استمع إلى الملخص
- يركز حزب الله على تعزيز دوره في بناء الدولة اللبنانية، مع احتمالية تغييرات في سياسته الإقليمية بعد سقوط النظام السوري وتراجع الدعم الإيراني، كما أكد الأمين العام نعيم قاسم على أهمية العمل وفق اتفاق الطائف.
- يسعى حزب الله لاحتواء الخسائر والتركيز على إعادة الإعمار، مع الاستعداد للانتخابات النيابية 2026 لتعزيز تمثيله الشيعي، بينما يواصل دوره في المقاومة لتحرير الأرض.
مع تشييعه أمس الأحد أمينه العام حسن نصر الله، يدخل حزب الله مرحلة جديدة مليئة بالتحديات، أبرزها على المستوى المحلي، في ظلّ التحولات الإقليمية الكبرى التي ارتدّت مباشرة عليه، خصوصاً في سورية، وانتقال لبنان إلى "ضغوط أميركية" تحشد لتطويق الحزب وكسر هيمنته "العسكرية" والسياسية، مستغلة الخسائر التي مُني بها إبّان العدوان الإسرائيلي، وحاجة البلاد إلى إعادة الإعمار والنهوض اقتصادياً لفرض أجندته وشروطه.
ونجح حزب الله في أول "امتحان جماهيري" بعد الحرب، رغم تهديدات إسرائيل واعتداءاتها المستمرة وتحليق سرب طائراتها في أجواء تشييع نصر الله والأمين العام السابق هاشم صفي الدين بحشد حضور شعبي كثيف، من لبنان وإيران واليمن والعراق بشكل خاص، فيما حافظ على مستوى مشاركة إقليمية دبلوماسية متوقَّعة، باستثناء الحليف السوري الذي سقط في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي. جاء ذلك بينما شاركت الدولة اللبنانية بالمراسم ممثلة برئيس البرلمان نبيه بري ووزير العمل محمد حيدر، لتبقى المفاجأة المحلية بغياب الرئيس السابق ميشال عون، ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الذي أوفد ممثلين عنه، رغم التحالف الكبير بينهما؛ الذي سيطر على الحكم لسنوات طويلة، ما شكل امتعاضاً بالنسبة إلى أوساط الحزب.
ولا شكّ أنّ الأنظار ستتجه من اليوم فصاعداً إلى مسار حزب الله الخارج من سلسلة خسائر، أكثرها إيلاماً اغتيال نصر الله الذي تسلّم الأمانة العامة طوال 33 عاماً، وقاد المقاومة في كلّ الصراعات، والتحديات، والتحوّلات، وكما يبدو، فإنّ الاتجاه سيكون لبنانياً أكثر منه إقليمياً، الأمر الذي تمكن قراءته في كلمة الأمين العام نعيم قاسم التي تمحورت بشكل كبير حول المشاركة في بناء الدولة، مع إشارة لافتة إلى العمل وفق اتفاق الطائف.
على صعيد متصل، شيّع حزب الله، بعد ظهر اليوم الاثنين، الأمين العام السابق هاشم صفي الدين إلى مثواه الأخير في بلدته دير قانون النهر، جنوبي لبنان. وانطلق موكب التشييع عند الساعة الثالثة من بعد الظهر من أمام "حسينية سيد الشهداء"، وجاب شوارع البلدة باتجاه باحة المرقد، حيث كان في استقباله حشد من مناصري حزب الله، وقد تقدمتهم الفرق الكشفية وحملة الرايات.
ثوابت حزب الله في المرحلة الجديدة
ويقول عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسين جشي، لـ"العربي الجديد"، إن "التشييع كان استثنائياً جداً، ومن التشييعات الكبرى في التاريخ، وهذا يدل على أمرين، الأول صدق ووفاء الرجل، وعلى أهمية القضية التي حملها ودافع عنها واستشهد وابنه وأصحابه لأجلها". ويرى جشي أن "الحضور السياسي أتى في السياق الطبيعي، كل من هو منسجم مع المقاومة ومشروعها كان حاضراً، وهناك ناس لو أتينا لهم بالشهد والعسل ليسوا بوارد الانسجام مع مشروع المقاومة، لا بل هم مسلمون للمشروع الأميركي، ومن الطبيعي أن يغيبوا".
ويشير النائب اللبناني إلى أن الأمين العام "كان واضحاً أمس الأحد بالحديث عن ثوابت حزب الله في المرحلة الجديدة، ورفع شعار "إنّا على العهد"، فالمقاومة أساس وستبقى موجودة ما دام الاحتلال موجوداً وخطره موجود، وتطرق إلى ركائز أساسية منها إخراج المحتل وإعادة الأسرى وإعادة الإعمار، وهذا التزام أساسي للدولة، إلى جانب المشاركة في بناء الدولة، ودعم القضية الفلسطينية وغيرها من الثوابت".
ولفت جشي إلى أن "حزب الله لم يتغيّر، قبل وبعد استشهاد نصر الله، وشهادته تطمئننا بأننا نسير بالاتجاه الصحيح"، لافتاً إلى أنّ مشروع حزب الله "واضح بالتحرير وصون الأرض والقيم والثروات، بعكس المشروع الأميركي الذي سنواصل وقوفنا بوجهه، هو الذي يريد أن يسيطر على المنطقة وثرواتها ومقدراتها وقيمها، وسنبقى بمواجهة للمشروعين الأميركي والإسرائيلي".
ترقب لمسار حزب الله في المرحلة الجديدة
في الإطار، يقول الكاتب والمحلل السياسي جورج علم، لـ"العربي الجديد"، إنّ مشهدية أمس "جسّدت عاطفة كبيرة تجاه شخصية قيادية فقدها لبنان وحزب الله، وحاول الحزب بطبيعة الحال الاستقواء بشعبيته ونجح بذلك، فكان الحضور الشعبي كثيفاً وفاجأ ربما المجتمع الدولي". في المقابل، يردف علم "في تصوري، كان يوم أمس توديعاً لمرحلة وفتح مرحلة جديدة عبّر عنها الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم في النقاط التي وردت في خطابه، وركزت على دور الدولة في تحرير الأراضي اللبنانية وإتمام الانسحاب الإسرائيلي من النقاط التي لا يزال يتمركز فيها، والمشاركة في بناء الدولة القوية والعادلة والمساهمة في نهضتها على قاعدة المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وتحت سقف اتفاق الطائف، وهذا له معنى كبير يفسَّر بألا سلاح خارج سلاح الدولة".
ويضيف علم: "قاسم تحدث أيضاً عن استراتيجية دفاعية وضرورة إعادة الإعمار باعتبارها أولويةً، وقد بات واضحاً بذلك أن حزب الله أمام مرحلة جديدة قد تشهد عودة إلى السقف اللبناني، وهذا أمر مهم ومفيد ويمكن أن يعالج عبر مسارين، الأول أن تستكمل الدولة تحرير ما تبقّى من الجنوب، وإتمام الانسحاب الإسرائيلي الكامل، وأن تبادر فعلاً إلى إطلاق مشروع إعادة الإعمار".
ويعتبر المحلل اللبناني أنّ "التركيز سيكون لحزب الله على الساحة الداخلية برأيي، وقد تشهد سياسته الإقليمية تغيّراً، خصوصاً أنّ الوضع الذي كان يستند إليه على المستوى الإقليمي بات ضعيفاً، فسقط النظام السوري الذي كان دعامة أساسية له، فيما إيران تعاني من مشاكل اقتصادية ومصيرية، أما الحزب فلم يعد في موقع القوة نفسها، ما يجعله أمام تحديات وتطلعات جديدة وبحث في كيفية التكيف، ويبدو أنه بدأ يتكيف مع المتغيرات، وقد ترجم ذلك في كلمة قاسم أمس".
من جهته، يقول مهنّد الحاج علي، الباحث في مركز مالكوم كير – كارنيغي للشرق الأوسط، لـ"العربي الجديد"، إنّ حزب الله اليوم "سيركز على ملاعب يمكنه إحراز نتائج فيها، غير الصراع العربي الإسرائيلي، وذلك على المستوى البعيد، لكن حالياً هو أمام استراتيجية احتواء الخسائر من الآن حتى موعد الانتخابات النيابية المرتقبة في مايو/أيار 2026، والتي على أساسها سنرى كيف سيُعاد تشكيل السلطة السياسية في لبنان، في وقت بدأنا نشهد عودة للحريرية السياسية ومعالم أخرى تظهر، وبعد ذلك، وتبعاً للنتائج، سينتقل الحزب للعمل إقليمياً".
كذلك، لا يعتقد الحاج علي أنّ حزب الله سيضع السياسة الإقليمية جانباً، ولكن ما زال الآن يركز على مستوى الحدّ من الخسائر المادية، وكذلك السياسية والشعبية، ومن الصعب على حزب ظهر أن لديه إدارة إيرانية ضمن قيادته، سيتخلى عن أي دور إقليمي، لكن هناك أمور تتبلور، ولم تتضح بعد، منها الوضع في سورية، والمسار الذي ستتجه اليه في الأشهر المقبلة، ما يعني أن الحزب قد تكون له أدوار ثانية في أماكن أخرى، وإن فشل في مواجهة إسرائيل.
لا يعتقد الحاج علي أنّ حزب الله سيضع السياسة الإقليمية جانباً
ويضيف الحاج علي: "حزب الله يركز في الحديث السياسي بشكل متواصل على دور الدولة اللبنانية في إعادة الإعمار وإتمام الانسحاب الإسرائيلي الكامل من النقاط الخمس، ولا شك أنه يلعب على وتر إحراج الحكومة، والقول إنه في حال عدم قدرة الدولة على الضغط لإخراج اسرائيل، فإنّ حزب الله لا يزال يملك الحجة بالبقاء مقاومةً لتحرير الأرض، ما يصعّب على الحكومة أن تضغط عليه لسحب سلاحه، وهو عملياً رغم عدم قدرته على مواجهة إسرائيل في الحرب الأخيرة، لكنه صنع إنجاز التحرير في عام 2000".
ويلفت الباحث في مركز مالكوم كير – كارنيغي للشرق الأوسط إلى أنّ حزب الله "لا شك أنه نجح تنظيمياً أمس على مستوى مراسم التشييع، ما يؤشر إلى قدرته على تنظيم الانتخابات النيابية واحتكاره من جديد التمثيل الشيعي في أي استحقاق مقبل"، مضيفاً: "أنا أشبّه إلى حدّ كبير المراسم بيوم الانتخابات، وعلى أساسها أيضاً سيبنى الكثير من العمل الدعائي مع إنتاج إعلامي ضخم سيلي هذه المراسم وسيستخدم لتحفيز الناس على التصويت في الاستحقاقات المقبلة".