قراءة في دلالات نَزع السلاح من قطاع غزة

28 ابريل 2025
من استهداف جيش الاحتلال المستشفى المعمداني الأهلي، 13 /4/ 2025 (حمزة قريقع/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- انتقدت لجنة المتابعة الفلسطينية مقترح وقف إطلاق النار في غزة الذي يتضمن نزع سلاح المقاومة، معتبرةً أن هذا الطلب يمثل كسرًا للتابوهات الوطنية، خاصةً أنه جاء من طرف عربي يُفترض أن يكون داعمًا للمقاومة.

- يُعتبر سلاح المقاومة في غزة حقًا مشروعًا وفق القانون الدولي وجزءًا من تراث الشعب الفلسطيني، ورفضت العائلات في غزة تسليم سلاحها سابقًا، مما يعكس ارتباطه بالهوية والمقاومة.

- نزع السلاح يعني التخلي عن الحق في الكفاح، وتحويل القضية الفلسطينية إلى قضية إنسانية بحتة، بينما احتفاظ غزة بسلاحها يعكس استعداد الشعب للدفاع عن قضيته وحقوقه.

انتقدت لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية، في بيانٍ رسميٍ، المقترح الجديد لوقف إطلاق النار في قطاع غزّة، الذي تضمن المطالبة بنَزع سلاح المقاومة. وقد جاء في مقترح الهدنة المُقدم للمقاومة في البند السادس فقرة "ج" عبارة (نَزع سلاح غزّة)، والسؤال هنا ما الذي نقل حيثيات التفاوض ومقترحاته من الانتقال إلى المرحلة الثانية وإنهاء الحرب وتبادل الأسرى إلى نَزع سلاح غزّة؟ وما المقصود بسلاح غزّة؟ فما هي دلالات استحضار سلاح غزّة ووضعه على طاولة النقاش كأحد محددات إنهاء الحرب؟

أول مرّةٍ في تاريخ المقاومة الفلسطينية المعاصر يوضع سلاح المقاومة على طاولة النقاش، لا لدمجه وتوحيده تحت إطارٍ وطنيٍ شاملٍ جامعٍ، بل لنَزعه، وبالتالي كسر أحد أهمّ التابوهات الوطنية الفلسطينية، سلاح المقاومة. المفارقة أنّ حامل المقترح طرفٌ عربيٌ يفترض أن يكون ظهيرًا مساندًا للمقاومة الفلسطينية، ووسيطًا ضامنًا للانتقال إلى المرحلة الثانية من الهدنة.

سلاح المقاومة حقٌ مكفولٌ ومشروعٌ في القانون والعرف الدوليين، ومن حقّ أيّ شعبٍ مُحتلٍ أن يتبنى الكفاح المسلح فكرًا وممارسةً حتّى تقرير مصيره

يعلم العالمون بقطاع غزّة برفض العائلات والعشائر في قطاع غزة مراتٍ عديدةٍ تسليم سلاحها لأجهزة أمن السلطة في عهدي فتح وحماس، فكيف يُطلب من غزّة نَزع سلاحها؟ وبالتالي الأمر هنا لا يتعلق بمحددات لعبةٍ سياسيةٍ، لكنه جزءٌ من تراث وعقيدة وفكر وطريقة الحياة في غزّة، تلك العائلات هي الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية.

يعني وضع سلاح المقاومة في قطاع غزّة على طاولة النقاش تحقيق الهزيمة النفسية؛ وكي الوعي الفلسطيني، ويعني نجاح إسرائيل في تحقيق ما عجزت عنه بالقوّة العسكرية عندما تضع نّزع السلاح شرطًا لوقف الإبادة. الهزيمة النفسية، وهزيمة الوعي أخطر من الهزائم العسكرية، هذا ما تسعى إليه إسرائيل وتُريده، مثلًا اعترفت منظّمة التحرير بإسرائيل، ولم تكن الثانية بحاجةٍ للاعتراف، لكن لتنتزع الشرعية القانونية بأحقية أن تستمر المنظّمة في المقاومة؛ فهل تحقق للمنظّمة ما كانت تصبو إليه من اتّفاق أوسلو؟ وهل التزمت إسرائيل؟ وهل توقفت جرائمها في الضفّة الغربية؟ هل حدث في التاريخ أن تخلت حركة تحررٍ وطنيٍ عن سلاحها! حتّى يطلب من المقاومة في غزة نَزع سلاحها؟

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

عمليًا؛ عندما وافقت منظّمة التحرير على مغادرة لبنان، وتَركت مخيّمات اللاجئين من دون سلاح، وفق شروط وقف الحرب على لبنان، ماذا كانت النتيجة في صبرا وشاتيلا؟ كيف تنزع غزّة سلاحها مع عدوٍ لا يتوقف عن ارتكاب جرائم الإبادة؟ ورئيس وزرائه مطلوبٌ لمحكمة الجنايات الدولية!

سلاح المقاومة حقٌ مكفولٌ ومشروعٌ في القانون والعرف الدوليين، ومن حقّ أيّ شعبٍ مُحتلٍ أن يتبنى الكفاح المسلح فكرًا وممارسةً حتّى تقرير مصيره؛ ويحضرني سؤالٌ هنا؛ هل تقبل إسرائيل مناقشة سلاحها النووي؟ والانضمام إلى اتّفاقية الحدّ من انتشار الأسلحة النووية في منطقة الشرق الأوسط!

نحن أمام مفارقةٍ غير مسبوقةٍ، ففي حين تزود الولايات المتّحدة إسرائيل بالقنابل والصواريخ والأسلحة الحارقة والخارقة للحصون، من أجل دك قطاع غزّة، تتبنى بعض الدول والنخب العربية مُقترح نَزع سلاح غزّة، وتمرّر رواية أنّ غزّة تتحمل المسؤولية عن استمرار الإبادة، وتُعفي الاحتلال الإسرائيلي من جرائم الحرب التي يرتكبها. يدرك هؤلاء أنّ سلاح غزّة الخفيف والمحدود والمُصنع محليًا لا يخل بالتوازن العسكري الاستراتيجي مع قوّة إسرائيل، ورغم ذلك يريدون نَزع سلاح غزّة أي أن تستسلم.

يعني وضع سلاح المقاومة في قطاع غزّة على طاولة النقاش تحقيق الهزيمة النفسية؛ وكي الوعي الفلسطيني، ويعني نجاح إسرائيل في تحقيق ما عجزت عنه بالقوّة العسكرية عندما تضع نّزع السلاح شرطًا لوقف الإبادة

إنّ احتفاظ غزّة بسلاحها والمحافظة عليه هو احتفاظٌ بالحقّ والمنطق والتاريخ والجغرافيا، ويعني في دلالاته أن هناك قضيةٌ فلسطينيةٌ شعبها مستعدٌ للدفاع عنها بكل ما يمتلك من مقومات القوة والصمود، تعني رمزية سلاح المقاومة أن هُناك شعبًا له حقٌّ؛ يتبنى المقاومة فكرًا وممارسةً؛ ومستعدٌ للفداء والارتقاء دفاعًا عن أرضه وحقّه ومقدساته.

يعني نَزع سلاح المقاومة التخلي عن الحقّ المشروع في الكفاح، وتحويل القضية الفلسطينية من قضية تحريرٍ ومن قضيةٍ سياسيةٍ إلى قضيةٍ إنسانيةٍ مطالبها المساعدات الإنسانية، وهذا مخالف لمبادئ النضال الفلسطيني، وفيه خيانةٌ وطنيةٌ لدماء الشهداء والأسرى والجرحى، الذين مضوا وضحّوا بأعمارهم وحياتهم من أجل المقاومة وسلاحها.

المساهمون