فلسطين في مفارقات أوروبية - عربية

23 مايو 2025
تضامن بذكرى النكبة في آرهوس الدنماركية، 17 مايو 2025 (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت العلاقات العربية مع إفريقيا وآسيا تراجعًا، حيث استغل الصهاينة عملية "السلام" لتعزيز نفوذهم، مما أدى إلى إعادة بعض الدول الإفريقية علاقاتها مع إسرائيل، بينما تظل المواقف العربية الرسمية عاجزة عن مواجهة هذا التحدي.

- بدأت أوروبا تدرك خطورة الانتهاكات الإسرائيلية، حيث وصفت بعض الدول إسرائيل بدولة الإبادة الجماعية ووافقت 17 دولة على مراجعة اتفاقية الشراكة معها، بينما تظل المواقف العربية غير قادرة على إقناع دول أخرى بمراجعة سياساتها.

- تواصل بعض الدول العربية سياسة التطبيع مع إسرائيل، مما يعكس استخفافًا بمصالحها، بينما تطرد دول في أميركا اللاتينية سفراء الاحتلال. يمكن للسياسات العربية أن تتغير بقطع العلاقات وتجميد التطبيع.

خسر العرب في نحو ربع قرن علاقاتهم الوثيقة بأفريقيا وبعض آسيا. وتحت حيل "السلام" و"التطبيع" راكم معسكر التطرف الصهيوني ــ الديني تغلغله في دول مثلت عمقاً للأمن القومي لبعض العرب. إذ أعاد بعض الأفارقة علاقاتهم بتل أبيب تحت مبرر أن العرب أنفسهم يطبعون ويعقدون سلاماً معها. في ظل التطبيع، وخلال مسيرة خداع باسم "عملية السلام" في آخر 30 سنة، لم يعد معسكر الصهيونية ــ الدينية يتردد في مسعاه تحقيق "أرض إسرائيل".

أمام جرائم الحرب وانتهاك كل قوانين الحروب والاحتلالات أصبحت أوروبا، بعد ربع قرن من دمج دولة الاحتلال في رياضتها وفنونها وشراكتها الاقتصادية، غير قادرة على الصمت. ولا يتردد بعضهم في وصفها بدولة الإبادة الجماعية، كما فعل رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز. ووافقت 17 دولة أوروبية، الثلاثاء الماضي، على مراجعة مفوضية الاتحاد الأوروبي لاتفاقية الشراكة معها. وفي ذلك مفارقات. فرفض الأوروبيين جرائم الحرب، ولو من زاوية مصلحية، وانكشاف السردية الصهيونية، وإصرارها على استدعاء توراتي - تلمودي للتطهير العرقي والإبادة الجماعية، تقابلها حالة عربية رسمية أعجز من أن تقنع قبرص واليونان وإيطاليا والتشيك (التي كانت تاريخياً مثل دول أفريقية تؤيد الحقوق العربية) بالموافقة على مراجعة سياساتها المؤيدة للاحتلال ولمواقف ألمانيا في هذا الخصوص.

مفارقة أخرى مؤسفة، أنه في وقت يتخلص فيه بعض الأوروبيين من بعبع تهمة "معاداة السامية" بإصرار على المسؤوليات الأخلاقية والقانونية، والتفكير العميق بمصالحهم على المدى البعيد مع شعوب المنطقة العربية، فإن الذين يفترض أنهم أشقاء وجيران شعب فلسطين يطبقون سياسة الانسحاب، حتى من مصالحهم بعيدة المدى.

وبينما يستدعي أوروبيون سفراء الاحتلال للاحتجاج على الإرهاب الممارس في الضفة واستهداف ممثليهم برصاصه، يرسل البعض بلغة الضاد برقيات تهنئة لكيان قام على مذابح النكبة الفلسطينية، ويواصل التطهير العرقي ومحاولات تهويد المسجد الأقصى، وتعبير بعض أقطابه عن أحلام مريضة في السيادة على المنطقة العربية. وفيما تثير تلك المفارقات المزيد من التضامن مع حرية فلسطين حول العالم، يرمى في السجون مواطنون عرب أبدوا تعاطفاً مع آلاف الضحايا من أطفال ونساء غزة.

ما تقدم، وغيره الكثير، باتت تعرفه أغلبية الشارع العربي، وليس حكراً على نخب عربية. والأوروبيون في أغلبهم يدركون تأثير تدحرج كرة ثلج المفارقات على مصالحهم المستقبلية، وهم يخشون من تحول تلك الكرة إلى كرات لهب في ظل وصول جريمة الإبادة إلى ذروتها، فيرسلون لقادة الاحتلال إشاراتهم. أما إشارات العرب فتبدو معطلة. فالواضح أنّ "دوائر الأمن القومي" عند البعض تُختزل اليوم بدائرة اعتبار المواطن العربي وتعبيره عن مشاعره الرافضة لجرائم الاحتلال الإسرائيلي، ومشاريعه التي تتجاوز بكثير فلسطين و"دول الطوق"، هو الخطر، بدل أن تستغل ما يجري للتصالح مع هذا المواطن واستعادة بعض قيمة ومكانة لدولها التي يجري تقزيمها.

وفي وقت طردت فيه دول في أميركا اللاتينية سفراء الاحتلال الإسرائيلي، وتتزايد فيه حالة الرفض الأوروبي لجرائم الحرب والإبادة ودولة الأبرتهايد، يواصل البعض السكون مع حجم الاستخفاف بالعرب ومصالحهم وأمنهم القومي من وزراء التطهير العرقي، أمثال وزيري الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش، وحليفهما بنيامين نتنياهو، لتحقيق أحلامهم المريضة في اعتبار أنفسهم "أسياد المنطقة". لتعديل الذهاب نحو حافة صفرية المكانة والمصالح بإمكان بعض السياسات العربية ترك شعوبها ترسل الإشارات، وأن تقطع على الأقل العلاقات وتجمد التطبيع، لا أن يُلاحق من يرفع علم فلسطين ويصف جرائم الاحتلال بما يصفها حتى ساسة وصحافيون به، كما فعل رئيس حكومته الأسبق إيهود أولمرت والجنرال السابق يائير غولان.

المساهمون