استمع إلى الملخص
- رغم استخدام أوكرانيا لصواريخ بعيدة المدى، تواصل روسيا هجماتها المتزامنة، مهددة بانهيار الدفاعات الأوكرانية في جنوب دونيتسك بسبب تفوقها العددي والعتادي.
- مع اقتراب الشتاء، قد تتباطأ العمليات الروسية، لكن موسكو تسعى لتعزيز موقفها التفاوضي عبر السيطرة على مناطق استراتيجية، مع احتمالية الانسحاب من بعض المناطق لتجميد القتال.
للشهر الرابع على التوالي، يتواصل التوغل الروسي في وسط وجنوب إقليم دونباس، جنوب شرقي أوكرانيا. وبحسب الخرائط الميدانية وتقديرات مواقع محايدة أو محسوبة على الجانب الأوكراني، فقد حققت القوات الروسية أكبر تقدم أسبوعي لها في العام الحالي، الأسبوع الماضي، وسيطرت على قرابة 235 كيلومتراً مربعاً في دونباس وخاركيف وكورسك، لترفع المساحة التي سيطرت عليها منذ بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، حتى يوم الأحد الماضي، إلى 600 كيلومتر مربع، وهو أعلى مؤشر منذ شهر مارس/ آذار 2022 (بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022).
التوغل الروسي يستغل الضعف الأوكراني
واستغلت القوات الروسية ضعف الدفاعات الأوكرانية والتفوق في العدة والعتاد منذ أغسطس/آب الماضي، لتزيد هجماتها من دون الاكتراث إلى التقدم الأوكراني في مقاطعة كورسك الروسية. وأدى تراجع الدعم الغربي للجيش الأوكراني دوراً، في التوغل الروسي السريع نهاية الصيف وبداية الخريف، إضافة إلى عدم قدرة أوكرانيا على ضخّ مزيد من القوات إلى الجبهات، وعدم دقة الحسابات الأوكرانية بأن احتلال مناطق من كورسك يمكن أن يجبر روسيا على سحب جزء من قواتها في دونباس وتخفيف الضغط على هذه الجبهة. وبدا أن تصاعد الهجوم الروسي على دونيتسك وتسارع وتيرة التوغل الروسي والحديث عن تحضيرات للهجوم على مدينة زاباروجيا، ومحاولات طرد الأوكرانيين من كورسك، تندرج ضمن مخطط روسي شامل يستبق عودة الرئيس الأميركي المنتحب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير/ كانون الثاني المقبل، ويقوي موقع روسيا التفاوضي في أي جهود مستقبلية للتسوية السياسية للصراع.
السماح لكييف باستخدام صواريخ بعيدة المدى لم يبدّل خطط موسكو
وتشنّ القوات الروسية هجوماً متزامناً على مواقع عدة للقوات الأوكرانية في دونباس وشمال شرق منطقة خاركيف. وفي منتصف الشهر الحالي، اقتحمت القوات الروسية بشكل غير متوقع الجزء الشرقي من كوبيانسك ومركز تشاسوفي يار. ووصل التوغل الروسي أول من أمس الاثنين، إلى مركز مدينة كوراخوفو الاستراتيجية وضواحي فيليكايا نوفوسيلكا، ما ينذر بانهيار الخطوط الدفاعية الأوكرانية في وسط وجنوب دونباس.
وأعلنت القوات الجوية الأوكرانية، أمس الثلاثاء، أن الدفاعات الجوية الأوكرانية أسقطت 76 من أصل 188 طائرة مسيّرة أطلقتها روسيا على الأراضي الأوكرانية ليل الاثنين – الثلاثاء، وقال بيانها إن القوات الروسية شنّت هجمات على أوكرانيا، ليلاً، باستخدام صواريخ باليستية من طراز إسكندر إم"، تم إطلاقها من منطقتي فورونيغ وكورسك. وأضافت أن موسكو أطلقت عدداً قياسياً من مسيّرات "شاهد" وأخرى من طرازات مجهولة الهوية، من مناطق أوريول وبريانسك وكورسك وبريمورسكو-أختارسك. من جهتها، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس، أن أنظمة الدفاع الجوي، دمرت ليلاً، 39 مسيّرة أوكرانية، فوق أراضي مقاطعات روسية عدة. وقال رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف، أمس، إنه إذا زوّد الغرب أوكرانيا بأسلحة نووية، فقد ترى موسكو في هذا ما يمكن أن يمثل هجوماً على روسيا ويوفر الأساس لردّ نووي، في وقت أعلنت وزارة الدفاع الروسية أمس أن الأراضي الروسية تعرضت في الأيام الأخيرة لضربتين أوكرانيتين نُفّذتا بصواريخ أتاكمز الأميركية، بعيدة المدى.
وكسرت القوات الروسية حالة الجمود في الحرب عبر قدرتها على الدفع بقوات إضافية من الأجنحة لتحقيق أهدافها، وهو سيناريو تكرّر في الأشهر الأخيرة بأكثر من مدينة، وعملت عليه عبر محاصرة كوراخوفو من عدة جهات، قبل التوغل الروسي إلى مركز المدينة. واستغلت روسيا عدم قدرة أوكرانيا على الدفاع عن جبهات عدة في آن واحد، ما فرض عليها الانسحاب تلو الآخر من سيليدوفو وغيرها من البلدات المهمة.
فيليكيا نوفوسيلكا
ومساء يوم الأحد، قال موقع دييب ستييت المقرّب من الاستخبارات الأوكرانية إن الجيش الروسي سيطر الأسبوع الماضي على 235 كيلومتراً مربعاً. ووفقاً لبيانات الموقع، تقدمت القوات الروسية بأسرع وتيرة لها الأسبوع الماضي في جنوب أوكرانيا، وتمكنت من الاستيلاء على 187 كيلومتراً مربعاً، وسُجل التوغل الروسي الرئيسي في منطقة قرية فيليكايا نوفوسيلكا التي بدأت القوات الروسية اقتحامها الأسبوع الماضي. وأشار الموقع إلى أن الانهيار الثاني في الجبهات، حصل إلى الشرق من قرية بولشايا نوفوسيلكا ليحتل الروس ما يزيد عن 70 متراً مربعاً.
حلول الشتاء ربما يعطل وتيرة التقدم الروسي في شكل كبير
وبدأت القوات الروسية الهجوم على فيليكا نوفوسيلكا من الغرب منذ منتصف الشهر الحالي، وأعادت السيطرة على المناطق التي حرّرتها أوكرانيا في هجوم صيف 2023. وتهاجم القوات الروسية المدينة من اتجاهين: الأول على طول طريق أوغليدار - فيليكايا نوفوسيلكا، والآخر من جانب شاختارسكي التي استولى الروس عليها سابقاً. ومن المرجح أن تهاجم القوات الروسية في الأسابيع المقبلة مدينة فيليكيا نوفوسيلكا المهمة من الغرب والشرق والجنوب، تماماً كما فعلت في سيليدوفو وما تفعله الآن كجزء من الهجوم على كوراخوفو.
كوراخوفو
أول من أمس الاثنين، وصلت القوات الروسية إلى وسط مدينة كوراخوفو، بحسب المعهد الأميركي لدراسة الحرب وموقع "دييب ستيت" والمدونين العسكريين الموالين لروسيا. وتعدّ كوراخوفو مركزاً لوجستياً مهماً للقوات المسلحة الأوكرانية ومركزاً دفاعياً رئيسياً لجنوب المنطقة. وذكرت قناة "دفا مايورا" (الضابطان) على "تليغرام"، أن الجيش الروسي أحضر مركبات مدرعة إلى المدينة، وتم "تأمينها في منطقة تقاطع شارعي بروكوفييف وبوبيدا". وذكرت قناة "ريبار" المقربة من وزارة الدفاع الروسية أن المعارك العنيفة مستمرة في المدينة.
وينذر سقوط كوراخوفو، المركز اللوجستي المهم للجيش الأوكراني، بانهيار الدفاعات الأوكرانية في جنوب غرب مقاطعة دونيتسك، وتقع المدينة على طريق دونيتسك - زاباروجيا على تلة استراتيجية.
خاركيف
في 24 نوفمبر الحالي، قال "دييب ستيت" إن الجيش الروسي تمكن من عبور نهر أوسكول في منطقة خاركيف والاستيلاء على مواقع القوات المسلحة الأوكرانية على الضفة المقابلة، بعدما أنشأ رأس جسر لعبور القوات. ويهدد عبور الروس الدفاعات عن كوبيانسك، التي تقع على بعد 20 كيلومتراً إلى الجنوب، ووصف محلّلو الموقع أن المناورة الروسية كانت غير متوقعة، وأوضحوا أن القوات الروسية عبرت على متن قوارب من اتجاه قرية دفوريتشنوي المحتلة إلى جنوب قرية نوفوملينسك على الضفة المقابلة، وحذّر محللو الموقع من أن نهر أسكول في تلك النقطة ليس عريضاً، وعرضه فيها لا يتجاوز 40 متراً، كما أن الغابات توفر حماية للقوات الروسية بينما الجهة المقابلة حيث القوات الأوكرانية تضم مناطق جرداء.
من المرجح أن تهاجم القوات الروسية في الأسابيع المقبلة مدينة فيليكيا نوفوسيلكا المهمة من الغرب والشرق والجنوب
كورسك
أكد معهد دراسات الحرب الأميركي، مساء الأحد الماضي، أن القوات الأوكرانية غادرت معقلها الأخير في شمال غرب رأس جسر كورسك - أولغينسكايا روشا، وانسحب المئات من الجيش الأوكراني إلى هذه الغابة شمال طريق سودجا -كورينيفو، وحاولت هذه القوات في أغسطس الماضي اختراق المركز الإقليمي لكورينيفو إلى طريق ريلسك - كورسك. وعلى مدار عدة أسابيع من القتال، تمكنت القوات الروسية من محاصرة الغابة تقريباً، ما أجبر القوات المسلحة الأوكرانية على إجلاء فلول هذه المجموعة إلى مالايا لوكنيا.
ويوم السبت الماضي، نقلت وكالة رويترز عن مسؤول عسكري أوكراني كبير أن بلاده خسرت قرابة 40% من الأراضي التي سيطرت عليها نتيجة هجوم أغسطس الماضي، وأشار إلى أنه "كنا نسيطر على نحو 1376 كيلومتراً مربعاً على الأكثر، والآن أصبحت هذه المساحة أصغر بالطبع، ويزيد العدو من هجماته المضادة"، مشدداً على أن "قواته تسيطر حالياً على نحو 800 كيلومتر مربع وسنحتفظ بهذه المساحة طالما كان ذلك مناسباً من الناحية العسكرية". ورغم هذا الإقرار بالخسارة، فإن مواقع مستقلة تؤكد أن الأوكرانيين لا يسيطرون على أكثر من 580 كيلومتراً مربعاً في كورسك، من أصل قرابة 1100 كيلومتر احتلوها بعد الهجوم المباغت.
وفي الشهر الماضي، احتلت القوات الروسية 478 كيلومتراً مربعاً من الأراضي الأوكرانية، وهو رقم قياسي لجهة التوغل الروسي منذ مارس 2022. واستناداً إلى بيانات المعهد الأميركي لدراسة الحرب، احتل الجيش الروسي في أغسطس وسبتمبر/ أيلول الماضيين، 477 كيلومتراً مربعاً و459 كيلومتراً مربعاً على التوالي.
وكانت المرة الأخيرة التي حقق فيها الجيش الروسي مثل هذه النجاحات، في الشهر الثاني من الحرب في مارس 2022. وفي عام 2023 بأكمله، استولت القوات الروسية على 584 كيلومتراً مربعاً من الأراضي الأوكرانية.
وبمراعاة التقدم في الأشهر الأخيرة، باتت روسيا تسيطر حالياً على 19% من مساحة أوكرانيا بحدودها الدولية في 1991 (يعني من ضمنها شبه جزيرة القرم، والمناطق التي كانت تحت سيطرة الانفصاليين في دونيتسك ولوغانسك منذ 2014)، من ضمنها 12% منذ بداية الحرب في فبراير 2022. وتسعى روسيا للسيطرة على بوكروفسك المدينة الاستراتيجية في دونيتسك. وازدادت وتيرة التراجع الأوكراني بسبب تأخر الدعم العسكري الغربي، وتفوق روسيا بالأسلحة والذخائر والأفراد.
وفي نهاية سبتمبر الماضي، حذّر القادة الأوكرانيون على الأرض من أن بوكروفسك قد تسقط خلال الشهرين أو الأشهر الثلاثة المقبلة، وعزوا السبب إلى أن الجيش الروسي يحافظ على تفوقه العددي والناري، ويستبدل باستمرار القتلى والجرحى بجنود متعاقدين جدد: يمكن أن تصل الميزة في القوة البشرية إلى 8 إلى 1، وفي قوة المدفعية، 10 إلى 1 أو أكثر.
وفي حال إحكام السيطرة على كوراخوفو، مركز الدفاع الذي يسيطر على الجبهة جنوب غرب دونيتسك، يمكن للقوات الروسية شنّ هجوم على منطقة كونستنتينوبول وأندريفكا القريبتين على تقاطع نقل مهم، الطريق المؤدي من كوراخوفو إلى منطقة زاباروجيا. كما يمكن في حال السيطرة على كوراخوفو للقوات الروسية التحرك غرباً إلى الحدود مع منطقة دنيبروبيتروفسك، التي تبعد عاصمها الإدارية التي تحمل نفس الاسم، 35 كيلومتراً فقط.
ويكشف التوغل الروسي والتقدم الذي تحققه القوات الروسية، أن الأذون الأميركية والبريطانية باستخدام صواريخ أتاكمز وستورم شادو بعيدة المدى لم تؤثر سلباً حتى الآن على مخططات روسيا للسيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي الأوكرانية، لكن كل التقدم في دونيتسك لم يرافقه حتى الآن نجاح روسي في استعادة أراضي مقاطعة كورسك، وهي جزء مهم في أي مفاوضات مستقبلية يخوضها الطرفان في حال تدخل ترامب لفرض حلول.
وتحدث الرئيس الروسي أكثر من مرة أن بلاده منفتحة على التفاوض، وأن على الغرب الانطلاق من الوقائع على الأرض. وقال مدير جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي سيرغي ناريشكي، أمس، إن موسكو تعارض تجميد الصراع، لأنها "بحاجة إلى سلام راسخ وطويل الأمد".
وفي يونيو/ حزيران الماضي، أكد بوتين أن الشروط السابقة لإنهاء الحرب وهي انسحاب أوكرانيا من دونيتسك ولوهانسك وزاباروجيا وخيرسون، وعدم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ومراعاة وضع خاص للغة الروسية. ولا تسيطر القوات الروسية بالكامل على أي من المقاطعات الأربع، لكنها تحتل أجزاء من مقاطعة ميكولاييف جنوبي أوكرانيا ومناطق في مقاطعة خاركيف الشرقية. ورغم التقدم الروسي الكبير في الشهور الأخيرة، فإن الأوضاع الجوية وحلول الشتاء في مناطق جنوب وشرق أوكرانيا ربما تعطل وتيرة التقدم في شكل كبير، نظراً لطبيعة الأراضي غير الصالحة لتقدم المدرعات والدبابات، ما يخفف من قدرة روسيا على احتلال هذه المقاطعات بحدودها الإدارية في عام 1991.
ويبدو أن سعي روسيا للتقدم في خاركيف لا يهدف أساساً إلى بناء المنطقة العازلة التي تعهد بوتين بإنشائها الربيع الماضي، ولكنها لتقوية أوراقها التفاوضية في أي صفقة ممكنة، ويمكن لروسيا الانسحاب من الأراضي التي تحتلها في كورسك وميكولاييف، مقابل تجميد القتال على الجبهات الأخرى عند الخطوط التي تصل إليها القوات تزامناً مع انطلاق المفاوضات، ولكن تحرير الأراضي في كورسك يعد النقطة الأساسية التي يجب أن تنجزها روسيا قبل أي مفاوضات نظراً لتقديرات بأن ترامب سيتعامل ضمن "عقلية التاجر" لإجراء صفقات تبادل.