استمع إلى الملخص
- تتصاعد التناقضات بين الإعجاب العربي بالمواقف الغربية وبين استمرار العلاقات الرسمية مع إسرائيل، مما يضعف الضغط السياسي والاقتصادي والدبلوماسي العربي، ويعطي مبرراً للغرب لتقاعسه.
- المطلوب من الدول العربية اتخاذ مواقف حازمة مثل العقوبات والمقاطعة، بدلاً من الاكتفاء بالإدانة، لتحقيق تأثير فعّال في مواجهة الاحتلال.
فيما تُبقي حكومات عربية على علاقاتها مع الاحتلال، تتزايد مظاهر الإعجاب الشعبي العربي بمواقف زعماء غربيين قالوا "لا" بوضوح لجرائم إسرائيل في غزة. من الإسباني بيدرو سانشيز إلى الكولومبي غوستافو بيترو، مروراً بنخب وبرلمانيين أوروبيين، تتوالى مواقف ترفع علم فلسطين وكوفيتها وتدين المجازر في غزة، مدفوعة بمجتمعات مدنية وأحزاب تقدمية وإعلام حرّ، لا يخشى المواجهة. لكن هنا، في العالم العربي، تبرز أسئلة جوهرية ومؤلمة: لماذا نكتفي بالإعجاب؟ لماذا نُصفّق للآخرين على ما يجب أن نكون نحن المُبادرين إليه؟ لماذا نُثني على من لا تربطهم بفلسطين سوى قيم إنسانية، بينما يَخفت صوت من يُفترض أن تكون القضية في عمق ضميره وثقافته وهويته، وحتى دينه؟
ووسط تصاعد توعد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لشعوب المنطقة ودولها، معززاً تحالفاته مع قوى اليمين المتطرف في أوروبا وأميركا (التي كانت تُتهم يوماً بـ"معاداة السامية")، تظهر مفارقة صادمة: العرب يُعجبون... وبعض غرب يواجه. مشهد يطرح تساؤلات على مستويين أوروبيين: الأول لدى من يتضامن بصدق مع فلسطين، ويؤمن أن المواقف الأوروبية كان يمكن أن تكون أكثر حدة وتأثيراً، لو أن السياسات العربية تجاوزت مربع الشجب، وتركت شعوبها ترسل في شوارعها الرسائل للغرب، ولعبت دوراً فعّالاً في الضغط السياسي والاقتصادي والدبلوماسي. الثاني لدى سياسيين وإعلاميين غربيين موالين للاحتلال، يستندون إلى المواقف الرسمية العربية لتبرير تقاعس دولهم، قائلين بلغاتهم: "إذا كانت الدول العربية تواصل علاقاتها مع تل أبيب، فلماذا تُطلب منا المقاطعة؟".
لا أحد يطالب الدول العربية بإعلان الحرب، ولا حتى بإحياء "مكتب المقاطعة" في جامعة الدول العربية. لكن المطلوب، وبالحد الأدنى، أن ترتقي المواقف الرسمية إلى مستوى دول من أميركا اللاتينية وأوروبا: عقوبات، مقاطعة، تجميد علاقات، أو حتى مجرد إعلان صريح بأن كياناً يرتكب إبادة جماعية لا يمكن أن يكون شريكاً سياسياً أو اقتصادياً.
وبينما يواصل الإعلام الرسمي الاحتفاء بمتضامنين في شوارع أوروبا، ويُمنع طبعاً في بعض شوارع العرب وجامعاتهم رفع علم فلسطين، تُوقَّع في المقابل صفقات مع الاحتلال، ويُبقى على سفارات واتفاقات كأن غزة وفلسطين خارج الجغرافيا، أو كأن العرب غير معنيين بالاستهداف الذي يتهدد أمنهم القومي. حتى قمة الدوحة، رغم كسرها للصمت، تبقى بلا أثر ما لم تُترجم إلى سياسات تردع وتُجفف موارد الاحتلال. أما الاكتفاء بالإدانة، فليس سوى وهم أخلاقي أمام كيان يهدد بخريطة "إسرائيل الكبرى"، فلن يكون سوى كلمات لا وزن لها.