Skip to main content
فن إضاعة الوقت في تونس
وليد التليلي
يريد التونسيون إرساء المؤسسات الدستورية (ياسين قايدي/الأناضول)

صوّت البرلمان التونسي بأغلبية كبيرة على مشروع القانون المتعلق بالمحكمة الدستورية والتنقيحات التي أُدخلت عليه، أي بأكثر من 3 أخماس العدد المطلوب، بعد قراءة ثانية له، إذ كان الرئيس التونسي قيس سعيّد قد رفض التعديل الذي صدّق عليه البرلمان في المرة الأولى في 25 مارس/آذار الماضي، لأن الدستور ينص في الفصل (81) على ضرورة التصويت بالأغلبية المعززة أي 3 أخماس أعضاء المجلس (131 صوتاً) إذا ردّ رئيس الجمهورية مشروع قانون إلى البرلمان.
وتمكّن البرلمان من تمرير مشروع القانون المتعلق بتنقيح قانون المحكمة الدستورية بموافقة 141 نائباً وتسجيل 10 متحفظين، ولم يشارك ثلاثة من نواب "النهضة" في التصويت، أي كان بالإمكان التصويت بـ144 صوتاً على التعديلات وأكثر من ذلك.

يثير هذا الرقم حالة غضب كبيرة على الوضع الذي وصلت إليه البلاد اليوم لأنه كان كافياً لإنهاء قضية المحكمة الدستورية من فترة سابقة وحتى قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية في 2019، وكان يكفي الاتفاق على ثلاثة أسماء تضاف إلى الاسم الوحيد الذي تم التوافق حوله ليستكمل البرلمان تعيين ممثليه في المحكمة، وليتجاوز التونسيون معضلة كبيرة ومضيعة للوقت وصراعاً يتواصل منذ أشهر بين رؤسائهم، يدفع الشعب ثمنه، بينما يتبارز جلالتهم على من يحكمون.

يتساءل كثيرون في تونس، لماذا تضييع وقت طويل وخوض صراع مرير في كل مرة وحول كل ملف حتى يستفيق الفرقاء ويعودوا للاتفاق من نقطة الانطلاق الأولى، ألم يكن من الأجدى بحث توافق حول أسماء بدل إضاعة سنوات وإهدار جهد كبير قبل العودة في النهاية إلى التوافق نفسه، وتمني استكمال ما كان مرفوضاً استكماله بالأمس بكل يسر؟

الفرقاء الذين يشحذون أسلحتهم اليوم ويصرّون على الخلاف، ولا يعبأون بإهدار قوت التونسيين وصحتهم وتعليم أبنائهم، سيعودون إن طال الزمان أم قصُر إلى طاولة المفاوضات، ولكن بعد أن تكون الجراح قد تعمّقت والبلاد قد ضيّعت أكثر من فرصة لتستعيد عافيتها اقتصادياً واجتماعياً. فالطبقات الفقيرة تئن من تدهور المعيشة وغلاء الأسعار من دون أن يحس بآلامها أحد، باستثناء بعض البيانات والتصريحات الركيكة التي يسمعونها من حين لآخر تتغنّى بحب الشعب والولاء له وحده والتفاني في خدمته، ولو كانت تنفع لنفعت من قبل. ولكن ما العمل أمام حالة العمى السياسي وصمم نخبة لا تفهم ولا تسمع إلا صدى صوتها؟