لا يجب أن يمر يوم 15 نوفمبر/ تشرين الثاني من دون احتفاء بذكرى إيقاد شمعة الدولة، وبذلك الحدث التاريخي الذي أُعلن فيه قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس على يد الزعيم الراحل ياسر عرفات. كان ذلك الحدث الكبير في قصر الأمم في الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية قبل 33 عاماً. في ذلك الوقت، لم تكن الجزائر قد كنست بعد آثار الشغب الذي رافق انتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول 1988، ولم تكن قد لملمت أطرافها بعد الزلزال السياسي الذي هز أركان النظام السياسي في البلاد، مع كل ما رافق ذلك من تطورات مركزية حوّلت وجهة البلاد تماماً من نظام الحزب الواحد إلى تعددية سياسية ونقابية وإعلامية واعدة. فكانت تلك الظروف المحلية كافية لتطلب الجزائر نقل أو تأخير اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني، إذ لم تكن المسافة الزمنية الفاصلة بين أحداث أكتوبر واجتماع المجلس الوطني الفلسطيني سوى 40 يوماً. لكن الجزائر أصرّت على انعقاد الاجتماع الفلسطيني في وقته المحدد. وفلسطين كحالة إجماع محلية، لا يمكن أن تتأثر بأي ظروف داخلية للجزائر مهما كانت طبيعتها.
مقر الاجتماع الفلسطيني في الجزائر لم يكن بعيداً عن متناول الطائرات الإسرائيلية، فقد كانت الأخيرة قد قصفت قبل ذلك بثلاث سنوات، عام 1985، مقر منظمة التحرير الفلسطينية في حمام الشط في تونس بجوار الجزائر. لكن الأخيرة وفّرت للفلسطينيين، كما احتضنتهم بيروت من قبل، كل الظروف المناسبة لإنجاز خطوة بالغة الأهمية بالنسبة لرمزيتها السياسية (وُضعت القوات الجوية الجزائرية في حالة استنفار، ونُصبت الرادارات وصواريخ مضادة في الواجهة البحرية خلال فترة الاجتماع). وقد كانت التجربة الثورية للجزائريين تعزز قيمة الحدث وضرورته بالنسبة للفلسطينيين، ذلك أن وجود الدولة هو تأكيد على الحق في الوجود والتمسك بالقدس والأرض وبالحق في العودة والمقاومة، حتى وإن كان الطريق ما زال طويلاً وشاقاً بالنسبة للفلسطينيين.
وفيما بقي من ذلك الحدث عنفوانه التاريخي المشحون، إلا أنه يفسّر في بعض تفاصيله المخفية لماذا بقيت الجزائر عصية على كل مسارات التطبيع، شعبياً ورسمياً، بما في ذلك المسارات الجديدة التي يريد فيها الكيان الصهيوني الوجود في نطاقات جغرافية أكثر قرباً من الجزائر. ولذلك، يراود عرابو التطبيع تونس مقابل المساعدات المالية (زيارة داعم التطبيع في الإمارات أنور قرقاش إلى تونس)، ويدفعون في ليبيا بمرشحين للرئاسة لديهم كامل الاستعداد للتطبيع كخليفة حفتر. وحتى وإن سمحت ظروف ومتغيّرات بأن يتحول التطبيع إلى وجهة نظر، وبأن يطأ وزير الدفاع الإسرائيلي للمرة الأولى أرض بلد جار للجزائر، وحتى وإن دفعت الحسابات السياسية إلى التقاء "محور المقاومة" مع محور التطبيع في دمشق، فإن الجزائر لا تريد أن تغادر موقفها... قيم ثورتها لا تسمح بذلك.