قرارات تعيد الجدل بين الرئاسي الليبي ومجلس النواب

30 ابريل 2025
رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي في الرياض، 9 ديسمبر 2022 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أصدر المجلس الرئاسي في ليبيا ثلاثة مراسيم مثيرة للجدل تشمل إلغاء قانون المحكمة الدستورية وتشكيل مؤتمر للمصالحة الوطنية وإنشاء مفوضية للاستفتاء، مما أدى إلى توقف المجلس عن إصدار المزيد من المراسيم بعد اعتراض عضو المجلس عبد الله اللافي.

- طالب رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي مفوضية الانتخابات باتخاذ إجراءات لطرح الدستور للاستفتاء وملء المقاعد الشاغرة في مجلس النواب، مشدداً على ضرورة تنفيذ المفوضية لواجباتها القانونية.

- انتقد مجلس النواب والحكومة المكلفة في بنغازي المراسيم الرئاسية، معتبرينها اعتداءً على اختصاصات مجلس النواب، وأكد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح أن السلطة التشريعية هي المختصة بإصدار القوانين.

أصدر المجلس الرئاسي في ليبيا ثلاثة قرارات رئاسية حول إلغاء العمل بقانون المحكمة الدستورية والمصالحة الوطنية وإنشاء مفوضية للاستفتاء، أثارت جدلاً ورفضاً، ما اضطره إلى وقف إصدار المزيد من المراسيم. وفي أول مراسيمه، أعلن المجلس الرئاسي عن وقف العمل بقانون المحكمة الدستورية؛ الذي أصدره مجلس النواب في مارس/ آذار 2023، "نظراً لعدم دستورية هذا القانون بموجب حكم الدائرة الدستورية العليا".

وأوضح في مرسومه الثاني تشكيل "المؤتمر العام للمصالحة الوطنية" وكيفية انتخاب أعضائه، فيما تضمن المرسوم الثالث تفعيل قراره الذي أصدره في أغسطس/ آب الماضي بشأن إنشاء وتشكيل "المفوضية العليا للاستفتاء" وبدء أعمالها بمراجعة القوانين والتشريعات الصادرة عن الأجسام السياسية القائمة حالياً في البلاد. وأوضح المجلس الرئاسي في مراسيمه الثلاثة أنه استند "إلى مخرجات ملتقى جنيف، حيث يتولى المجلس الرئاسي صلاحياته في إصدار القرارات اللازمة لحماية المسار السياسي".

ورغم أن المراسيم الثلاثة صدرت بتوقيع المجلس الرئاسي، إلا أن عضو المجلس الرئاسي عبد الله اللافي أبدى اعتراضه على صدورها، الذي "يتطلّب قراراً جماعياً للمجلس، ولا يمكن الانفراد به"، في إشارة إلى أن المراسيم الثلاثة لم تحظ بموافقة أعضاء المجلس الرئاسي. واعتبر اللافي، في منشور عبر صفحته على "فيسبوك"، أن "أي إعلان منفرد لا يُمثّل المجلس الرئاسي مجتمعاً، ولا يُرتب أثراً دستورياً أو قانونياً، وهو والعدم سواء".

ومساء اليوم، وجه رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي خطاباً إلى رئيس مفوضية العليا الانتخابات عماد السايح، أمهله فيه 30 يوماً لاتخاذ إجراءات حول جملة من القضايا، وهي طرح الدستور على الشعب للاستفتاء عليه، وملء المقاعد الشاغرة في مجلس النواب، وعرض قرار مجلس النواب التمديد لنفسه على الاستفتاء الشعبي.

وفيما شدد المنفي على ضرورة أن تنفذ المفوضية واجباتها القانونية لتمكين الشعب الليبي من حقه "في ممارسة سيادته عبر صناديق الاقتراع"، وجه تساؤلاته إلى المفوضية حول عدم قيامها "بالوفاء بالتزاماتها الدستورية الواردة بنصوص قطعية الدلالة، وغير قابلة للتعليق أو التأجيل خارج مقتضى الضرورة القانونية". وأوضح المنفي تلك الالتزامات الدستورية في ثلاث قضايا، الأولى منها "عدم تنفيذ الاستحقاق الدستوري المتمثل في الاستفتاء على مشروع الدستور المنجز من الهيئة التأسيسية المنتخبة"، مشيراً إلى أن الإعلان الدستوري يلزم المفوضية "إجراء الاستفتاء خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدور قانون الاستفتاء، وهو القانون الذي جرى التوافق بشأنه في اتفاق الغردقة في يناير/ كانون الثاني 2021 بين مجلسي النواب والدولة، واعتمده المجلس الأعلى للدولة، برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا".

والقضية الثانية، بحسب المنفي، "عدم تنفيذ الاشتراط الدستوري المؤجل لاعتبارات أمنية، والمتعلق بعرض قرار مجلس النواب القاضي بالتمديد لنفسه على الاستفتاء الشعبي، وفقاً للتعديل التاسع للإعلان الدستوري، على الرغم من زوال أسباب التأجيل الأمني وانكشاف مبرراته". أما ثالث القضايا، فهي "بشأن عدم قيامكم باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لملء المقاعد الشاغرة بمجلس النواب"، في إشارة إلى شغور ما يزيد عن خمسين مقعداً في مجلس النواب، بسبب استقالات بعض أعضائه ووفاة بعضهم الآخر.

إل ذلك، دافع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح عن شرعية قانون مجلس النواب لإنشاء المحكمة الدستورية، على الرغم من أنه واجه جدلا ورفضا وقتها من مختلف الأوساط الليبية، بل واعتبر إصدار المجلس الرئاسي مرسوما بإلغاء قوانين يصدرها مجلس النواب "تغولا على عمل السلطة التشريعية".

وأكد صالح، في تصريح نشره مكتبه الإعلامي، أن "السلطة التشريعية هي المختصة بإصدار القوانين في البلاد، ولا يمكن لأي جهة أخرى إصدار القوانين إلا إذا نص الدستور على إعطاء هذه الصلاحية لرئيس الدولة المنتخب، في حال غياب السلطة التشريعية عند الضرورة".

وذكر صالح أن "الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي لم يعطيا أحداً صلاحية إصدار القوانين غير السلطة التشريعية"، معتبرا أن مراسيم المجلس الرئاسي "منعدمة ولا أثر لها"، وأن المجلس "يرقى إلى تعطيل عمل المؤسسات الشرعية".

وحول المحكمة الدستورية، أوضح صالح أن "المُشرِّع هو الذي أعطى المحكمة العليا صلاحية النظر في دستورية القوانين، وهو نفسه الذي أعطى المحكمة الدستورية العليا هذا الاختصاص في إطار السلطة التقديرية التي منحها له الإعلان الدستوري".

وفيما لم يصدر عن حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس أي تعليق على مراسيم المجلس الرئاسي، هاجمت الحكومة المكلفة من مجلس النواب في بنغازي هذه المراسيم، معتبرة إياها "اعتداء على اختصاص مجلس النواب"، وأن هذه المراسيم "لا تصدر إلا عن رئيس الدولة أو من يخوله الدستور بذلك، ويشترط غياب أو حل السلطة التشريعية، وهو ما لم يحصل". بل شددت الحكومة على أن المجلس الرئاسي "لا يملك الصلاحيات لفرض استمرار شرعيته في إلغاء القوانين أو درجات وأنواع المحاكم لا سيما المحاكم الدستورية"، وأكثر من ذلك وصفت المجلس الرئاسي بــ"منتهي الولاية".

لم يصدر عن حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس أي تعليق على مراسيم المجلس الرئاسي

وفي إشارة إلى أن المراسيم الرئاسية أصدرها رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، قالت إن الأخير "لطالما رفع شعارات رفض القرارات أحادية الجانب، إلا أنه انفرد لنفسه بإصدار القرارات، بل وحتى ألغى وجود باقي هيئة الرئاسة التي اشترط الاتفاق السياسي موافقتها بالإجماع لإصدار أي قرارات ضمن حدود صلاحياته".

وفي الوقت الذي لم يصدر فيه حتى الآن أي توضيح من جانب المنفي، والمجلس الرئاسي مجتمعا، حول هذه المراسيم وشرعيتها، أفاد مصدر مقرب من المجلس الرئاسي بأن اعتراض اللافي الذي صدر فور بدء اعلان المراسيم "اضطر المنفي للتوقف عن الاستمرار في إصدار عدد من المراسيم الأخرى التي كان يستعد لإعلانها".

وحول فحوى المراسيم الأخرى التي لم يعلنها المجلس، أوضح المصدر أن بعضها يمسّ أعمال مجلس النواب وصلاحياته التشريعية، بينما تتعلق أخرى بإلزام البعثة الأممية بإشراك المجلس الرئاسي في الاطلاع على فحوى نتائج أعمال اللجنة الاستشارية المكلفة من البعثة الأممية بالنظر في الخلافات في القوانين الانتخابية، قبل إصدارها.

وفيما يكشف موقف اللافي عن الخلافات العميقة بين أعضاء المجلس الرئاسي، المكون من رئيس المجلس محمد المنفي، وعضوية موسى الكوني وعبد الله اللافي، إلا أن المجلس سبق أن دخل في مناكفات وخلافات مع مجلس النواب، لا سيما إبان إقالته محافظ المصرف المركزي السابق في أغسطس/آب الماضي، ودفع مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة إلى حوارات لاختيار محافظ بديل وتشكيل مجلس إدارة متكامل للمصرف.

وفي أثناء أزمة المصرف المركزي، خلال شهري أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول الماضيين، أصدر المجلس الرئاسي قرارا بإنشاء المفوضية العليا للاستفتاء، وتحديد مهامها في طرح القرارات ذات الطبيعة الدستورية والسياسية والقانونية التي تصدرها الأجسام السياسية القائمة في البلاد على الشعب للاستفتاء عليها، ما دفع مجلس النواب إلى الاعتراض على إنشاء المفوضية.

كما طالب المجلس الرئاسي، وقتها، مجلس النواب بضرورة إعادة النظر في إصداره قانون إنشاء محكمة دستورية، مؤكدا على عدم دستورية إنشاء المحكمة من قبل مجلس النواب، في إطار ضرورات الفصل بين السلطات القضائية والتشريعية، إلا أن مجلس النواب تمسك بقانونه.

وفي مواجهة قرارات المجلس الرئاسي، أصدر مجلس النواب قرارا، نهاية أغسطس الماضي، أعلن فيه انتهاء ولاية المجلس الرئاسي، باعتبار انتهاء آجال ملتقى جنيف، الذي تشكل بموجبه المجلس الرئاسي، وسحب صلاحياته ونقلها إلى مجلس النواب، ومنها صلاحية قيادة القوات المسلحة، والإشراف على تنفيذ المصالحة الوطنية.

المساهمون