فلسطين... أبرتهايد بصمت عربي

26 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 01:09 (توقيت القدس)
فتى فلسطيني في غزة، 24 سبتمبر 2025 (داود أبو الكاس/رويترز)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- العالم يشهد تشابهاً واضحاً بين نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا وممارسات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، حيث تتوارى تل أبيب خلف خطاب زائف عن "الأخلاق الديمقراطية"، بينما تتواطأ بعض الأنظمة العربية في دعمها.

- شعوب وحكومات في أميركا اللاتينية وأوروبا تتحرك لقطع العلاقات مع إسرائيل، بينما يلتزم النظام العربي الرسمي بالصمت أو التبرير، مما يعزز نظاماً استعمارياً عنصرياً.

- محاصرة نظام الأبرتهايد الإسرائيلي تبدأ بقول الحقيقة وسحب الشرعية عنه، حيث أن التطبيع مع هذا النظام ليس حياداً، بل شراكة في الجريمة.

لا يحتاج العالم اليوم إلى مزيد من الأدلة ليرى وجه الشبه القاطع بين نظام الأبرتهايد البائد في جنوب أفريقيا، وما تمارسه دولة الاحتلال الإسرائيلي علناً في فلسطين، بل بوقاحة متصاعدة ومكشوفة حول العالم. الفارق الوحيد أن بريتوريا القديمة كانت أكثر صدقاً في عنصريتها، بينما تتوارى تل أبيب خلف خطاب زائف عن "الأخلاق الديمقراطية"، وتلقى تواطؤاً إقليمياً مخجلاً يُشبه تماماً ذلك الذي أحاط بجنوب أفريقيا خلال حقبة الفصل العنصري. وكما وجدت بريتوريا من يجمّل وجهها القبيح من بعض الأنظمة والشخصيات السوداء، نجد اليوم وجوهاً عربية تُعيد إنتاج ذات الدور: تُدين الاحتلال في البيانات، بينما تحتضنه في الصفقات. تُشيطن المقاومة، وتُحمّل الضحية مسؤولية الجريمة، وتروّج لمعادلة استقرار لا مكان فيها للعدل ولا للكرامة.

نماذج مثل لوكاس مانغوبي في "بوفوتاتسوانا" (جمهورية محلية ذات حكم ذاتي في جنوب أفريقيا)، وكايزا ماتانزيمي في "ترانسكي" (جمهورية محلية ذات حكم ذاتي في جنوب أفريقيا)، وحتى شخصيات محسوبة على الاعتدال مثل غيلبرت ماكالبي، لم تكن سوى واجهات زائفة أضفت شرعية شكلية على نظام الأبرتهايد، وأدت دوراً وظيفياً في تكريس التمييز والاستعمار الداخلي. واليوم، تتكرر النسخة ذاتها عربياً، بأسماء وخطابات جديدة، لكنها بالجوهر نفسه.

رغم بُعدها الجغرافي والثقافي، تتحرك شعوب وحكومات في أميركا اللاتينية وأوروبا لقطع العلاقات مع إسرائيل وفرض المقاطعة، بينما يلوذ النظام العربي الرسمي بالصمت أو التبرير، وكأن دماء الفلسطينيين أقل كلفة من عقود تجارية. فما يجري ليس نزاعاً سياسياً، بل أبرتهايد موثّق، ومن يتردّد في تسميته أو التصدي له، لا يقف على الحياد، بل يشارك في تثبيت منظومة استعمارية عنصرية. الأنظمة التي تكرّر خطاب "القلق" وتلوّح بـ"الحكمة" و"الاعتدال"، لا تختلف كثيراً عن أولئك الذين جمّلوا وجه الفصل العنصري بالأمس. وإذا كان نيلسون مانديلا ورفاقه قد وصِموا بالإرهاب لعقود، فقد جاء التاريخ لينصفهم. وسيأتي يوم يُحاسَب فيه كل من طبّع، أو صمت، أو ساوى بين المحتل والضحية.

محاصرة نظام الأبرتهايد الإسرائيلي تبدأ بقول الحقيقة، ثم بسحب الشرعية عنه، سياسياً واقتصادياً وثقافياً. لقد أسقطت شعوب أفريقيا، بدعم شعوب العالم، ذلك النظام حين أدركت أن حريتها مرتبطة بزواله. وشعوبنا تدرك اليوم أن بقاء الاحتلال هو نزع شرعية عن الكرامة العربية ذاتها. سيكون مخزياً أن تواصل شعوب العالم محاصرة الاحتلال، بينما يكتفي العرب بالدوران في فلكه كأشباه "بانتوستانات" ضعيفة. التطبيع مع أبرتهايد العصر ليس حياداً، بل شراكة في الجريمة. ومن أراد نجاة هذه المنطقة، فعليه أن يعزل تل أبيب... لا أن يبررها.