قصة هبوط أسامة عسكر وصعوده داخل الجيش المصري

قصة هبوط أسامة عسكر وصعوده داخل الجيش المصري

29 أكتوبر 2021
يحظى عسكر بشعبية كبيرة في الجيش (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

بقرار من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أصبح الفريق أسامة رشدي عسكر، الشخص الأهم والأقوى في القوات المسلحة المصرية، بعد تعيينه رئيس أركان حرب الجيش، وهو المنصب الذي يسيطر صاحبه من خلاله على تشكيلات القوات المسلحة الرئيسية، سيطرة تامة وفعلية على الأرض، بينما يبقى لوزير الدفاع القرارات السياسية العامة.
صعود الفريق عسكر من رئاسة هيئة عمليات القوات المسلحة، إلى رئاسة أركان حرب القوات المسلحة، هو التدرج الطبيعي للرتب داخل الجيش المصري، إذ إن رئيس هيئة العمليات يأتي في الترتيب الثالث بعد وزير الدفاع ورئيس الأركان، لكن تعيين عسكر في رئاسة العمليات جاء بطريقة غير عادية. ففي ديسمبر/كانون الأول عام 2019، أي بعد ثلاثة أشهر من تظاهرات سبتمبر/أيلول الواسعة، وتصاعد الحديث عن الفساد في المشروعات العسكرية، ولا سيما على لسان الممثل والمقاول محمد علي، قرّر السيسي حينها تصعيد أسامة عسكر مرة أخرى، بعد إطاحته من المناصب العسكرية، إلى منصب مميز، هو رئيس هيئة العمليات في القوات المسلحة، في خطوة غير معتادة، وتتمثل في أن يعود قائد عسكري يحمل رتبة الفريق إلى وظيفة مهمة بعدما كان أُبعد بالفعل. وجاء ذلك إلى جانب احتفاظ عسكر بملف تنمية سيناء في القوات المسلحة الذي كان أُسند إليه.

وكانت العلاقة بين السيسي وعسكر متميزة للدرجة التي دفعت الأول لاستحداث وظائف بعينها للثاني، مثل قيادة منطقة شرقي القناة، ومكافحة الإرهاب، من يناير/كانون الثاني 2015 إلى ديسمبر/كانون الأول 2016، حين تم إبعاد عسكر، الذي كان أصغر من يحمل رتبة الفريق في ذلك الوقت، إلى منصب جديد أيضاً استُحدث له خصيصاً، لكنه مكتبيّ، هو مساعد وزير الدفاع لشؤون تنمية سيناء.

تعيين عسكر في رئاسة العمليات جاء بطريقة غير عادية

وفي خريف 2017، ثارت شائعات عن إبعاد عسكر من مناصبه وتجريده من سلطاته بسبب مخالفات مالية، لكن مصادر أكدت أنه كان قد خضع للتحقيق فقط في ادعاءات تتعلق بتلك المخالفات، وأسندت إليه لفترة أعمال إدارية أقل أهمية، مثل مسؤول مشروعات الجيش في المنطقة المركزية.

بعد إبعاد عسكر من مناصبه العسكرية، أصبح الرجل كثير الظهور في قريته الديرس بمركز أجا بمحافظة الدقهلية بدلتا مصر، وأسس هناك جمعية خيرية، حتى حظي بشعبية لا بأس بها بين الأهالي. ولكن مع انفجار أحداث سبتمبر 2019، وبعد ما تم رصده من استياء واسع داخل الجيش من انتشار الشائعات والمعلومات عن الفساد المالي لبعض القيادات، والتي مسّت الفريق عسكر، أكدت مصادر لـ"العربي الجديد"، أن وزير الدفاع السابق المشير محمد طنطاوي، تدخل لحل الأزمة، وشكل غرفة مصالحة بمقر وزارة الدفاع في كوبري القبة، ونجح في التوصل إلى اتفاق بين السيسي وفريقه المكون من رئيس المخابرات عباس كامل، ونجل السيسي محمود، وبين ضباط الجيش الغاضبين، وبناء على ذلك الاتفاق، عاد الفريق عسكر إلى منصب عسكري أهم، وهو رئاسة هيئة العمليات.

الصورة
أسامة عسكر في قريته الديرس
أسامة عسكر في قريته الديرس (مواقع التواصل الاجتماعي)

وأوضحت المصادر أنه في الوقت الذي كانت بعض وسائل الإعلام تتحدث عن تحديد إقامة عسكر ومحاكمته عسكرياً، كان الأخير يتولى بالفعل الإشراف المالي والإداري على العديد من المشاريع بتكليف مباشر من السيسي ووزير الدفاع. وعلى رأس هذه المشاريع، مشروع جامعة الملك سلمان وغيره مما ينفذه الجيش في جنوب سيناء، الأمر الذي استدعى في تلك اللحظة تدخل السيسي لإعادته لمنصب رفيع في الجيش، بهدف إعادة اللُحمة للقوات المسلحة وإسكات الحديث المتصاعد؛ سواء عن توابع الفساد المالي أو عدم ردّ الاعتبار لعسكر، الذي يحظى بشعبية كبيرة في الجيش بسبب خدمته الطويلة في الجيش الثالث الميداني وسلاح المشاة.

ولم يكتف السيسي بإعادة عسكر لمنصب كبير، بل منحه سلطات واسعة بالفعل، زادت بمرور الوقت في إطار تنظيم العلاقة بين الجيش والمؤسسات الحكومية المدنية، والإشراف على المشروعات المرفقية والخدمية في محافظات سيناء والقناة والدلتا تحديداً.

وبحسب المصادر، أصبح عسكر في العامين الأخيرين صاحب الكلمة الأولى والأهم في مجال التعاون بين المحافظين والمحليات والهيئة الهندسية، وملف مخالفات البناء الذي أسنده السيسي للجيش خلال الحملة الرسمية الكبرى بشأنها في 2020. كما ترأس خلال الأشهر الماضية، اللجان المشتركة بين الجيش والمحليات، لمراجعة شروط البناء وقيود الارتفاعات القصوى في القرى والمدن الإقليمية. كما يشرف عسكر على المشروع القومي لإقامة التجمعات البدوية في سيناء، والذي يهدف إلى تطوير عمراني وسكني متكامل الخدمات والمرافق من طرق ومحاور وإمدادات طاقة وشبكات ري الزراعة واستصلاح الأراضي، ويتضمن تطوير الطرق والمحاور الرئيسية لمدينة العريش، وتطوير الطرق والمحاور بشرم الشيخ، وجامعة الملك سلمان بفروعها الثلاثة.

وقبل توليه رئاسة هيئة عمليات القوات المسلحة، كان عسكر يشغل منصب مساعد القائد العام للقوات المسلحة لشؤون تنمية سيناء، وهو المنصب الشرفي الذي عينه السيسي فيه، بعد إطاحته من منصب قائد قوات شرق القناة لمكافحة الإرهاب وتنمية سيناء.

العلاقة بين السيسي وعسكر متميزة للدرجة التي دفعت الأول لاستحداث وظائف بعينها للثاني

وفي 31 يناير/كانون الثاني الماضي، قال السيسي، إن الحرب على الإرهاب صعبة وستستغرق وقتاً طويلاً وإن ثمنها يدفعه الجيش والشعب. وجاء ذلك في كلمة ألقاها السيسي عقب لقائه مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وظهر خلالها محاطاً بقيادات عليا في الجيش. وأسفر اجتماع السيسي مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، عن قرار جمهوري يعيد هيكلة قيادة العمليات العسكرية في سيناء. وجاء هذا الاجتماع بعد يومين من تعرض قوات الجيش المصري في سيناء لأعنف هجوم إرهابي منذ الثالث من يوليو/تموز 2013، إذ تجاوز عدد ضحايا الهجوم 40 قتيلاً من جنود وضباط الجيش والشرطة بالإضافة إلى إصابة قرابة 60 من بينهم مدنيون.

وكان المجلس الأعلى للقوات المسلحة المنعقد برئاسة السيسي قد أصدر قراراً بتشكيل قيادة موحدة لـ"منطقة شرق القناة ومكافحة الإرهاب" وتعيين اللواء أسامة عسكر قائداً للمنطقة وترقيته إلى رتبة فريق. وحينها أمر السيسي عسكر بـ"تطهير سيناء من الإرهاب" خلال 6 أشهر، لكنه لم يفعل وأزاحه السيسي من منصبه، لكنه أعاده بعد ذلك رئيساً لعمليات القوات المسلحة، والتي بطبيعة الحال، تؤهل رئيسها إلى شغل منصب رئيس الأركان بعد ذلك.

وخلف عسكر في منصب رئيس أركان القوات المسلحة، الفريق محمد فريد حجازي، الذي تم تعيينه مستشاراً لرئيس الجمهورية لمشروع "حياة كريمة". وقد جاء قرار السيسي بعد نحو 24 ساعة فقط من مشاركة الفريق حجازي في إحدى مراحل المشروع التكتيكى "بجنود" الذي تنفذه إحدى وحدات الجيش الثالث الميداني، وفي وقت كان تم ترشيح اسم الفريق حجازي أخيراً لخلافة الفريق أول محمد زكي، في منصب وزير الدفاع. وتشابه قرار الإطاحة بفريد حجازي بدرجة كبيرة مع قرار الإطاحة بسابقه الفريق محمود حجازي رئيس الأركان الأسبق، إذ تمت الإطاحة بصهر الرئيس بينما كان عائداً لتوه من العاصمة الأميركية واشنطن، حيث كان شارك في اجتماع القادة العسكريين للدول المشاركة في مكافحة الإرهاب.

وتدرج الفريق أسامة عسكر في المناصب العسكرية حيث تولى قائد لواء في المنطقة المركزية العسكرية، وبعدها قائداً للفرقة 23 في الجيش الثالث الميداني، وترقى إلى رتبة لواء في 1 يوليو/تموز 2009، وعقبها تولى رئيس فرع العمليات في هيئة عمليات القوات المسلحة، ثم رئيساً لأركان الجيش الثالث الميداني، ثم قائداً للجيش الثالث في 13 أغسطس/آب 2012، خلفاً للفريق أول صدقي صبحي، وزير الدفاع الأسبق. وهو من مواليد محافظة الدقهلية في 1 يونيو/حزيران 1958، وخريج الدفعة 70 حربية، ولديه 3 أولاد، جميعهم مهندسون مدنيون، وحاصل على ماجستير في العلوم العسكرية وزمالة أكاديمية ناصر العسكرية العليا.

المساهمون