق مصادر مطلعة. ويأخذ النظام حصته عبر وسطاء، أبرزهم شركة "القاطرجي" التي تحمل المحروقات إلى مناطق النظام عبر صهاريج تعبر البادية السورية، وتتعرض بين وقت وآخر للاستهداف من قبل خلايا تنظيم "داعش"، أو عن طريق مدينة حلب، ومنها إلى محطات التكرير والتصفية التابعة لسلطة النظام في حمص والساحل السوري. كما يتم تهريب النفط عبر نهر الفرات، الفاصل بين مناطق "قسد" والنظام في ريف دير الزور الشرقي. كما تورد "الإدارة الذاتية" كميات من النفط إلى مناطق المعارضة عن طريق معابر تفصل بين منطقة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي وبين منطقة "درع الفرات".
وبيّنت مصادر محلية، لـ "العربي الجديد"، أن مئات محطات التكرير البدائية، أو ما يسمّى بـ "الحراقات"، تابعة إلى مجموعة من الأشخاص الذين يشترون النفط الخام من منطقة شرقي نهر الفرات عن طريق وسطاء، ويوزع بعد التكرير إلى مناطق سيطرة المعارضة في عموم الشمال السوري. ولا توجد أرقام يمكن الركون إليها بالنسبة للنفط في سورية، والذي لم تدخل عائداته إلى خزينة الدولة السورية منذ العام 1970، حيث ظل تحت قبضة عائلة الأسد. إلا أنه من المرجح أن الإنتاج انخفض قبيل بدء الثورة السورية في العام 2011 إلى ما دون 400 ألف برميل يومياً.