فوز أميركا على إيران.. وتسييس المونديال

فوز أميركا على إيران.. وتسييس المونديال

30 نوفمبر 2022
بدا الفوز الأميركي على إيران وكأنه كسب لجولة مبارزة أكثر منه منافسة رياضية (أسوشييتد برس)
+ الخط -

فور انتهاء مباراة المونديال الأميركية – الإيرانية، مساء الثلاثاء، سُلِّطت الأضواء في واشنطن على النتيجة بصورة وبدرجة بدا معهما الفوز الأميركي ولو بشق الأنفس وكأنه كسب لجولة مبارزة أكثر منه منافسة رياضية. وقد احتل الموضوع من هذه الزاوية وعلى الفور العناوين الرئيسية في الولايات المتحدة ومقدمات النشرات المرئية والمقروءة، وجرى تقديمه بشكل احتفالي لا يخلو من مسحة انتقامية مبطّنة.

وإذا كان ذلك متوقعاً في ضوء التوتير والتسييس الطاغي للمباراة على حساب طابعها الرياضي المونديالي، إلا أنّ الإعلام الأميركي لعب الدور الرئيسي فيه ولو أنّ طهران لم تكن مقصّرة في هذا الخصوص، من خلال تمسّكها ببعض الشكليات والرمزيات التي كانت مسخّرة للدعاية السياسية لا غير. وقد تجلّى ذلك في تعبيرات التراشق غير الودي وغير الرياضي بين الفريقين عشية الموعد، سواء من خلال تشويه صورة العلم الإيراني على أحد مواقع الفريق الأميركي أو الدعوة إلى طرد الأميركي من الدورة، وغيرها من مفردات الخطاب المتوتر من الجهتين.

وكان من شأن هذه المقدمات وضع الحدث في غير إطاره، مع الإشارة إلى أنّ التعامل الأميركي مع هذا المونديال بالذات اتسم منذ البداية بالتسييس والتشويه لاستضافته القطرية، وبما استحضر الصورة النمطية السلبية عن العرب والراسخة جذورها في عمق الثقافة الأميركية السائدة.

في التقديرات الأولية أنّ الأميركيين شاهدوا مباراة فريقهم، مع منافسه الإيراني أكثر من أي مباراة أخرى في المونديال حتى الآن أو التي سوف يشاهدونها في المتبقي من فعالياته. ولم يكن ذلك من باب الإعجاب باللعبة. فالأميركي حديث التقدير والحماس لهذه الرياضة التي لا يقدمها على نموذجه الخاص من لعبة كرة القدم، فقط في العقود القليلة الماضية، بدأ يبدي إعجابه بها.

ثم إنّ المباراة كانت بمقاييس المونديال، دون المستوى حسب الخبراء. كلاهما بدا من الصنف الثاني في أحسن الأحوال. الأميركي أخذ المبادرة في النصف الأول لكنه فوّت عدة فرص كشفت عن فجوة في مستوى تأهيله، والإيراني لعب نفس الدور في النصف الثاني وكشف هو الآخر عن قصور أدى إلى تفويت أكثر من فرصة تبيّن معها أنه لا يتفوق على الأميركي بكثير وذلك خلافاً للتقديرات الأميركية التي كانت تتخوف بل ترجح فوزه وإن بقليل، ولا سيما أنّ لمثل هذا الاحتمال سابقة عندما فاز الإيراني على الأميركي بهدفين مقابل واحد في مونديال 1998.

بالإضافة إلى ذلك، كان هناك عامل مشترك آخر بين الاثنين تمثّل في الأداء المضغوط لكليهما، خاصة الأميركي الذي وضعته التغطية والتحضيرات المسبقة في جوّ يصوّر المباراة على أنها جولة من جولات الصراع الإيراني -الأميركي المفتوح وامتداد له. وهذا ما فسّر ولو جزئياً عوارض التعب والتقصير في أدائه خلال النصف الثاني من المباراة، حيث حصر جهوده بالدفاع للاحتفاظ بنصر متواضع كاد أن يفلت منه في الدقائق الأخيرة.

الاعتزاز الوطني دائماً كان وسيبقى جزءاً عضوياً من المونديال. إسقاط السياسة على اللعبة افتراء على جوهرها الرياضي الهادف للتقارب بين الشعوب، خاصة إذا تمادت الخصومات في تعبيراتها المناوئة. حتى الإدارة الأميركية سارعت إلى الاستدراك، في محاولة للحد من الانعكاسات السلبية على العلاقات المتوترة أصلاً مع إيران.

المتحدث في الخارجية الأميركية حرص على التوضيح، أنّ الإدارة "ليست متورطة" في ما صدر عن الفريق الأميركي (في تشويه صورة العلم الإيراني على موقعه). ووزير الخارجية أنتوني بلينكن حرص هو الآخر على فرملة الخطاب بتصريحه خلال جولته الأوروبية التي دعا فيه إلى "ترك الرياضيين" يقومون بعملهم. لكن الرياضي لم يتبرع بالتسييس إلا بوحي من المقدمات الأميركية السياسية والإعلامية، التي رافقتها تشددات إيرانية من نفس القماشة وبما ترك جبل الجليد بينهما على حاله.

المساهمون