فوضى واعتقالات وإطلاق نار أثناء عملية توزيع المساعدات في رفح
استمع إلى الملخص
- اعتبر التجمع الوطني للقبائل والعشائر في غزة أن الأحداث محاولة لاستغلال المساعدات لأهداف عسكرية، وأكد المكتب الإعلامي الحكومي أن الفوضى ناتجة عن سوء إدارة الشركة الأمنية التابعة للاحتلال.
- أثارت الأحداث انتقادات دولية، حيث وصفت الأمم المتحدة الوضع بأنه "مفجع"، بينما اعتبرت الولايات المتحدة الانتقادات "نفاقًا"، مؤكدة نجاح دخول المساعدات إلى غزة.
مؤشر على فشل مشروع توزيع المساعدات وفق الرؤية واشنطن وتل أبيب
تعرّض موقع تسليم المساعدات للتدمير واقتُلِع السياج المحيط به
فرّ المسلحون التابعون للشركة الأمنية الأميركية من الموقع
شهد مركز توزيع المساعدات الأميركي الإسرائيلي غرب مدينة رفح، اليوم الثلاثاء، حالة من الفوضى العارمة، تخلّلتها اعتقالات ومواجهات بين الأهالي وقوات الاحتلال أسفرت عن وقوع عدد من الإصابات. وأفاد مراسل "العربي الجديد" بأن شهود عيان وعائلات فلسطينية أبلغوا عن قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي باعتقال عدد من الشبان خلال استلامهم للمساعدات من النقطة الإسرائيلية الأميركية المشتركة، وقد خضع الفلسطينيون هناك لإجراءات أمنية صارمة، تضمنت أخذ بصمات العيون، ما أثار استياءً واسعاً بين الأهالي.
في الأثناء، ذكرت وسائل إعلام عبرية أن جيش الاحتلال أطلق النار في الهواء لتفريق الحشود، واستدعى مروحيات عسكرية إلى المنطقة بعد أن "خرجت الأوضاع عن السيطرة". ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مصادر قولها إنّ الموقع تعرّض للتدمير واقتُلِع السياج المحيط به، فيما فرّ المسلحون التابعون للشركة الأمنية الأميركية المشغّلة للموقع هاربين من المكان. ويُنظر إلى هذا التطور بوصفه مؤشراً إضافياً على فشل مشروع توزيع المساعدات وفق رؤية واشنطن وتل أبيب، التي تشكّل جزءاً من خطة الاحتلال لإعادة تنظيم القطاع جغرافياً وسكانياً عبر مسارات إنسانية خاضعة لرقابة أمنية صارمة.
وزعم جيش الاحتلال الإسرائيلي أنّ قواته لم تطلق أي نيران جوية باتجاه مركز توزيع المساعدات الإنسانية في منطقة رفح، وقال الناطق باسمه في بيان مقتضب، إنه "من المتوقع أن تستمر عمليات توزيع المساعدات في غزة كما هو مخطط له"، مؤكداً عدم وقوع إصابات في صفوف الجيش الإسرائيلي.
وأكدت مصادر قبلية وشهود عيان من الجانب المصري لـ"العربي الجديد"، أن طائرات مروحية تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي أطلقت النار في الهواء وعلى الأرض لتفريق عشرات الآلاف من الفلسطينيين، الذين احتشدوا حول مركز توزيع أقيم في نطاق أمني خاضع لسيطرة الاحتلال، على بُعد كيلومتر واحد فقط من الحدود المصرية.
وأكدت المصادر أن الفوضى في الموقع تحولت إلى حالة من الرعب مع سماع دوي إطلاق نار من طائرات مروحية إسرائيلية، بينما حاول الجنود تفريق الجموع بالقوة. وأفادت تقارير ميدانية باختطاف أحد الفلسطينيين في ظروف غامضة أثناء محاولته الحصول على المعونات، ما أثار اتهامات واسعة بأن ما يجري هو "كمين إنساني" لاستدراج السكان نحو مناطق الموت والجوع تحت غطاء العمل الإغاثي.
من جهته، أقر رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ"فقدان السيطرة موقتاً" عندما اندفعت حشود من الفلسطينيين إلى مركز إغاثة جديد في غزة، بعدما قال مسؤول عسكري رفيع المستوى أن التوزيع كان "ناجحاً" على الرغم من ذلك. وقال نتنياهو في خطاب ألقاه الثلاثاء: "وضعنا خطة مع أصدقائنا الأميركيين لمواقع توزيع مضبوطة، حيث ستُوزّع شركة أميركية الطعام على العائلات الفلسطينية (...) حصل فقدان موقت للسيطرة. ولحسن الحظ، استعدنا السيطرة". في المقابل، زعم مسؤول عسكري إسرائيلي رفيع المستوى لوكالة فرانس برس أن "توزيع المساعدات اليوم بواسطة جهات أميركية كان ناجحاً".
ردود فعل فلسطينية
وجاءت ردود الفعل الفلسطينية غاضبة، إذ اعتبر التجمع الوطني للقبائل والعشائر والعائلات الفلسطينية في غزة أن ما جرى "ليس سوى محاولة مكشوفة لعسكرة المساعدات واستغلالها في أهداف عسكرية تخدم أجندات الاحتلال". وفي بيان صحافي، قال التجمع إنّ ما جرى في اليوم الأول لتوزيع المساعدات يؤكد فشل الاحتلال في إيجاد بديل عن المنظومة الدولية العاملة في المجال الإنساني، مضيفاً أن "المشاهد التي رافقت التوزيع تُثبت أن الهدف الحقيقي لهذه الآلية يتمثل في استدراج الفلسطينيين والإيقاع بهم".
من جانبه، نفى المكتب الإعلامي الحكومي في غزة "ما ورد في تحديثات المؤسّسة التي تُطلق على نفسها غزة للإغاثة الإنسانية (GHF)، فيما تضمّنته من مزاعم باطلة تتعلّق باتهام فصائل المقاومة الفلسطينية بعرقلة الوصول إلى ما يُسمّى مواقع التوزيع الآمن"، وقال المكتب في بيان له إن "الادعاء القائل بأن المقاومة فرضت حواجز منعت المواطنين من الوصول إلى المساعدات، هو محض افتراء لا يمتّ للواقع بصلة، ويُشكّل انحرافاً خطيراً في خطاب مؤسسة تزعم أنها تتمتّع بالحياد الإنساني. والحقيقة الموثّقة، بالتقارير الميدانية والإعلام العبري ذاته، أن السبب الحقيقي للتأخير والانهيار في عملية توزيع المساعدات هو الفوضى المأساوية التي وقعت بفعل سوء إدارة الشركة نفسها، التي تتبع لإدارة الاحتلال الإسرائيلي ذاته لتلك المناطق العازلة، وما نتج عن ذلك من اندفاع آلاف الجائعين تحت ضغط الحصار والجوع، ثم اقتحامهم مراكز التوزيع والاستيلاء على الطعام، تخلّله إطلاق نار من الاحتلال الإسرائيلي".
وأوضح البيان أن "استمرار المؤسسة الأميركية الإسرائيلية في ترديد مزاعم الاحتلال وتبنّي روايته، أفقدها عملياً مصداقيتها وحيادها المزعوم، ويُحمّلها هي والاحتلال المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن التغطية على جريمة الإبادة الجماعية الجارية، التي تُمارَس ضد أكثر من 2.4 مليون فلسطيني في قطاع غزة، من خلال قطع شامل للغذاء والدواء والماء والوقود عن القطاع كلياً".
وذكر البيان أن "المؤسّسة المذكورة قامت، وبدعم مباشر من سلطات الاحتلال، بالاستيلاء على عدد من شاحنات المساعدات التابعة لإحدى المنظمات الإنسانية الدولية العاملة في قطاع غزة، بعد أن جرى تضليل تلك المنظمة وإيهامها بأن المساعدات ستُسلّم داخل القطاع على نحوٍ رسمي ومنسّق، إلا أن ما جرى لاحقاً هو أن ما تُسمّى (شركة غزة GHF)، وبحماية الاحتلال، قامت بتحويل هذه الشاحنات إلى مركز التوزيع الخاص بها في ما يُعرف بالمناطق العازلة، وشرعت بتوزيعها على المدنيين الذين أُنهكوا بفعل الحصار والتجويع الممنهج. إن ترويج هذه المؤسسة لروايات مشوّهة بعد هذه الجريمة لا يُمكن القبول به، ويُشكّل تزويراً للحقائق ومشاركة الاحتلال في تضليل الرأي العام الإنساني".
وفي بيان منفصل، قال المكتب الإعلامي الحكومي إنّ مشروع الاحتلال الإسرائيلي لتوزيع المساعدات في ما يُسمّى "المناطق العازلة" قد فشل فشلاً ذريعاً وفقاً للتقارير الميدانية ووفقاً لما أعلن عنه الإعلام العبري كذلك، بعدما اندفع آلاف الجائعين، الذين حاصرهم الاحتلال وقَطَع عنهم الغذاء والدواء منذ نحو 90 يوماً، نحو تلك المناطق في مشهد مأساوي ومؤلم، انتهى باقتحام مراكز التوزيع والاستيلاء على الطعام تحت وطأة الجوع القاتل، وتدخل قوات الاحتلال بإطلاق النار وإصابة عدد من الفلسطينيين، ما يعكس بوضوح الانهيار الكامل للمسار الإنساني الذي تزعمه سلطات الاحتلال.
وأضاف المكتب أن "ما حدث اليوم هو دليل قاطع على فشل الاحتلال في إدارة الوضع الإنساني الذي خلقه عمداً، من خلال سياسة التجويع والحصار والقصف، وهو ما يُشكّل استمراراً لجريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان بموجب القانون الدولي، لا سيّما المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948"، كما أشار إلى أنّ إقامة "غيتوهات عازلة" لتوزيع مساعدات محدودة وسط خطر الموت والرصاص والجوع، لا تعكس نية حقيقية للمعالجة، بل تُجسّد هندسة سياسية ممنهجة لإدامة التجويع وتفكيك المجتمع الفلسطيني، وفرض مسارات إنسانية مُسيّسة تخدم مشروع الاحتلال الأمني والعسكري.
وحمّل المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، الاحتلال الإسرائيلي كامل المسؤولية القانونية والإنسانية عن حالة الانهيار الغذائي في غزة، ودان استخدامه المساعدات سلاحَ حرب وأداةً للابتزاز السياسي، وإصراره على منع دخول الإغاثة عبر المعابر الرسمية والمنظمات الأممية والدولية، كما طالب الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالتحرك الفوري والفعّال لإيقاف الجريمة، وفتح المعابر عاجلاً ودون قيود، وتمكين المنظمات الإنسانية من أداء مهامها، بعيداً عن تدخل الاحتلال وأجنداته.
ودعا إلى إيفاد لجان تحقيق دولية مستقلة لتوثيق جريمة التجويع، وتقديم قادة الاحتلال إلى المحاكمة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وناشد الدول العربية والإسلامية والدول الحرّة في العالم للتدخل الفوري، وتفعيل مسارات إنسانية مستقلة وآمنة، تكسر الحصار، وتمنع الاحتلال من مواصلة استخدام الغذاء سلاحاً قذراً في حرب الإبادة، وأعرب عن رفضه "رفضاً قاطعاً أي مشروع يعتمد مناطق عازلة أو ممرات إنسانية تحت إشراف الاحتلال الإسرائيلي الذي هو نفسه يجوّع المواطنين ويقتلهم ويبيدهم".
ويأتي افتتاح مركز التوزيع الجديد في إطار خطة أميركية مثيرة للجدل تهدف إلى إنشاء مناطق إنسانية مؤقتة في غزة بإشراف شركات أمنية خاصة، بديلاً عن أونروا وسائر المنظمات الدولية التي ترفض إسرائيل التعامل معها. وترى واشنطن في هذا النموذج وسيلة لتسريع إدخال المساعدات، لكن فصائل فلسطينية وخبراء في القانون الإنساني يعتبرونه محاولة لفرض وقائع سياسية جديدة على الأرض، على حساب حقوق المدنيين المحاصرين.
الأمم المتحدة: مشهد توزيع المساعدات "مُفجع"
إلى ذلك، وصف المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك مقطعاً مصوراً يُظهر آلاف الفلسطينيين وهم يقتحمون موقعَ توزيع المساعدات التابع لمؤسّسة إغاثة غزة بأنه "مُفجع"، وأضاف للصحافيين: "نحن وشركاؤنا لدينا خطة مفصلة وقائمة على مبادئ سليمة من الناحية العملية، بدعم من الدول الأعضاء، لإيصال المساعدات إلى السكان المحتاجين"، وتابع: "نواصل تأكيد أن توسيع نطاق العمليات الإنسانية بفعاليّة أمر ضروري للحيلولة دون وقوع مجاعة وتلبية احتياجات جميع المدنيين أينما كانوا".
ورداً على هذه التصريحات، وصفت الولايات المتحدة الانتقادت لجهود الإغاثة في غزة بأنها "نفاق"، مؤكدة أن الطعام يدخل القطاع الفلسطيني بـ"نجاح". وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية تامي بروس، إنه "أمر مؤسف، لأن المسألة هنا تتعلق بتقديم المساعدات إلى غزة، ثم تتحول فجأة إلى شكاوى حول أسلوب أو طبيعة القائمين عليها"، واصفة الانتقادات بأنها "قمة النفاق". وأكدت أن "الأمر الأهم هو أن مساعدات وأغذية تدخل إلى غزة على نطاق هائل". وأضافت: "إنها بيئة معقدة، والأهم هو أن الأمر يحصل".