قرار التقسيم وحل الدولتين... نحو دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية الواحدة

30 يونيو 2024
طالب أميركي يرفع لافتة "من النهر إلى البحر فلسطين ستكون حرة" (سيلال جونز/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- "طوفان الأقصى" يعيد النقاش حول الدولة الفلسطينية وحل الدولتين، مع التركيز على التباينات بين المشاريع السياسية المطروحة والشكوك حول أسس هذا الحل.
- قرار التقسيم "181" يقترح نموذجًا فيدراليًا يضمن التعايش والتعاون، مع رفض التهجير القسري وضمان حقوق المواطنين وإنشاء مجلس اقتصادي مشترك.
- يبرز النص أهمية مشروع "الدولة الفلسطينية الديمقراطية العلمانية الواحدة" كحل يضمن حقوق جميع سكان فلسطين، معتبرًا قرار التقسيم أساسًا لرفض "حل الدولتين".

أعاد "طوفان الأقصى" الحديث بشأن الدولة الفلسطينية على الصعيد الدولي، ومعه تزايد الحديث عن "حلّ الدولتين"، وبدرجةٍ أقلّ عن قرار التقسيم "181"، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتّحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 1947. اللافت للنظر هنا هو التباينات العميقة بين كلٍّ من تلك المشاريع السياسية المطروحة دوليًا بشأن الدولة الفلسطينية، سواء من القرار "181" إلى "حلّ الدولتين"، إذ يروج بعضهم إلى أنّ "حلّ الدولتين" منبثقٌ من قرار التقسيم، وهو أمرٌ خاطئٌ كلّيًا، في حين يرده البعض إلى القرار 242؛ الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 22/11/1967 بإجماع الأصوات، وهو أيضًا أمرٌ خاطئٌ. فحلّ الدولتين طرحٌ سياسيٌ مشبوهٌ ومبهمٌ وغير مسندٍ إلى أيّ قرارٍ دوليٍ يوضح أسسه وركائزه الرئيسية.

لذا وفي ظلّ إعلان بعض الدول اعترافها أحادي الجانب بـ"دولة فلسطين"، وتضمين إعلانها هذا نقطتين مهمّتين، الأولى توافق الاعتراف بالدولة الفلسطينية مع القرارات الأممية، والثانية أن مسار السلام الوحيد هو "حل الدولتين". كما، وفي ظلّ تنامي التحركات الشعبية العالمية المناصرة للحقوق الفلسطينية، لا بدّ من التأكيد على عدم توافق أو تماشي "حلّ الدولتين" مع القرارات الدولية؛ إذ لم يرد نصًا في أيٍّ منها، وفي مقدمتها قرار التقسيم "181"، المجحف أصلاً بحقوق شعب فلسطين الأصلي. بيد أن قرار التقسيم بنصوصه العديدة يمثّل مدخلاً قانونيًا وسياسيًا صلبًا لرفض "حلّ الدولتين"، وللتأسيس لإعادة طرح مشروع "الدولة الفلسطينية الديمقراطية العلمانية الواحدة" على كامل فلسطين، دولةً لكل مواطنيها الأصليين والمقيمين فيها، من المتحررين من عنصرية الاحتلال الصهيوني، ومن ممارساته الإجرامية والإرهابية المتمثلة في التطهير العرقي والإبادة الجماعية والعقاب الجماعي والتهجير القسري وسواها من الجرائم.

من هنا علينا التمعن في ثلاثة مفاصل مهمّة تضمّنها قرار التقسيم، الذي تبنّى مشروعًا لإقامة دولتين متجاورتين مستقلتين عربيةٍ ويهوديةٍ، وحكمًا دوليًا خاصًا في مدينة القدس، واتّحادًا اقتصاديًا بين الكيانات أو الأقاليم الثلاثة.

يدير هذا المجلس شؤونًا عديدةً وحيويةً لصالح الكيانات الثلاثة المفترض نشوؤها، ما يجعلها هيئة حكوميةً عليا

أولاً: قرار التقسيم "181"

1-    التهجير القسري

لم يتضمن قرار التقسيم أيّ حديثٍ أو إشارةٍ لتبني سياسية التهجير القسري، بل على العكس تضمن القرار نصوصًا عديدةً تؤكد على رفض الترحيل والتهجير القسري بكل أنماطه. إذ لم يدعُ القرار العرب والفلسطينيين إلى مغادرة قراهم ومدنهم وأحيائهم الموجودة في الدولة اليهودية المفترضة، من أجل الانتقال إلى الدولة الفلسطينية، بل أكد على حقّهم في البقاء في مدنهم وبلداتهم وأحيائهم ذاتها، وحقّهم باختيار جنسيتهم وفق الدولتين المقترحتين. كما هو موضحٌ في النص المبوب تحت فقرة "المواطنة": "إن المواطنين الفلسطينيين المقيمين في فلسطين خارج مدينة القدس، والعرب واليهود المقيمين في فلسطين خارج مدينة القدس- وهم غير حائزين على الجنسية الفلسطينية- يصبحون مواطنين في الدولة التي يقيمون فيها، ويتمتعون بالحقوق المدنية والسياسية جميعها بمجرد الاعتراف باستقلال الدولة؛ ويجوز لكل شخص تجاوز الثامنة عشرة من العمر خلال سنة من يوم الاعتراف باستقلال الدولة التي يقيم فيها، أن يختار جنسية الدولة الأخرى شرط ألا يكون لأي عربي يقيم في الإقليم العربي المقترح، الحق في اختيار جنسية الدولة اليهودية المقترحة، وألا يكون لأي يهودي يقيم في الدولة اليهودية المقترحة الحق في اختيار جنسية الدولة العربية المقترحة".

كما نص البند (8) من "الحقوق الدينية وحقوق الأقليات" على: " لا يجوز أن يسمح بنزع ملكية أي أرض تخص عربياً في الدولة اليهودية أو يهودياً في الدولة العربية إلا للمنفعة العامة". وهو ما يؤكد مجددًا على رفض التهجير القسري، وعلى رفضٍ مبدئي الاستيلاء على الأراضي، وتبادل الأراضي، الذي يروج له الاحتلال وداعموه الدوليون، في سياق "حلّ الدولتين".

2-    دستور ديمقراطي

كما تضمن القرار المعايير التي يجب على دستور الدولتين تبنّيها، ومن أهمّمها حقوق كلّ مواطنيها المتساوية من دون أيّ تمييزٍ عرقيٍ أو دينيٍ أو أثنيٍ أو طائفيٍ. مع إشارته إلى ضرورة أن تعكس الهيئة التشريعية في كلّ دولةٍ تمثيل مواطنيها النسبي. إذ نص البند (10)، من "خطوات تمهيدية للاستقلال" على: " تأسيس هيئة تشريعية في كل دولة، تنتخب بالتصويت العام، وبالاقتراع السري، على أساس التمثيل النسبي؛ وهيئة تنفيذية مسؤولة أمام الهيئة التشريعية". كما نص أيضًا على: "تكفل الدولة لكل شخص- وبغير تمييز- حقوقاً متساوية في الشؤون الدينية والمدنية والاقتصادية، والتمتع بحقوق الإنسان وبالحريات الأساسية، بما في ذلك حرية العبادة، وحرية استعمال اللغة التي يريدها، وحرية الخطابة والنشر والتعليم وعقد الاجتماعات وإنشاء الجمعيات".

كذلك نص البند الثاني من "الحقوق الدينية وحقوق الأقليات" على: " لا يجوز التمييز بين السكان بأي شكل من الأشكال، بسبب الأصل أو الدين أو اللغة أو الجنس".

3-    الاتّحاد الاقتصادي

وفق نص القرار "181"؛ ينشأ مجلسٌ اقتصاديٌ مشتركٌ يتكون من ثلاثة ممثلين لكلّ من الدولتين، ومن ثلاثة أعضاء أجانب، يعينهم المجلس الاقتصادي والاجتماعي لمنظّمة الأمم المتّحدة، ويعين الأعضاء الأجانب أوّل مرّة لفترة ثلاث سنوات، ويمارسون وظائفهم بصفتهم الشخصية فقط، وليس كممثلين لدولهم. إذ يدير هذا المجلس شؤونًا عديدةً وحيويةً لصالح الكيانات الثلاثة المفترض نشوؤها، ما يجعلها هيئة حكوميةً عليا.

كذلك نص القرار "181" على مسؤوليات الاتّحاد الاقتصادي المقترح، التي تشمل وحدةً جمركيةً، ونظامًا نقديًا مشتركًا، يتضمن سعر صرفٍ واحدًا، وإدارةً مشتركةً للسكك الحديدية والطرق المشتركة، ومرافق البريد والهاتف والبرق، والموانئ والمطارات المستعملة في التجارة الدولية، وإنماءً اقتصاديًا مشتركًا، يتضمن الري واستصلاح الأراضي، ووصولًا عادلًا من دون تمييزٍ لمصادر المياه والطاقة، واشتراك الدولتين في عقد جميع الاتّفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصّة بالتعريفات الجمركية، كما نص على حرية الزيارة والمرور، بل وحتّى الإقامة، لسكان الأقاليم/ الكيانات الثلاثة في ما بينها، من دون أيّ تقيدٍ يذكر، باستثناء الإجراءات الأمنية الضرورية والطبيعة.

لم يتضمن قرار التقسيم أيّ حديثٍ أو إشارةٍ لتبني سياسية التهجير القسري، بل على العكس تضمن القرار نصوصًا عديدةً تؤكد على رفض الترحيل والتهجير القسري بكل أنماطه

وفقًا لذلك يصبح المجلس الاقتصادي بمثابة حكومةٍ عليا، أعلى من سلطات الحكومات أو الهيئات التشريعية في الأقاليم الثلاثة، تدير المرافق المشتركة الضرورية للنشاط والتنمية الاقتصادية، كما يتولى إدارة علاقات كلا الدولتين الاقتصادية الخارجية، وذلك عبر التوافق بين أعضائه.

ثانيًا: قرار التقسيم والنظام الفيدرالي ودولة فلسطين الديمقراطية الواحدة

يجد الكاتب في قرار التقسيم "181" دعوةً دوليةً مبطنةً لإنشاء نظامٍ فيدراليٍ في فلسطين، يضم حكومةً فيدراليةً تدير المرافق المرتبطة بالنشاط الاقتصادي الخارجي، والنظام المالي، وعملية التنمية، والعلاقات الاقتصادية الخارجية، وحكمًا ذاتيًا ثلاثيًا فلسطينيًا ويهوديًا ودوليًا في القدس، كي يضمن استقلالية كلّ منها، وحرية سكان الأقاليم الثالثة، وحقّهم في التنقل والإقامة والعمل والتعبير والنشاط، وحقوقهم الجماعية والفردية والثقافية والدينية، من دون أيّ تمييزٍ عرقيٍ أو دينيٍ أو قوميٍ.

يتطابق هذا النموذج مع تعريف النظام الفيدرالي المبسط والشامل لـ"رونالد ل. واتس"، الوارد في كتابه المرجعي "الأنظمة الفيدرالية"، فوفقًا له يعتبر النظام الفيدرالي: "مزيجًا من الحكم المشترك لأغراض معينة، وحكما ذاتيا إقليميا لأغراض أخرى، ضمن نظام سياسي واحد، بحيث لا يكون الواحد من هياكل الحكم هذه خاضعًا للآخر، وقد تم تطبيقها بأشكال مختلفة لتتلاءم مع ظروف مختلفة".

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

من ذلك كلّه؛ يغدو قرار التقسيم دعوةٌ دوليةٌ مبطنةٌ وصريحةٌ لرفض مبدأ تقسيم فلسطين إلى دولتين منفصلتين ومستقلتين، الذي تصر الولايات المتّحدة على تكراره دائمًا وأبدًا، كما تصر على فرضه على مجمل المجتمع الدولي، تحت شعار "حلّ الدولتين". وهو ما يتوافق مع ما توصلت إليه حكومة الاحتلال البريطاني/ الانتداب أثناء سيطرته على كامل الأراضي الفلسطينية قبل النكبة، وخصوصًا ما تضمنه تقرير لجنة وودهيد 1938 بـ"استحالة تقسيم فلسطين بطريقةٍ عادلةٍ ومقبولةٍ من قبل الجانبين، وعليه لن يُكتَب للتقسيم النجاح". وكذلك في الكتاب الأبيض الرابع، الذي أصدرته الحكومة البريطانية في 25/5/1939، والذي دعت فيه مجبرةً بالدلائل والحقائق والمؤشرات والوقائع الراسخة إلى: " إقامة دولةٍ فلسطينيةٍ ديمقراطيةٍ تشمل كلّ فلسطين الانتدابية غربي نهر الأردن، ويتمثّل فيها جميع سكانها من عربٍ ويهودٍ على قاعدة التمثيل النسبي".

لكن ونتيجة الرفض الصهيوني أولاً، والدعم الأميركي ثانيًا، والمصلحة الإمبريالية ثالثًا، كان قرار التقسيم هروبًا بريطانيًا إلى الأمام، عبر الالتفاف على الكتاب الأبيض الرابع، وعلى استحالة تقسيم فلسطين نحو الدعوة إلى اتّحادٍ فيدراليٍ مبطنٍ، من دون ذكر ذلك حرفيًا، تسهل مقاربته سياسية لاحقًا على اعتباره بوابةٌ لتقسيم قسرٍ وتعسفٍ لا يحترم ولا يأخذ بحقوق سكان فلسطين الأصلين الأساسية والإنسانية والسياسية والتاريخية، كما في "حلّ الدولتين".

من هنا يجد الكاتب إنّ القرار "181" هو قرارٌ لإنشاء دولةً فيدراليةً واحدةً تضم ثلاثة أقاليم، القدس وعربي ويهودي، يحكم كلا منها حكومة منتخبة، وهيئة تشريعية منتخبة من قبل ساكنيها بغض النظر عن هويتهم الدينية والقومية والإثنية، على قاعدة التمثيل النسبي لجميع السكان، مع ضمان جميع الحقوق الفردية والجماعية، بما فيها حقّ استخدام اللغة والعبادة وزيادة الأماكن الدينية، والانتخاب، فضلاً عن الحقّ في التملك والإقامة والتنقل بحريةٍ كاملةٍ في كامل فلسطين التاريخية.

قرار التقسيم بنصوصه العديدة يمثّل مدخلاً قانونيًا وسياسيًا صلبًا لرفض "حلّ الدولتين"، وللتأسيس لإعادة طرح مشروع "الدولة الفلسطينية الديمقراطية العلمانية الواحدة" على كامل فلسطين

من هنا يجد الكاتب في الرؤية الفلسطينية التي عبر الفلسطينيون عنها قبل النكبة وبعدها، خصوصًا في ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية الأساسي، تقاطعاتٍ عديدةً مع هذا التوجه، أكثر بكثير من أي حلٍّ أو مشروعٍ سياسيٍ آخر، وتحديدًا "حلّ الدولتين". إذ لطالما دعا الفلسطينيون إلى إقامة دولةٍ فلسطينية ديمقراطيةٍ علمانيةٍ واحدةٍ لجميع سكان فلسطين الأصليين ولسكانها من أتباع الديانة اليهودية؛ المتحررين من العقيدة الصهيونية العنصرية والفاشية، والرافضين لجرائمها المتكررة (الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير القسري)، دولةٌ واحدةٌ لا تمييز بين أيٍّ من مواطنيها بالحقوق والواجبات، الأمر الذي يضمن حقوق جميع سكان فلسطين، في ظلّ نظامٍ قانونيٍ وسياسيٍ تقدميٍ وعادلٍ يطبق على الجميع من دون أيّ تمييزٍ.

بناءً عليه وبعد "طوفان الأقصى"، وبعد عولمة القضية الفلسطينية؛ يعتقد الكاتب أنّنا بحاجةٍ إلى إعادة طرح هذا البرنامج مجددًا، وتعريف شعوب العالم به، كما علينا تعريفهم بماهية الحقوق الفلسطينية المستلبة منذ النكبة، وبحيثيات القرارات الدولية ذات الصلة، وفي مقدمتها القرار "181".