فوز ممداني يذكر المصريين بـ"فساد المحليات" وتغييب الانتخابات
- التحديات السياسية والقانونية: بعد ثورة 2011، لم يُصدر قانون المحليات، مما أدى إلى استمرار نظام التعيينات وغياب الإرادة السياسية لإجراء الانتخابات، مع تقدير الرشى المالية المرتبطة بالتراخيص بنحو 600 مليار جنيه.
- التوجهات المستقبلية والتعديلات الدستورية: لا توجد مخصصات مالية للانتخابات المحلية في الموازنة الحالية، ومن المتوقع تعديل الدستور في 2027 لتمديد حكم الرئيس السيسي وتقليص دور المجالس المحلية، مما يعزز سيطرة الحكومة المركزية.
جدد فوز المرشح الاشتراكي الديمقراطي زهران ممداني برئاسة بلدية مدينة نيويورك الأميركية، أحد أهم مراكز التجارة والمال في العالم، التساؤلات في مصر عن غياب الانتخابات المحلية (البلدية) منذ أكثر من 17 عاماً، في مخالفة لأحكام الدستور الذي خصص فصلاً كاملاً للإدارة المحلية، ونص صراحة على إجرائها خلال خمس سنوات من تاريخ نفاذ الدستور في 2019.
وبمجرد إعلان فوز ممداني، نشر ناشطون ومغردون مصريون صوراً تظهر انتشار أكوام القمامة في الأحياء والمدن الرئيسية بالمحافظات، وبالقرب من المدارس والمستشفيات العامة، بما يهدد صحة التلاميذ والمرضى، متسائلين عن أسباب عدم إجراء انتخابات المحليات، رغم أهميتها البالغة، وحاجة المواطنين إلى مسؤولين محليين منتخبين على شاكلة ما جرى أمس في مدينة نيويورك، بالولايات المتحدة، يعملون على حل مشاكل النظافة، وجودة الطرق، ونقص الخدمات الصحية والتعليمية.
وشهدت مصر آخر انتخابات محلية في عام 2008، وهيمن عليها وقتئذ الحزب الوطني الحاكم إبان عهد الرئيس الراحل حسني مبارك
. وعقب ثورة 2011، أصدر المجلس العسكري مرسوماً بتشكيل مجالس محلية مؤقتة إلى حين إصدار قانون المحليات، لكن التشريع لا يزال يراوح مكانه بسبب إصرار الرئيس عبد الفتاح السيسي على استمرار العمل بنظام التعيينات في اختيار المحافظين وقيادات الأجهزة المحلية.وطالب برلمانيون وسياسيون مصريون الحكومة مراراً بالعمل على تسريع وتيرة إصدار قانون الإدارة المحلية في مواجهة فساد المحليات، المجمد منذ سنوات، رغم إدراجه على جدول أعمال مجلس النواب أكثر من مرة، وسحبه في اللحظات الأخيرة من دون إعلان الأسباب وراء ذلك. وقال رئيس حزب العدل، النائب عبد المنعم إمام، إن الحكومة ليس لديها إرادة حقيقية في إجراء انتخابات المحليات، الأمر الذي يدفع ثمنه المواطنون غالياً، وكذلك نواب البرلمان الذين تحول الكثير منهم إلى "نائب للخدمات" يعمل على حل مشاكل الأهالي الخاصة بتردي الخدمات المحلية، على حساب دوره الأساسي في إعداد التشريعات ومراجعتها ومراقبة أداء الحكومة.
وأضاف إمام أن قانون المحليات استحقاق دستوري، وحزبه كان من أوائل المتقدمين بمشروع قانون متكامل عن الإدارة المحلية، مبيناً لـ"العربي الجديد" أن الحكومة عمدت بوضوح إلى عرقلة إصدار القانون منذ عام 2017، في إطار تغييب دور المجالس المحلية المنتخبة، وتعطيل الرقابة الشعبية الفاعلة على الأجهزة التنفيذية في المحافظات والأحياء.
وينظر إلى المحليات في مصر باعتبارها "بؤرة الفساد" الأكبر حجماً، على وقع انتشار الرشى المالية المرتبطة بمنح التراخيص بأنواعها في المحافظات. وسبق أن قدر الجهاز المركزي للمحاسبات حجم الفساد في أجهزة المحليات، وداخل مؤسسات الدولة، بنحو 600 مليار جنيه خلال ثلاث سنوات فقط. (الدولار = 47.41 جنيهاً تقريباً).
أما رئيس لجنة الإدارة المحلية في البرلمان، أحمد السجيني، فقال إن اللجنة ناقشت ستة مشاريع قوانين للإدارة المحلية، من بينها مشروع قدم من الحكومة، وعملت جاهدة على الخروج بأكبر عدد من النصوص التوافقية بعد عقد جلسات استماع موسعة لذوي الشأن، ولكن البعض رأى إرجاء إصدار القانون لصعوبة إجراء انتخابات المجالس المحلية في الوقت الراهن.
وأضاف السجيني، الذي تولى رئاسة اللجنة لمدة عشر سنوات (2016-2025)، أن انتخاب نحو 50 ألف شخص للمجالس المحلية ليس بالأمر الهيّن، ويجب أن تسبقه استعدادات تنظيمية كثيرة من أجهزة الدولة، خصوصاً مع الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد، وتستدعي حالة من الاصطفاف الوطني مع القيادة السياسية في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
وتابع السجيني، في حديث خاص مع "العربي الجديد"، بأن مسألة انتخاب المحافظين التي يطالب بها البعض لا تتناسب مع الحالة المصرية، التي تراعي ظروف النسيج المجتمعي، وحالة التناغم بين أجهزة السلطة التنفيذية، إذ لا توجد سابقة في مصر بأن نجد محافظاً توجهاته تتعارض مع رئيس الجمهورية، كما يحدث في بلدان أخرى مثل الولايات المتحدة وغيرها.
ويشكل نظام تعيين المحافظين في مصر بقرار من رئيس الجمهورية جزءاً من الهيكل الإداري للدولة منذ عقود طويلة، على الرغم من المطالبات المتزايدة بتطبيق اللامركزية وانتخابهم. وعادة ما يسيطر لواءات الجيش والشرطة على تشكيل حركة المحافظين منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، رغم عدم سابق خبرتهم بشؤون الأجهزة المحلية، وذلك بهدف تمكينهم من مفاصل الدولة على حساب المدنيين.
وفي مقاربة لما يحدث في مصر، اعتبر السفير معصوم مرزوق، مساعد وزير الخارجية السابق، أن انتصار ممداني في مدينة نيويورك "مكافأة متأخرة" على جهود مخلصة، ورؤى كان البعض يستهين بها، وثبت جدواها، مؤكداً أن المعركة لم تنته بفوزه، بل بدأت لأن قوى الشر ستتجمع في عاصمة المال كي تجهض ما تحقق، وهو ما يتطلب الاستعداد والعمل بكل جهد لإنجاح التجربة حتى تتوسع، ويجف شريان الدم الموصول منها لتغذية كائن الصهيونية المتوحش (إسرائيل).
ولم تدرج الحكومة المصرية مخصصات مالية لإجراء انتخابات المحليات في موازنة العام المالي 2025-2026، الذي شهد إجراء الانتخابات التشريعية (مجلسا الشيوخ والنواب على الترتيب) في النصف الثاني من العام الحالي. وقال مصدر نيابي مطلع لـ"العربي الجديد"، إن مصر لن تشهد انتخابات بلدية قبل الانتهاء من مشروع جديد لتعديل الدستور، من المرجح عرضه على مجلس النواب في 2027، بحيث يتضمن تغييراً شاملاً لجميع المواد المنظمة للمحليات.
وتعديل الدستور يهدف إلى تمديد حكم الرئيس السيسي إلى عام 2036 بدلاً من 2030، من خلال وضع مادة انتقالية تسمح بترشحه لولاية رابعة قوامها ست سنوات، مع تغيير بعض المواد المتعلقة بالمحليات، على غرار ما حدث في تعديل الدستور (2019) الذي استهدف تمديد مدة الرئاسة من أربع إلى ست سنوات، وأعاد في المقابل مجلس الشيوخ إلى الحياة السياسية من دون صلاحيات تذكر، وفق المصدر. وعزا المصدر تعطيل إصدار قانون المحليات إلى نص الدستور الحالي على مراقبة المجالس المحلية لخطط التنمية، ومتابعة أوجه النشاط وممارسة أدوات الرقابة على الأجهزة التنفيذية، بما يُهدد عمليات الإسناد المباشر من الوزارات والهيئات الحكومية لشركات مملوكة للجيش، وفي مقدمتها الشركات التابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية.